كيف تتنافس واشنطن وبكين على جزر المحيط الهادئ؟ / صورة: AFP (Adek Berry/AFP)
تابعنا

أثمرت الزيارة التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بابوا غينيا الجديدة، يوم الاثنين، توقيع اتفاقية أمنية ودفاعية جديدة بين واشنطن وحكومة بورت مورسبي، تسمح بموجبها للقوات الأمريكية باستخدام البنى التحتية البحرية والجوية للبلاد.

وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة من قرار الحكومة الفليبينية توسيع عدد القواعد لعسكرية التي يسمح للقوات الأمريكية باستخدامها في البلاد، لتشمل قواعد بحرية على مقربة من المياه الصينية. بينما تدخل هذه التحركات في إطار التنافس المحتدم، بين واشنطن وبكين، حول جزر المحيطين الهادي والهندي.

اتفاقية دفاعية مع بابوا غينيا الجديدة

وقادت حكومة بابوا غينيا الجديدة، يوم الاثنين، مباحثات منفصلة مع كل من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأخرى مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. وتركزت كل هذه المحادثات على مخاوف تلك البلدان من توسع النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهادي والهندي، وسبل كبح هذا النفوذ.

ووقع الاختيار على بابوا غينيا الجديدة من أجل طرح هذه المخاوف، نظراً للموقع الاستراتيجي لهذا البلد الواقع بالقرب من طرق الملاحة التجارية المؤدية إلى أستراليا واليابان، أي في منطقة تشعر فيها واشنطن ونيودلهي بقلق من محاولة بكين استمالة الدول الصغيرة بحوافز دبلوماسية ومالية.

وأثمرت المحادثات مع وزير الخارجية الأمريكي توقيع اتفاقية دفاع جديدة بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة، بموجبها ستمنح القوات الأمريكية صلاحية استخدام موانئ ومطارات البلاد. هذه الاتفاقية التي تدخل ضمن عمل واشنطن على "ضمان أمن منطقة المحيط الهادئ" حسب تصريحات بلينكن.

وأضاف وزير الخارجية الأمريكي: "لدينا تاريخ مشترك مع بابوا غينيا الجديدة ونعمل على تعميق الشراكة معها. الرئيس الأمريكي طلب مني أن أذكر بأهمية قيم الشراكة والتعاون (بين البلدين)، ونحن ملتزمون بشراكتنا مع بابوا غينيا الجديدة واتفاقنا اليوم يساعد قواتها".

وبدوره، أثنى رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس مارابي، على فحوى الاتفاقية الدفاعية الجديدة، قائلاً بأن: "هذا الاتفاق مع واشنطن مهم لأمن البلدين، وسيعطينا القدرة لحماية حدودنا البحرية ومكافحة النشاطات غير المشروعة". وكان مارابي قد كشف، قبل أيام، عن أن هذه الاتفاقية ستتيح لواشنطن التحرك في مياه البلاد مقابل الاستفادة من الأقمار الصناعية الأمريكية لمحاربة "الأنشطة غير القانونية في أعالي البحار".

وفي السياق ذاته، وقعت الحكومة الأسترالية، في شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم، مذكرة تفاهم أولية لصياغة اتفاقية دفاعية جديدة مع بابوا غينيا الجديدة، تروم تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وتعد أستراليا حليفاً قويا للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي وأحد أعضاء حلف أوكوس، ما يجعل الاتفاق المذكور يدخل أيضاً في إطار التنافس الأمريكي-الصيني على المنطقة.

جزر أخرى وقواعد عسكرية

وتزامناً مع الاتفاقية الموقعة مع بابوا غينيا الجديدة، يجري وزير الخارجية الأمريكي مباحثات منفصلة مع قادة 14 من دول المحيط الهادي المجتمعين في العاصمة بورت مورسبي، من بينهم رئيس الوزراء النيوزيلندي، كريس هيبكنز. وغرد بلينكن، عقب مباحثاته مع هيبكنز، قائلاً: "تعد الشراكة بين الولايات المتحدة ونيوزيلندا أساسية لتعزيز السلام والأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

وفي إطار المساعي الأمريكية لكبح النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، نجحت واشنطن في تعزيز وجودها العسكري بالفلبين ومضاعفة قواعدها العسكرية هناك. ذلك إثر قرار مانيلا السماح للقوات الأمريكية باستعمال أربع قواعد عسكرية إضافية على أراضيها، تقع اثنتان منها على مقربة من بحر الصين ومياه تايوان.

