تابعنا
تأتي هذه التسريبات لتُشير من جديد إلى استمرار الولايات المتحدة في التجسس على حلفائها قبل خصومها، وهذا ما يحمل تساؤلات عن التداعيات المُحتملة للتسريبات على علاقات واشنطن مع حلفائها، وأيضاً تداعيات الأمر على مسار الأزمة في أوكرانيا.

منذ تسريبها على مواقع التواصل الاجتماعي في 7 أبريل/نيسان الجاري، ووسائل الإعلام منشغلة بتناول الوثائق السرية ذات العلاقة بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".

تأتي هذه التسريبات لتُشير من جديد إلى استمرار الولايات المتحدة في التجسس على حلفائها قبل خصومها، وهذا ما يحمل تساؤلات عن التداعيات المُحتملة للتسريبات على علاقات واشنطن مع حلفائها، وأيضاً تداعيات الأمر على مسار الأزمة في أوكرانيا.

تجسس واشنطن على حلفائها

في تقريرها المعنون "وثائق البنتاغون المُسربة نافذة نادرة على عمق المعلومات الاستخبارية الأمريكية عن الحلفاء والأعداء، أشارت شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، إلى أن الوثائق المُسربة "تُظهر عمق تنصت الولايات المتحدة على حلفائها واختراقها مساحاتٍ حساسةٍ من خبايا أمنها القومي".

يقول الباحث في الشأن الأمريكي، عبد الرحمن السراج،"مسألة تجسس الولايات المتحدة على حلفائها هي موروث الحرب الباردة، وحلفاء الولايات المتحدة يعلمون بتجسس واشنطن عليهم"؛ وأفاد لـ TRT عربي بأن الوثائق المُسربة تؤكّد بأن ديدن التوجه الأمني الاستخباري هو المُهيمن على سياسة الولايات المتحدة لرغبتها في البقاء مُطلعةً على تحركات حلفائها وتوجيههم وفق مصالحها.

واستكمل السراج تقييمه للوثائق المسربة، مبيّناً أن "جميع الدول تُمارس التجسس على بعضها غير أن النصيب الأكبر في عمليات التجسس تنفذه الولايات المتحدة". وأضاف أن "الولايات المتحدة ترمي، من خلال التجسس على الحلفاء، إلى اتخاذ إجراءات استباقية وقائية لتجنب أي نتيجة سلبية لتحرك الحلفاء خارج الفلك الذي تجتهد واشنطن لإبقاء سياسات الحلفاء في إطاره".

من ناحية القانون الدولي، لم تتضمن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بنوداً تحظر التجسس، وقد حرصت الدول المُوقعة على الاتفاقية، بما فيها الولايات المتحدة، على تفريغ الاتفاقية من أي بند يحظر التجسس للتحرك بدون أي عوائق دبلوماسية أو قانونية في هذا الإطار، وهذا ما يجعل العلاقات بين الحلفاء قبل الخصوم قائمة على الحذر الشديد.

تداعيات "تسريبات البنتاغون" على العلاقات مع الحلفاء

تبين الوثائق المسربة أن واشنطن قد تجسست على أوكرانيا وكوريا الجنوبية وإسرائيل، بالإضافة إلى الإمارات ومصر.

وفي معرض تقييم تداعيات الوثائق المسربة على العلاقات مع الحلفاء، يقول السراج في حديثه مع TRT عربي إن الوثائق المُسربة كشفت عن "توجه عددٍ من الدول الأوروبية إلى الاستقلال عن سياسات الولايات المتحدة"، مردفاً أن هذه التسريبات وما سبقها من تسريبات تجسس على كبار المسؤولين الأوروبيين، "ستدفع حلفاء الولايات المتحدة، بخاصة الأوروبيين، نحو مزيد من الخطوات الجادة في الاستقلال عن السياسة الأمريكية، فضلاً عن اتخاذ تحركات أكثر احترازاً في العلاقات مع الولايات المتحدة".

الخبير في شؤون العلاقات الدولية، محمد رقيب أوغلو، أوضح لـTRT عربي أن "هذه التسريبات تُهز ثقة الحلفاء بواشنطن بلا أدنى شك"، مضيفاً أن هذه "التسريبات المُتكررة ستُفقِد الولايات المتحدة العلاقات الجيدة مع حلفائها، إذ بات من الواضح أن الولايات المتحدة أمست تُعاني تضعضعاً في تماسك مؤسساتها الاستخبارية وعملها، وهذا عنصر سيصيب سياسات الولايات المتحدة وهويّتها كدولة عُظمى بالوهن في الساحة الدولية".

