تابعنا
بعد أن اتسمت علاقة البلدين بالتوتر لفترة طويلة، أعلنت إدارة بايدن خلال شهر أبريل/نيسان الماضي عن سياساتها الجديدة تجاه كوريا الشمالية المسلحة نووياً. فكيف بدأ البرنامج النووي العسكري في كوريا الشمالية وإلى أين وصل؟

تعتبر صحيفة فورين أفيرز في تقرير نشر مؤخراً بعنوان "عائلة كوريا الشمالية النووية" أن سنوات من الجهود الأمريكية غير المتسقة سمحت بتفاقم تهديد كوريا الشمالية التي تمكنت من جمع نحو 60 رأساً نووياً وعدداً كبيراً من المواد الانشطارية التي تخول لها صنع 6 قنابل إضافية على الأقل كل عام. ولكن المثير للقلق هو أن هذه الأسلحة يمكن أن تصل على الأرجح إلى القارة الأمريكية.

وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن تشن كوريا الشمالية هجوماً نووياً على الولايات المتحدة، فإن نظامها يتمتع في الوقت ذاته بقدرات نووية متنامية قد تؤدي إلى سلوك متهور في المستقبل حسب مراقبين، وربما تلجأ إلى بيع أسلحتها لتجاوز الضائقة المالية التي تحاصرها، أو ربما تشكل محفزاً لسباق التسلح النووي الذي قد يزعزع استقرار المنطقة.

وتعتبر فورين أفيرز في هذا السياق أن التطور الذي أحرزته بيونغ يانغ قد استغرق وقتاً طويلاً للإعداد والتخطيط، وللحد من خطورته يجب على صناع القرار السياسي الاعتبار من الدروس المستفادة ووضع نهج جديد للسياسات.

كيف نجحت كوريا الشمالية

على الرغم من كونها دولة فقيرة ومعزولة سعت كوريا الشمالية للحصول على أسلحة نووية بلا هوادة. وتعود تطلعات الدولة النووية إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما اكتسب العلماء الكوريون الشماليون لأول مرة الخبرة النووية الأساسية بمساعدة سوفيتية.

ثم استمر النظام بعد ذلك في مراكمة التقنيات النووية الحساسة. وخلال الثمانينيات بني أول مفاعل نووي في يونغبيون. ووقعت كوريا الشمالية بعد ذلك عام 1985 على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وذلك نتيجة الضغط السوفيتي.

لتعود بعد وقت قصير لمعالجة الوقود النووي المستهلك لاستخراج البلوتونيوم لاستخدامه في الأسلحة النووية في سرية تامة. وتوجت مجهوداتها بأول تجربة نووية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2006، عقبتها بعد ذلك 5 تجارب أخرى.

وعلى الرغم من أن الكثير من الدول في العالم قد تخلت على برامجها النووية، اختارت عائلة كيم التي حكمت البلاد منذ عام 1948 إلى اليوم، على حيازة الأسلحة النووية رصيداً عسكرياً وبوليصة تأمين ضد أي هجوم أو استهداف محتمل من أي دولة أو قوة عظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

كما تضفي الأسلحة النووية شرعية على النظام وتبرر الظروف المعيشية السيئة التي يواجهها المواطن العادي، في سبيل تعزيز مكانة بلاده عالمياً.

فشل أمريكي في احتواء التهديد النووي الكوري

أشارت الصحيفة عن خطة عرضت على الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بتنفيذ هجوم صاروخي على يونغبيون، وبالتالي القضاء على المشروع النووي الكوري.

سافر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى بيونغ يانغ وتفاوض بمبادرة منه، على صفقة ستجمد كوريا الشمالية بموجبها برنامج أسلحتها النووية مقابل النفط ومساعدة قطاعها النووي المدني. ووافق كلينتون على ذلك وأبرمت الاتفاقية بين البلدين عام 1994.

ولكن دبلوماسية كلينتون وكارتر لم تستطع كبح جماح الكوريين الشماليين. فعلى الرغم من أن بيونغ يانغ جمدت قدراتها على البلوتونيوم بعد اتفاق 1994، فإنها واصلت سراً العمل مع باكستان لتخصيب اليورانيوم بدلاً من ذلك.

وواجهت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عام 2002 الكوريين بخداعهم وانسحابهم من الاتفاقية، فاحتدت التوترات من جديد وعملت كوريا الشمالية في المقابل على تسريع برنامجها النووي. وفرضت عليها الولايات المتحدة بدورها الكثير من العقوبات وساهمت في مزيد التضييق على الاقتصاد الكوري.

وفي عام 2009 أي خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، نفذت كوريا الشمالية تجربة نووية ثانية. ما استدعى الرئيس الأمريكي إلى عقد اتفاق بتقديم مساعدات غذائية مقابل وقف تجارب الصواريخ الباليستية وأي أنشطة نووية.

إلا أنه وبعد فترة وجيزة من بدء تنفيذ الاتفاقية أطلقت كوريا الشمالية قمراً صناعياً في المدار باستخدام نفس التكنولوجيا التي سيجري استخدامها لإطلاق صاروخ بعيد المدى، وهكذا انهارت صفقة أخرى. وأعلنت بيونغ يانغ في الوقت ذاته أن أسلحتها النووية ليست ورقة مساومة ولن يجري التنازل عنها حتى مقابل "مليارات الدولارات".

ومنذ ذلك الحين عادت واشنطن إلى سياسة "الصبر الاستراتيجي" من أجل "كسر حلقة الاستفزاز والابتزاز والمكافأة". وهذا يعني الإبقاء على العقوبات من دون إطلاق أي مبادرات دبلوماسية كبرى.

ومع وصول دونالد ترمب إلى الحكم عام 2017 توقفت لعبة الانتظار، وبتجاهل "الصبر الاستراتيجي" لصالح "الضغط الأقصى" ضاعف ترمب العقوبات وأشارت سلسلة من التسريبات إلى أن الإدارة كانت تدرس توجيه ضربة عسكرية استباقية على المواقع النووية في كوريا الشمالية.

ليرد زعيم كوريا الشمالية على ذلك عام 2018 بأن برنامج بلاده النووي "مكتمل". عقب ذلك اجتماعات بين الرئيسين لم تسفر عن أي شيء. وبذلك استنفذت الولايات المتحدة كما تشير فورين أفيرز خياراتها الدبلوماسية من دون جدوى.

ويرجح خبراء ومحللون أن العداء الأمريكي هو الذي أجبر كوريا الشمالية على البحث عن القنبلة في المقام الأول وأن الأمور كانت ستصبح مختلفة لو طبعت الولايات المتحدة العلاقات ورفعت العقوبات وأبرمت معاهدة سلام وسحبت قواتها العسكرية من الجنوب الكوري.

واليوم يواجه بايدن خصماً حازماً مع رادع نووي قوي يتضمن القدرة على ضرب الولايات المتحدة القارية بالصواريخ النووية مع خيارات محدودة.

وفي هذا السياق تطرح الصحيفة تساؤلاً عن المسار الذي ستنتهجه إدراة الرئيس الأمريكي الحالي، بخاصة أن الدبلوماسية وإن كانت أفضل خيار بناء على تجارب الإدارات السابقة فإنها لن تتمكن من نزع السلاح النووي.

TRT عربي