تابعنا
تعيش تونس اليوم تحت وقع الجدل حول تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإذا كانت الجهات الرسمية تنفي هذا الأمر، إلّا أنّ المعارضة تطرح مخاوف معلنة بخصوص هذا الموضوع.

تونس ــ أعلنت بعض الأوساط السياسية والحزبية في تونس، عن مخاوفها من احتمال تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها أواخر العام، وعلى الرغم من عدم إقرار أي جهة رسمية بذلك بشكل علني، فإن هذه المخاوف عزَّزَتها إشارات من هنا وهناك بين التلميح والتصريح لبعض الشخصيات المعروفة بقربها من دوائر السلطة.

وفجّرَت تدوينة حديثة لمدير شركة سبر آراء "سيغما كونساي" ذائعة الصيت في البلاد، حسن الزرقوني، جدلاً لم ينتهِ، بعد تأكيده أن الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 سيقع تأجيلها لشهر مايو/أيار 2020، رغم الموانع الدستورية.

وسبق لذات الشركة المعروفة بقربها من دوائر السلطة وتأثيرها على المزاج الشعبي في البلاد، أن نشرت سبر آراء منذ أسابيع وُصف بالزلزال السياسي، بعد أن أظهر تراجعاً مدوّياً لأحزاب الائتلاف الحاكم في نيات التصويت في الانتخابات، مقابل صعود أحزاب وكيانات أخرى من بقايا النظام البائد وبعض المستقلين.

تأجيل الانتخابات؟

وربط كثيرون بين نتائج سبر الآراء ومسارعة الكتل الكبرى في البرلمان (النهضة وتحيا تونس وبعض من شقوق النداء) للتصويت بالأغلبية على تنقيحات في القانون الانتخابي، إثر مبادرةٍ تقدمت بها حكومة يوسف الشاهد، وُضعَت بموجبها شروط جديدة للترشح للانتخابات تُقصِي مباشرةً خصوم الأحزاب الكبرى من ماراثون السباق الانتخابي.

وشاع حديثٌ بين الأوساط السياسية حول فحوى لقاء مفاجئ جمع بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والسبسي الأسبوع الماضي، أعلن خلاله السبسي صراحةً عن رغبته في تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية.

تدوينة المحلل السياسي ورئيس تحرير جريدة "عين" ذهبت في هذا السياق، إذ أكّد عبر حسابه الرسمي على فيسبوك أنه وفقاً لمصادر وصفها بالمطّلعة والموثوق بها، فإنّ استقبال السبسي لرئيس حركة النهضة بقصر الرئاسة، كان موضوعه أساساً إخبار السبسي الغنوشي برغبته في تأجيل الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المقبلة.

ويمنح الدستور التونسي رئيسَ الجمهورية دون سواه سلطة الدعوة إلى الانتخابات، كما يتيح الفصل 80 من دستور البلاد للرئيس في حال وجود "خطر داهم" مهدِّد لاستقرار تونس أو تعطُّل دواليب الدولة أن يتخذ تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس المحكمة الدستورية التي لم يقع تركيزها بعد.

تدوينة أخرى تأتي هذه المرة من قيادي بحزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عزّزت بدورها المخاوف من توجُّه الائتلاف الحاكم نحو تأجيل المواعيد الانتخابية، إذ قال الناشط بحزب "تحيا تونس" ماهر عباسي إن الحلّ الوحيد لضمان انتخابات نزيهة هو تغيير القانون الانتخابي وتأخير الانتخابات لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 .

"لعب بالنار"

في المقابل، وصف الناطق الرسمي باسم حزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي، في حديثه لـTRT عربي، رغبة بعض الأطراف في تأجيل الانتخابات بأنها "لعب بالنار ونسف لمسار الانتقال الديمقراطي"، محذّراً من عواقب ذلك.

الشواشي قال إن حزبه تَحصَّل على معلومات مؤكدة من داخل قصر قرطاج تؤكّد رغبة جدّية للسبسي في تأجيل الانتخابات بسبب عدم جهوزية حزبه نداء تونس الذي تعصف به أزمة شقوق وصراعات باتت تهدّد وجوده السياسي، وأنه لا يزال يبحث عن مخرج دستوري وقانوني لذلك.

