كيف يغير لوكاشنكو معادلة الدفاع الغربية؟ (Sergei Chirikov/AP)
تابعنا

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعلان استقلالها في أغسطس/آب 1991، حرم على بيلاروسيا الحصول على أسلحة نووية استرتيجية على أراضيها بموجب ما نصت عليه بنود معاهدة لشبونة بعدها بسنة. إذ تنص بنود المعاهدة على سحب موسكو كل الأسلحة النووية من الدول الوريثة للاتحاد، وانضمام تلك الدول إلى معاهدة الحد من انتشار ذلك النوع من الأسلحة.

في الشهور الأخيرة، ومع دعم الغرب للمعارضة البيلاروسية المنتفضة ضد نظام ألكسندر لوكاشينكو، والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على هذا الأخير، أعاد بدوره طرح ملف نشر أسلحة نووية استراتيجية على أراضيه، كأداة تهديد لأوروبا بشكل عام وقسمها الشرقي على وجه التحديد. ولم تتوقف مساعي لوكاشينكو عند التلويح الخطابي بهذا الخيار، بل ذهبت إلى تغيير دستور البلاد الذي يمنعه في صيغته الحالية تنفيذ رغبته تلك.

من جهة أخرى، وفي خضم التوتر القائم بين روسيا والغرب، تسعى روسيا إلى تثبيت وجودها العسكري على مقربة من الحدود الشرقية لأوروبا. وبالتالي تتقاطع مصالح بوتين وحليفه لوكاشينكو في هذا الإطار، ما سيقلب معادلة الدفاع الغربية رأساً على عقب.

الاستقواء بسلاح بوتين النووي

أتى أول تصريح بهذه المطالب البيلاروسية، شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على لسان رئيس البلاد التي كانت وقتها في قلب أزمة اللاجئين على حدودها الشرقية، اتهمته فيها أوروبا بأنه يستغل الوضع الإنساني لشن "حرب هجينة" عليها. وقال لوكاشينكو وقتها في مقابلة صحفية: "سوف يجلبون هذه الأسلحة إلى بولندا، عندها سأقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة الأسلحة النووية إلى بيلاروسيا".

وكان لهذا التصريح أن يظل في خانة التهديد اللفظي، لولا أن أكد جدية النية وزير الخارجية البيلاروسي، فلادمير ماكي، الذي صرَّح بعدها بأسبوعين لقناة روسيا اليوم قائلاً: "ما صرح به الرئيس لوكاشينكو يبقى أحد أجوبتنا المحتملة على تحركات الناتو في بولونيا". كما أكَّد ذلك أيضاً المتحدث باسم الكريملين، ديمتري بيسكوف، في 20 ديسمبر/كانون الأول، أن احتمال نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا مطروح إلى حد كبير على الطاولة.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودنكو إن "جميع الخيارات مطروحة أمام بلاده، بما في ذلك إنشاء قواعد أسلحة نووية في بيلاروسيا"، إذ سيُنظر فيها إذا مُنحت أوكرانيا عضوية الناتو أو إذا نشر الحلف قوات أو أسلحة إضافية في دول البلطيق. تهديدات جرى تجريبها عندما بعثت موسكو بقاذفات استراتيجية نووية في دوريات على الحدود الغربية لبيلاروسيا في عز أزمتها مع الاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى ذلك، يسعى لوكاشينكو إلى تخطي العقبة القانونية التي تمنعه من تحقيق إرادته بنشر أسحة نووية على أراضيه. في هذا السياق تكشف التغييرات الدستورية التي عرضتها حكوماته بحذف بند منع البلاد من حيازة أسلحة نووية، وإسقاط صفة الحياد عليها.

لوكاشينكو يقلب معادلة الدفاع الغربي

هذا ويزيد قلق الناتو والولايات المتحدة الأمريكية إزاء هذه الخطوة، قلق لم يبق حبيس الصمت، بل تعداه إلى تصريحات الديبلوماسيين الأمريكيين،على غرار مسؤولة سامية في وزارة الخارجية الأمريكية، والتي قالت: "هذه التحركات تهدد الأمن الأوروبي، وبالتالي علينا الرد عليها بنفس القوة".

"يبدو التهديد بنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا ابتزازاً جيوسياسياً" حسبما قرأ مقال تحليلي لمؤسسة المجلس الأطلسي المطالب الروسية والبيلاروسية، مشيراً إلى كونه يقلب معادلة الدفاع الغربية على الحدود الشرقية لأوروبا. ذلك لكون كل من بوتين ولوكاشينكو يسعيان لتثبيت الوجود العسكري الروسي على تلك الحدود.

يُقرُّ جوستاف جريسيل، الباحث المختصّ في شؤون أوروبا الشرقية بمعهد المجلس الأوروبي العلاقات الخارجية، في هذه المؤشرات بأنه "يمكن للمرء أن يتوقع أن تحافظ موسكو على مستوى معيَّن من الوجود العسكري في بيلاروسيا بعد الأزمة الحالية"، مؤكداً: "بغضّ النظر عما إذا كانت روسيا تغزو أوكرانيا مرة أخرى، فإن أراضي بيلاروسيا ستصبح بشكل متزايد مصدراً للتهديدات العسكرية لجميع جيرانها الغربيين، ليس أوكرانيا فقط".

هذا ويملك الجيش الروسي أربع قواعد جوية في بيلاروسيا، وقاعدة واحدة لصواريخ أرض-جو، ونحو 30 موقعاً للتخزين في البلاد لغرض تأمين التعزيزات في حال نشوب نزاع مسلح. هذه البنى التحتية التي كان استعمالها مؤقتاً، أصبحت تعرف نشاطاً دائماً منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام لوكاشينكو. فيما اتفق البلدان في سبتمبر/أيلول الماضي على مراسيم تمديد شروط الاتفاقيات الخاصة بنشر منشأتين عسكريتين روسيتين على أراضي بيلاروسيا، وتصدير موسكو شحنة أسلحة جديدة بقيمة مليار دولار إلى مينسك، ضمنها طائرات مقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة S-400.

TRT عربي
الأكثر تداولاً