بالإضافة إلى هذا، في شهر مارس/ آذار المنصرم، أقرت واشنطن ميزانية بمليارات الدولارات لدعم جزر المحيط الهادي، وصفت بأنها "أكبر بند منفرد في الميزانية للمنطقة بخطة الإنفاق"، بصرف النظر عن البرامج العسكرية المباشرة، التي من أبرزها برنامج تطوير الغواصات النووية مع أستراليا والمملكة المتحدة.

وتضمنت هذه الميزانية رصد غلاف مالي بقيمة 7.1 مليار دولار لتمويل جزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو. وقال البيت الأبيض إن هذه الميزانية جزء من استراتيجيته لـ"المنافسة الخارجية للصين" وتقوية التحالفات والشراكات الأمريكية بمنطقة المحيطين الهندي والهادي.

ودافع البيت الأبيض عن مقترحه بأن "الصين هي المنافس الوحيد للولايات المتحدة سواء على مستوى عملها على إعادة تشكيل النظام الدولي وتزايد قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للنجاح بمساعيها تلك (...) خلال هذه الأوقات غير المسبوقة وغير العادية تتطلب الميزانية موارد تقديرية وإلزامية على حد سواء للتغلب على الصين وتعزيز الرخاء الأمريكي على مستوى العالم".

وقبل هذا، كانت واشنطن قد أعلنت، شهر سبتمبر/ أيلول المنصرم، عن صندوق مساعدات جديد بقيمة 810 ملايين دولار لجزر المحيط الهادئ، يروم مساعدة تلك الدول في مجال البيئة والتنمية الاقتصادية، مقابل تعزيز الحضور الدبلوماسي الأمريكي هناك. وقال الرئيس جو بايدن، معلقاً على هذه الخطوة: "إن جزر المحيط الهادئ تمثل صوتاً حيوياً في تعزيز مستقبلنا".

كيف توسع الصين نفوذها في المحيطين الهندي والهادئ؟

أتت الميزانية الأمريكية لجزر المحيط الهادئ الثلاث، بعد تزايد قلقها بشأن قرب انتهاء اتفاقيات الارتباط الحر معها، ما سيتيح فرصة أمام الصين لتوسيع نفوذها هناك.

إذ ستنتهي الاتفاقيات الحالية هذا العام مع جزر مارشال وميكرونيزيا، بينما تنتهي الاتفاقية المبرمة مع بالاو عام 2024.

وأصبحت هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة تشهد انتقادات من سكان الجزر، لأن نسخها السابقة لم تستجب بشكل كافٍ لاحتياجاتهم، ولم تعالج القضايا البيئية والصحية الممتدة التي سببتها التجارب النووية الأمريكية بالخمسينيات والستينيات. وتكثف الصين محاولات استفادتها من الوضع المضطرب لتحقيق اختراق بتلك الجزر.

هذه الانتقادات نفسها سبقت الاتفاقية الدفاعية الأمريكية مع بابوا غينيا الجديدة، إذ اندلعت احتجاجات واسعة طالب فيها المتظاهرون من الحكومة الوضوح بشأن هذه الخطوة، واعتبروا فيها الاتفاق يمس بالسيادة الوطنية للبلاد.

مقابل هذا، تستمر الصين بتوسيع دائرة نفوذها في منطقة المحيط الهادي بتكثيف جهودها الاقتصادية والسياسية الأمنية. ما يفسر حسب مراقبين كونها صارت المانح الرئيسي بالمنطقة إلى جانب الشركاء التقليديين كالولايات المتحدة وأستراليا.

ووفق أرقام الحكومة الصينية موّلت بكين أكثر من 100 مشروع مساعدات بمنطقة المحيط الهادي، وتبرعت بأكثر من 200 دفعة من الدعم العيني، ودرّبت نحو 10 آلاف متخصص محلي منذ السبعينيات. وحسب خارطة للإعانات بمنطقة المحيط الهادي أصدرها معهد "لوي" عام 2022 قدّمت الصين بين عامَي 2008 و2020 ما يقرب من 3.148 مليار دولار إلى جزر المنطقة، منها 3.145 مليار دولار باتفاقيات ثنائية.

هذا إضافة إلى الشراكات الأمنية بين بكين وتلك الدول، وأبرزها وقعت مع جزر سليمان عام 2022. وبموجبها سيُسمح لبكين بإرسال أفراد شرطة وجيش إلى الجزر "للمساعدة بالحفاظ على النظام الاجتماعي"، كما يمكن للسفن الحربية الصينية بالتوقف بمرافئ البلاد، وفق ما كشفه رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري.

TRT عربي
الأكثر تداولاً