يتجه المستشار الألماني أولاف شولتز نحو توطيد علاقات بلاده مع بكين. (Markus Schreiber/AP)
تابعنا

في الـ 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، احتضنت ردهات مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل قمة قادة الدول الـ27 المنضوية تحته، ذلك من أجل تدارس اتساع النفوذ الاقتصادي والعسكري الصيني، وما يمكن أن يخلقه من تهديدات استراتيجية محتملة للكتلة القارية، بهدف إعادة تقييم العلاقة الأوروبية الصينية وتقليل الارتهان الاقتصادي لبكين.

يومها، تداول القادة الأوروبيون الكلمة لمدة ثلاث ساعات التي امتد على طولها الاجتماع، حيث عبر أغلبهم عن ما وصف بـ"المخاوف من استمرار بكين في توسيع حلقة نفوذها". بينما تمترس آخرون، على رأسهم المستشار الألماني أولاف شولتز، خلف مبدأ حرية التجارة للدفاع عن العلاقات الاقتصادية مع الصين.

فيما تثير هذه القضية عاصفة انتقادات حول المستشار الألماني، خصوصاً بعد دعمه استثمار الصين في ميناء هامبورغ، كما إعلانه عن زيارة مرقبة لبكين مطلع نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وفي ضوء ذلك يهاجم سياسيون ومراقبون غربيون وألمان شولتز قائلين إنه "لم يتعلَّم من درس ميركل"، في إشارة إلى دعوتها للتطبيع مع روسيا وسياساتها التي كرست "ارتهان" ألمانيا الطاقي لموسكو.

مشاورات وزيارة واستثمارات

تزامناً مع القمة الأوروبية المذكورة، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن زيارة مرتقبة له للصين، في 3 و4 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، حيث سيصبح أول مسؤول أوروبي يزور البلد الآسيوي منذ عام 2019. ودافع شولتز عن قرار هذه الزيارة بالقول إنه "كان مخططاً لها منذ فترة طويلة"، وإنها "زيارة تسبق مشاورات حكومية صينية - ألمانية".

هذا ورجح موقع "بوليتيكو" الأمريكي بأن تكون أهداف هذه الرحلة اقتصادية محضة، حيث يرافقه فيها عدد كبير من رجال الأعمال الألمان، ومن المحتمل أن يلتقي بالرئيس شي جين بينغ أياماً قليلة بعد حسمه الاستمرار في الكرسي لولاية ثالثة.

واعتبر الموقع الأمريكي أن هذه الزيارة تأتي في وقت دقيق يمر به المسؤول الألماني، إذ "يسير فيه على خط رفيع بين استمرار في العلاقة الاقتصادية الوثيقة لسلفه أنغيلا ميركل مع بكين، والموقف النقدي بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان أو دعم الصين الضمني لحرب روسيا ضد أوكرانيا".

ووفق مقال سابق لمجلة "ذا ديبلومات"، فإن شولتز يتحلى بنظرة براغماتية إزاء العلاقات الألمانية الصينية، ويميل إلى الاستمرار في نهج سابقته أنغيلا ميركل التي سعت إلى تأسيس علاقات اقتصادية مستدامة مع بكين. في سبيل هذا، يرجح المقال، أن يختار عدم إثارة الملفات الحقوقية والسياسية الشائكة في نظر الصينيين.

وفي السياق ذاته، سبق وأن عبَّر شولتز عن تأييده للاستثمارات صينية في أكبر ميناء في البلاد، عقب إعلان الشركة المشغلة لميناء هامبورغ "HHLA" منذ عام، أن شركة "كوسكو" المملوكة للدولة الصينية تريد الاستحواذ على حصة 35% في إحدى محطات حاويات الميناء الأربع. وهو ما أثار تجاذبات سياسية واسعة داخل الحكومة الألمانية، وجر على المستشار موجة انتقادات واسعة.

انتقادات داخلية وخارجية

وأعطت الحكومة الألمانية، يوم الأربعاء، الضوء الأخضر للمضي قدماً في الصفقة الصينية للاستحواذ على 24.9% من حصة "HHLA" في إحدى محطات حاويات ميناء هامبورغ. بالرغم من معارضة وزير الاقتصاد روبيرت هايبك لهذه الخطوة، وتنديد وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بهذه الخطوة التي "قد تضع البلاد تحت طائلة الابتزاز الصيني".

وحذَّر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي يقود زيارة إلى كييف في هذه الأثناء، من الصفقة، بالقول: "علينا أن نتعلم من الدروس، وأن نتعلم الدرس يعني أنه يتعين علينا تقليل التبعيات أحادية الجانب كلما كان ذلك ممكناً، وهذا ينطبق على الصين على وجه الخصوص".

وعلى الجانب الأوروبي، عقب قمة الـ27 يوم الجمعة الماضي، ناشد رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته ماريو دراجي الزعماء الأوروبيين: "يجب ألا نكرر حقيقة أننا كنا غير مبالين ومتسامحين وسطحيين في علاقاتنا مع روسيا". وأضاف في تلميح لنظيره الألماني: "تلك التي تبدو كعلاقات تجارية، هي جزء من الاتجاه العام للنظام الصيني، لذا يجب معاملتها على هذا النحو".

وفي السياق ذاته، دعت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين الاتحاد الأوروبي للعمل مع جميع الديمقراطيات ضد صعود الصين، مشددة على أنه "لا ينبغي أن نبني هذا النوع من التبعيات الاستراتيجية والحرجة على الدول الاستبدادية".

TRT عربي