وتابع "لا يخفى علينا أن النكسة التي عرفتها النهضة وتحيا تونس ونداء تونس في نية التصويت، يمكن أن تدفع بهم نحو تأجيل الانتخابات بهدف إعادة لملمة الصفوف، وتنفيذ مراجعات على مستوى الخطط والبرامج السياسية والانتخابية".

النائب عن المعارضة أكّد أن هيئة الانتخابات بتونس هي الجهة الوحيدة المخول إليها ضبط رُزنامة الانتخابات، لا الأحزاب الحاكمة ولا الرئاسات الثلاث، إلا في حال وجود خطر داهم، وهو ليس مطروحاً حاليّاً حسب قوله.

وفي هذا السياق شدّد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التليلي المنصري في تصريح لـTRT عربي، على أن جميع دعوات تأجيل الانتخابات سواء جدية أو من باب التجاذبات السياسية بين الأحزاب، لا تُلزِم الهيئة من قريب أو من بعيد.

ويؤكّد الرجل أن الهيئة مؤتمَنة على تنظيم الانتخابات وفق الموعد المحدَّد لها، وأنها مُلزَمة بذلك دستورياً وأخلاقياً أمام الشعب.

النهضة تؤكّد رفضها تأجيل الانتخابات

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي نفى خلال تصريحات إعلامية، على هامش اختتام فاعليات الندوة السنوية الثالثة لإطارات الحركة، نية حزبه تأجيل الانتخابات أو الدفع نحو ذلك، واصفاً الأمر بـ"الخطر الذي لا تتمناه النهضة"، مشدداً على ضرورة التمسك بالآجال المحددة.

الحديث عن تأجيل الانتخابات دفع حركة النهضة إلى نشر بيان رسمي نفَت فيه بشكل قطعي انخراطها في أي تفاهمات تتعلق بتأجيل الانتخابات، في إشارة مُبطَنة إلى ما أكّده البعض من اتفاقات حصلت داخل قصر قرطاج بين السبسي والغنوشي أو مع حزب "تحيا تونس" بهذا الخصوص.

وجددت الحركة تمسُّكها بإجراء الانتخابات في موعدها طبقاً للرزنامة التي وضعتها هيئة الانتخابات، باعتبار ذلك "استحقاقاً دستورياً وكسباً مهمّاً للانتقال الديمقراطي" حسب ما ورد في البيان.

النهضة دعت أيضاً جميع القوى المدنية والحزبية لتوفير المناخ الملائم لإجراء الانتخابات في أفضل الظروف.

بدوره استغرب القيادي بحزب "تحيا تونس" الصحبي بن فرج اتهامات المعارضة لرئيس الحكومة والائتلاف الحاكم بالدفع نحو تأجيل الانتخابات، وشدّد على أن حزبه "من بين المتمسكين بضرورة احترام المواعيد الانتخابية حمايةً للمسار الديمقراطي أيّاً كانت جهوزية الأحزاب".

ولفت في تصريح لـTRT عربي إلى أن صلاحية التأجيل من عدمها مخوَّلة أساساً إلى هيئة الانتخابات ورئيس الجمهورية، وهو ما لم يحصل، حسب وصفه.

وشدّد على أن أي تصريح أو تلميح من هنا وهناك حول تأجيل الانتخابات لا يلزم حزبه في شيء ما لم يصدر رسميّاً.

وبَيْن نفي الأحزاب الحاكمة في العلن رغبتها في تأجيل الانتخابات، وإقرار خصومها السياسيين بوجود طبخة تُجهَّز في الكواليس، تبقى جميع السيناريوهات والتكهنات واردةً، حسب مراقبين، إلى حين إقرار رئيس الجمهورية كلمة الفصل عبر الدعوة إلى الانتخابات رسميّاً، أو "إعلان الخطر الداهم".

شاع في تونس أنّ السبسي عبّر صراحةً عن رغبته في تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية (AP)
رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي نفى نية حزبه تأجيل الانتخابات أو الدفع نحو ذلك، واصفاً الأمر بـ"الخطر الذي لا تتمناه النهضة (Getty Images)
TRT عربي