ووفق ما يبيّنه رقيب أوغلو، فإن الولايات المتحدة تتدخل في شؤون الحلفاء بوسائل عدة ومنها التجسس، وتجد الولايات المتحدة نفسهامضطرةً إلى رفع وتيرة التجسس على نحوٍ يكتنف المواقع والقضايا الحساسة لحلفائها، خصوصاً مع تنامي الشعور لدى صانع القرار في واشنطن أن بعض الحلفاء قد بدأ جدياً بالتفكير نحو النأي عن سياسة الولايات المتحدة والتفكير بالبدائل.

في المقابل، يرى الباحث في العلاقات الدولية، طارق دياب، تداعيات "تسريبات البنتاغون" على العلاقات مع الحلفاء في سياقٍ مخالفٍ، إذ يقول في معرض حديثه مع TRT عربي "إن الولايات المتحدة ستحاول توظيف هذه التسريبات كتكتيك تضغط به على بعض الحلفاء لثنيهم عن التعاون مع الخصوم من قبيل موسكو وبكين، مُضيفاً أن ملف التسريبات سيكون فيما بعد محط تفاوض ما بين الولايات المتحدة وحلفائها لدفعهم نحو البقاء في إطار سياساتها قدر الإمكان".

تداعيات "تسريبات البنتاغون" على الأزمة في أوكرانيا

شملت الوثائق المُسربة شرحاً مُفصلاً لأماكن انتشار القوات الأوكرانية، وما تعانيه هذه القوات في مواقعها من نقصٍ جسيمٍ في العتاد، فضلاً عن وقت تسليم الإمدادات العسكرية التي ستجعل القوات الأوكرانية أكثر جاهزيةً لتنفيذ هجماتٍ مُرتدةٍ ضد القوات الروسية في أكثر من موضع؛ بحسب موقع بي بي سي نيوز.

وتعليقاً على التسريبات وفحواها حول الحرب الجارية في أوكرانيا، قال العميد ركن، صبحي كاظم في حديثه مع TRT عربي، إن "الوثائق لم تأتِ بجديد حول ضعف القوات الأوكرانية ونقص العتاد لديها"، موضحاً أن "الاستخبارات الروسية على متابعةٍ حثيثةٍ لمسار الدعم الأمريكي المُقدَّم إلى القوات الأوكرانية. وعليه ستزيد هذه التسريبات من احترازات القوات الروسية وتصديها لتحركات القوات الأوكرانية، حتى لو تم تقديم دعمٍ أمريكي، فكفة الحرب العسكرية لا تزال في صالح موسكو".

على صعيد متصل رأى مؤسس قوات "فاغنر" الروسية، يفغيني بريغوجين، أنه جرى تسريب الوثائق عمداً إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتكون بمثابة "تحذير أمريكي" لموسكو عن وجود خطط تُعد لتنفيذ هجوم مضاد في فصل الربيع.

كما هوّنت الرئاسة الأوكرانية على لسان مساعد الرئيس الأوكراني، ميخائيلو بودولياك، من خطورة فحوى الوثائق المُسربة، الذي أشار إلى أن خطط أوكرانيا الاستراتيجية لن يطرأ عليها تبديل، لكن سيكون هناك تغيير في بعض التكتيكات.

وحول طبيعة العلاقة بين واشنطن وكييف بعد التسريبات، بيّن دكتور العلاقات الدولية الخبير في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز، فاتح تونجار لـTRT عربي، أن "التسريبات لن يكون لها وقع كبير على مسار العلاقات بين الطرفين، مُرتكزاً إلى فقدان كييف فرصة المناورة أمام حلفائها في الوقت الحالي، لا سيّما في ظل ما كشفت عنه الوثائق من نقصٍ كبير في العتاد لدى القوات الأوكرانية".

يُذكر أن "تسريبات البنتاغون" ليست الأولى من نوعها في تجسس الولايات المتحدة على حلفائها، فقد كشفت تسريبات منظمة ويكليكس الدولية التي بدأت نشاطها عام 2006 ولا تزال نشطة حتى يومنا هذا، تجسس الولايات المتحدة على حلفائها لسنوات مديدة.

وفي الإطار ذاته أيضاً، سرب عميل الاستخبارات الأمريكي، إدوارد سنودن، عام 2013، وثائق استخبارية كشفت تجسس الولايات المتحدة على هاتف المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، وعدد من المسؤولين الأوروبيين وكذلك مكاتب الاتحاد الأوروبي و٣٨ سفارة أجنبية فاعلة في الدول الأوروبية، وهو ما أحدث أزمةً دبلوماسيةً كبيرة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في حينها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً