أنقاض نقطة تجمع الجنود الروس التي استهدفها الجيش الأوكراني في ماكيفكا / صورة: Reuters (Alexander Ermochenko/Reuters)
تابعنا

تزامناً مع ليلة رأس السنة، وجَّهت القوات الأوكرانية ضربة صاروخية موجعة إلى الجنود الروس في بلدة ماكيفكا. أسقطت على إثرها ما تضاربت حوله التقديرات ما بين 400 و89 جندي روسي، إذ استهدفت نقطة تجمعهم في البلدة الواقعة في إقليم الدونباس شرق البلاد.

ويعد هذا الهجوم الأكثر دموية الذي تعرضت له القوات الروسية، على طول النزاع المسلح الذي يدخل شهره الحادي عشر، وهو ما أثار ارتدادات قوية في الداخل الروسي، ترجمت في ما وصفته وسائل الإعلام بـ "الضغط الكبير على القيادة السياسية والعسكرية الروسية". ما يدفع إلى التساؤل حول تداعياته على مسار الحرب ومدى تأثيره عليها.

تفاصيل هجوم ماكيفكا

وفقاً لرواية المسؤول العسكري الروسي، اللفتنانت جنرال سيرجي سيفريوكوف، تعرضت قوات بلاده للاستهداف على الساعة 12:01 من منتصف ليلة رأس السنة، عند تجمعهم في نقطة وسط بلدة ماكيفكا شرق البلاد، باستخدام ستة صواريخ من نظام صواريخ هيمارس، أسقطت دفاعاتها الجوية اثنين منها ليصيب الأربعة الآخرون أهدافهم.

وتضاربت الأقاويل حول حصيلة الهجوم الأكثر دموية في تاريخ الحرب الأوكرانية. إذ أعلنت السلطات الأوكرانية أنها أسقطت 400 جندي روسي وأصابت 300 آخرين بجروح، وهو رقم تعذر التأكد من صحته من طرف مراقبين مستقلين. بالمقابل تخبطت موسكو أولاً في الاعتراف بحصيلة الهجوم، لتعترف وزارة دفاعها بمقتل 63 من الجنود، قبل أن ترفع الرقم إلى 89 قتيلاً.

ورجحت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أن الجنود الروس ربما كانوا متمركزين بالقرب من مخزن ذخيرة، مما ساعد القوات الأوكرانية عن غير قصد على التركيز عليهم. مضيفة أن "مشهد الكارثة" يحيل على تظافر عوامل عدة للتسبب بالضربة، أهمها الإهمال. ذلك إذ تم تجميع مئات الجنود الروس في مبنى قريب من خط الجبهة، في نطاق المدفعية الدقيقة التي زود الغرب أوكرانيا بها.

وألقت الرواية الروسية باللوم في ارتفاع عدد الضحايا على استخدام جنودها للهواتف المحمولة. وقال اللفتنانت جنرال سيفريوكوف: "السبب الرئيس لهجوم ماكيفكا هو الاستخدام الجماعي للهواتف المحمولة، رغم الحظر المفروض". وأتبع: "جرى تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في ملابسات الحادث، وسنتخذ الإجراءات الضرورية لمنع تكرار هذه الفاجعة، وسيعاقب المسؤولون بعد اكتمال التحقيقات".

ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن مسؤول من الانفصاليين في دونباس، قوله بأن "القوات الأوكرانية توصلت باستخدام نظام معلوماتي غربي إلى رصد نشاط مكثف في إشارات الاتصال التي تصدرها الهواتف المحمولة"، ورجح المسؤول أن هذا النشاط راجع "إلى رسائل المتمنيات الجيدة التي كان يبعثها الجنود إلى أقاربهم بحلول رأس السنة، وهو ما يفسر توقيت الضربة".

ارتدادات الهجوم الأكثر دموية

وفي حديثها لأسوشيتد برس، قالت الباحثة في روسيا وأوراسيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إميلي فيريس بأنه "من الصعب جداً التحقق" مما إذا كانت إشارات الهاتف المحمول وتحديد الموقع الجغرافي هي المسؤولة عن الضربة الدقيقة، مشيرة إلى أن إلقاء اللوم على الجنود أنفسهم كان "رواية مفيدة" لموسكو لأنها تساعد على صرف الانتقادات وتوجيه الانتباه نحو الحظر الرسمي للهواتف المحمولة.

ومع ذلك، تصاعد الانتقاد للقيادة السياسية والعسكرية الروسية، واتهم المراسلون العسكريون الروس قادة الجيش بالتملص من المسؤولية في "الكارثة العسكرية"، وإلقاء اللوم على الضحايا. وكتب بوريس روزين، المدون المقرب من انفصاليي دونباس، منتقداً "عدم كفاءة" القيادة العسكرية الروسية "على الرغم من مرور عدة شهور على الحرب، لم يجرِ بعد التوصل إلى أي استنتاجات".

وأشارت صحيفة "موسكو تايمز" إلى أخذ الموقف الرسمي الروسي هذه الانتقادات على محمل الجد، مستدلة على ذلك بخروج مديرة شبكة "روسيا اليوم" الحكومية، مارغريتا سيمونيان، عن صمتها بالقول: "حان الوقت لفهم أن الإفلات من العقاب يؤدي إلى جرائم جديدة، وينتج صعود معارضة عامة".

وفي إحدى مظاهر الغضب النادرة منذ اندلاع الحرب، خرج عشرات الأشخاص في مدينة سامارا الروسية لتأبين قتلى ماكيفكا، حيث حملوا الورود لقبر رمزي وتليت الصلوات على أرواح أبناء المدينة الذين سقطوا جراء الهجوم. وكتب ميخائيل ماتفييف، عضو البرلمان الروسي عن سامارا، على وسائل التواصل الاجتماعي، متسائلاً: "من سيعاقب؟ وما الاستنتاجات التي سيجري استخلاصها؟".

ويرجح مراقبون أن تصاعد الانتقادات بشأن هجوم ماكيفكا وارتفاع حصيلة ضحاياها سيكون لها أثر على معنويات الجيش الروسي، خصوصاً العناصر الاحتياطية التي جرى تعبئتها للقتال مؤخراً. كما يرتقب أن يحدث تغييرات على مستوى القيادة الميدانية للجيش الروسي، ما قد يؤدي إلى تغييرات في مسار الحرب المستمرة منذ الـ24 من فبراير/شباط المنصرم.

TRT عربي