خلال مشاركته في التحالف الدولي للحرب على "داعش" الإرهابي في العراق، بين سنوات 2014 و2017، دأب الجيش البريطاني على نفي سقوط أي مدني جراء العمليات العسكرية التي شنتها قواته ضد التنظيم الإرهابي. وهو ما يكذبه تحقيق أخير لمنظمة "إير وورز"، بالتعاون مع صحيفة الغارديان، معتمدين في ذلك على وثائق سرية لقيادة العمليات وشهادات ناجين.
وكشف تحقيق "إير وورز" والغارديان، بأن ما لا يقل عن 32 مدنياً عراقياً سقطوا جراء هجمات جوية بريطانية على مدينة الموصل، منهم أطفال لا يتعدى عمرهم 6 سنوات. فيما تعد سنوات الحرب على "داعش" الإرهابي وما رافقها من هجمات للتحالف الدولي، إحدى أحلك المراحل التي مر بها الشعب العراقي، والتي أزهقت آلافاً من أرواح المدنيين.
كيف قتل الجيش البريطاني المدنيين في العراق؟
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، نفذت القوات الجوية البريطانية ضربة صاروخية على مدينة الموصل، بناءً على "طلب قائد المهمة بضرب مقاتلي داعش الذين أطلقوا النار على حلفاء عراقيين" حسبما أورد "إير وورز"، غير أن الضربة "فقدت أهدافها الأولوية، إلى أن تعرفوا في النهاية على مجموعة أخرى من الذكور على الرصيف تحمل سلاحاً محتملاً".
هذه الضربة أودت بحياة الطفلة طيبة، التي لم يكن عمرها تعدى ست سنوات. فيما أصيبت والدتها إنعام يونس جراء الانفجار ما أدى إلى بتر ساقيها، وأصيبت أختها الصغرى بشظية لا تزال مستقرة في جمجمتها، كما أخوها الأصغر الذي بُترت أجزاء من قدمه ويده.
تؤكد الأم إنعام يونس ووالدها، في شهادتهم للمحققين، أنه لم يكن لمسلحي داعش الإرهابي أثر على بعد 30 متر من المكان الذي ضُربت فيه العائلة وهي تحاول الاحتماء من المعارك في أحد بيوت الجيران.
وجرى إخراج إنعام يونس من الموصل لتلقي العلاج، وحتى بعد ست سنوات، لا تزال الذكريات المؤلمة المرتبطة بمدينة الموصل تؤرقها، وهو ما يمنعها من العودة إليها. وقالت وهي تبكي "لا يزال من المستحيل بالنسبة إليّ التفكير في الذهاب إلى الموصل الآن (...) لم أزُر قبر ابنتي. لا يمكنني ذلك".
وكشف التحقيق أن ما لا يقل عن 32 مدنياً فقدوا حياتهم خلال هجمات جوية بريطانية على مدينة الموصل، خلال الحرب على إرهابيي "داعش"، ما بين عام 2014 و2017. وخُلص إلى تلك النتائج استناداً إلى عشرات من الوثائق العسكرية التي رُفعت عنها السرية، كما جرت زيارة العراق والاستماع إلى شهادات الناجين، وربط المعطيات فيما بينها.
وكتبت إيما غراهام هاريسون، مراسلة الشؤون الدولية في صحيفة الغارديان البريطانية، تعليقاً على نشر التحقيق: "ادعت بريطانيا أنها خاضت حرباً مثالية ضد تنظيم داعش في العراق. أطلقت آلاف الصواريخ، وقتلت آلاف المقاتلين ولم يُصَب أي مدني بأذى، هذا قول تنقصه المصداقية وغير صحيح".
آلاف الضحايا، دون تعويضات
حسب أرقام مرصد " Iraq Body Count"، أنه خلال الفترة ما بين يناير/كانون الثاني 2014 ويناير 2017، سقط ما لا يقل عن 55 ألفاً و308 مدنيين في العراق جراء المعارك. مئات منهم كانوا ضحايا لضربات التحالف، وهو ما لا تنفيه الولايات المتحدة التي كانت تقود التحالف.
وتقدر "إير وورز" أن ما بين 8197 و 13254 مدنياً عراقياً وسوريّاً قتلوا على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في 1525 غارة منفصلة منذ 2014. ويتناقض هذا الرقم بشكل صارخ مع تقديرات التحالف التي تشير إلى مقتل 1437 مدنيّاً في 342 حادثاً منفصلاً.
وعند استفسار الغارديان وزارة الدفاع البريطانية عن نتائج التحقيق، امتنعت الوزارة عن تأكيد أو نفي إن كانت قواتها نفذت تلك الضربات المحددة. وقال متحدث باسم الدفاع البريطاني: "لا دليل أو مؤشر على وقوع إصابات في صفوف المدنيين نتيجة الضربات في سوريا والعراق".
وأضاف المتحدث باسم الوزارة: "تقلل المملكة المتحدة دائمًا من مخاطر الخسائر المدنية من خلال عملياتنا الصارمة وتفحص بعناية مجموعة من الأدلة لفعل ذلك، بما في ذلك التحليل الشامل لبيانات كل ضربة".
ويحول رفض الوزارة البريطانية دون حصول الضحايا على تعويضات جرّاء ما طالهم، إذ يشير تقرير "إير وورز" إلى أنه "من الناحية النظرية، يحق للضحايا المدنيين من الضربات الجوية البريطانية المطالبة بمدفوعات تعزية من حكومة المملكة"، في هذه الحالة أولئك الذين سيحاولون فعل ذلك "سيواجهون عقبات إجرائية وقانونية شديدة ".