مطالبات جزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا (AFP)
تابعنا

أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حفيظة الجزائريين رئاسة وحكومة وشعباً، ووصفها بلاغ للرئاسة الجزائرية بـ"المسيئة" التي تمثل "مساساً غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي"، وأن الجزائر "ترفض رفضاً قاطعاً التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات".

إثر ذلك قرَّرت السلطات الجزائرية استدعاء سفيرها بباريس، محمد عنتر داود، لـ"التشاور"، كما منعت الطائرات العسكرية الفرنسية من عبور أجوائها، في دلالة على أزمة دبلوماسية جدية، وقالت مصادر في الحكومة الجزائرية إن احتمال "القطيعة الاقتصادية" بين البلدين مطروح كذلك على طاولة أصحاب القرار في الجزائر.

توتر مزمن!

تأرجحت العلاقة بين البلدين على وقع أزمات كثيرة خلال الفترة الماضية، بداية بتحذير السلطات الجزائرية في مارس/آذار الماضي، مكتب قناة "فرانس 24" الحكومية الفرنسية بالعاصمة، مما اعتبرته "تحيز فرانس 24 في تغطية مسيرات الحراك"، وتهديدها بسحب ترخيصها في البلاد.

ليعلن بعد ذلك بأشهر وزير الإعلام الجزائري، سحب اعتماد القناة الفرنسية بالبلاد بسبب ما وصفه بـ"العداء الجليّ" لبلاده في توجهها التحريري.

تزامناً مع هذا كانت أزمة على مستوى أعلى تنشأ بين البلدين، ألغت زيارة لرئيس الحكومة الفرنسي جان كاستيكس، ووفد من وزراء فرنسا إلى الجزائر في أبريل/نيسان الماضي. سبّب هذه الأزمة ما اعتبرته حكومة البلد المغاربي "استفزازاً" فرنسياً في ملفّ الصحراء ودعم الصحافة الفرنسية للحراك الجزائري.

وعنونت جريدة "الخبر" الناطقة بالعربية صفحتها الأولى بـ"القطيعة مستمرة"، مشيرة في افتتاحيتها إلى أن "تأجيل زيارة كاستيكس يؤكد عمق الفجوة بين الجزائر وفرنسا"، رابطةً الإلغاء بتشديد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سابقاً خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، على "دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جادّ وذي مصداقية" لتسوية نزاع الصحراء، الأمر الذي تعتبره الجزائر خطّاً أحمر.

ونقلت الصحيفة الجزائرية وقتها عن سفير بلادها في فرنسا محمد عنتر داود، قوله بأن "جماعات ضغط تعمل ضدّ تفاهم ودّي بين الجزائر وفرنسا"، في إشارة من السفير إلى أطراف سياسية يمينية متطرفة تدافع عن التاريخ الاستعماري الفرنسي.

قُبيل الأزمة الحالية!

لم تهدأ وتيرة التوتر الدبلوماسي الجزائري الفرنسي منذ ذلك الحين، فنقلاً عن جريدة "الخبر" الجزائرية، اتسم اللقاء الأخير بين وزيرَي خارجية البلدين في نيويورك بـ"التشنج"، إذ طالب الوزير الجزائري رمطان لعمامرة نظيره الفرنسي جان إيف لودريان بـ"بتسليم فرنسا زعيم حركة (ماك)"، فرحات مهني، للسلطات الجزائرية، كما طالبه بالكفّ عن إشعال نار الخلافات بالساحل والتزام فرنسا الحياد في الخلاف بين الجزائر والمغرب".

وأعلنت فرنسا نهاية الشهر الماضي تشديدها إجراءات منح تأشيرة الدخول على رعايا الدول المغاربية الثلاث: تونس والمغرب والجزائر. وردّت عليه السلطات الجزائرية باستدعاء السفير الفرنسي لديها من أجل الاستفسار.

مطالبات بالقطيعة؟

عقب اتهامات ماكرون السلطات الجزائرية بأنها "تكنّ ضغينة لفرنسا"، وطعنه في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830، متسائلاً باستنكارٍ: "هل كانت قبل الاستعمار الفرنسي أمة جزائرية؟"، ثار سخط جزائري عارم، سلطاتٍ وشعباً، دفع عدداً من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي المطالبة بقطع العلاقات مع باريس.

وعنون موقع "السبق" الجزائري مقالاً له بالتساؤل: "هل وقت القطيعة قد حان؟". ولمّح في معرض ذات المقال إلى فرضية قطيعة دبلوماسية مرتقبة، قائلاً إنه "تبدو خطوة استدعاء سفير الجزائر في باريس محمد عنتر داود، للتشاور التي أعلنت عنها مصالح رئاسة الجمهورية مساء اليوم على أنها مقدمة لقرارات أخرى من أجل ردع السلطات الفرنسية وثنيها عن الاستمرار في الحملات العدائية وإجبارها على التعامل الندي وإنهاء عهد (الابتزاز) واستخدام أوراق الضغط لافتكاك مصالح اقتصادية من الحكومة الجزائرية".

من جانبه، يرى الصحافي الجزائري فاروق حركات، أن الأمور "قد لا تصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، لكنها "ستشهد فتوراً كبيراً بسبب التصريحات غير المقبولة للرئيس الفرنسي والتي تمسّ تاريخ الجزائر".

ويضيف حركات في حديثه لـTRT عربي: "في اعتقادي أن تصريحات ماكرون بقدر ما تعكس توجهاً سياسياً داخل الإليزية، فإنها استفزاز للسلطة الجزائرية بسبب تعطُّل مصالح فرنسية في بلادنا في ظل التوجه نحو التعاون مع الصين وروسيا"، وعلى هذا الأساس فإن "فرنسا ستفقد بعض الامتيازات في الجزائر، كان أولها منع الطائرات العسكرية الفرنسية من عبور الأجواء الجزائرية" يختم المتحدث.

TRT عربي