تابعنا
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 78% ممن يقدمون على الانتحار في العالم العربي، تنحصر أعمارهم ما بين 17 و 40 عاماً، وأن أكثر من 69 % من أعداد المنتحرين كانت لديهم ضغوط اقتصادية قاسية.

على الرغم من غياب بيانات دقيقة تخص حالات ارتفاع أو تراجع الانتحار في الدول العربية خلال عام 2020، لاسيما في ظل تحفظ بعض وزارات الداخلية والصحة على إتاحتها للجمهور، إلا أن الملاحظة المباشرة من متابعة التقارير الصادرة عن وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، سواء الوطنية أو الدولية، تشير إلى تسجيل حالات بشكل متصاعد وهذا ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية. 

إذ ينتحر شخص كل 40 ثانية، أي 800 ألف شخص سنوياً على مستوى العالم وفق منظمة الصحة العالمية World Health Organization.

تصاعد الانتحار في الوطن العربي 

تقرير منظمة الصحة العالمية الذي أعيد نشره نهاية عام 2019، لجأ إلى تقسيم بلدان العالم حسب القارات، ففي القارتين الإفريقية والآسيوية اللتين تحتضنان كل البلدان العربية، تفوقت مصر على الدول العربية التي تشهد نزاعات مسلحة وحروباً أهلية حيث شهدت 3799 حالة انتحار في عام 2016، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 مقابل 704). وحل السودان الثاني عربياً بـ3205 حالة انتحار، ثم اليمن ثالثاً بـ2335 منتحراً. 

أما الجزائر فقد جاءت في المرتبة الرابعة بعدد حالات انتحار بلغت 1299 حالة، ثم العراق بعدد 1128 حالة والسعودية في المرتبة الخامسة بنحو 1035 حالة. ويعتبر المغرب البلد العربي الوحيد الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الانتحار لدى الإناث فقد بلغ عدد الحالات 613 حالة مقابل 400 حالة من الذكور. 

بهذا الصدد تحدثت الدكتورة ميسون الحداد المختصة بإدارة الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية بقسم دول النزاع لـTRT عربي بالقول: "إن الأدلة تشير إلى زيادة معدلات الانتحار بين اللاجئين، إذ إن المعدل يرتفع عادة في الأوقات التي يضطر فيها الناس إلى الانتقال إلى مناطق مختلفة، وكذلك أثناء الأزمات الاقتصادية، مضيفة أنه ومقابل كل شخص يلقى حتفه نتيجة الانتحار، يوجد هناك 20 شخصاً نفذوا محاولات سابقة".

وأشارت الحداد "إلى أنه وبجانب كل ذلك، فإن السلوك الانتحاري يقترن كثيراً بالنزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة، أو الفقدان والشعور بالعزلة، كما أن معدلات الانتحار تتزايد بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين، والشعوب الأصلية، والسحاقيات والمثليين، والمتحولين جنسياً، وثنائيي الجنس، والسجناء". 

وبالنظر إلى الأسباب التي أوردتها المنظمة، والتي تدفع الناس إلى الانتحار، خاصة ما يتعلق باللجوء والأزمات وعدم الاستقرار تؤكد المختصة النفسية ميسون الحداد أن "المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام، تتوفر لديهما بيئة تشجع على الانتحار". 

ولفتت الحداد إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 78% ممن يقدمون على الانتحار في العالم العربي، تنحصر أعمارهم ما بين 17 و40 عاماً، وأن أكثر من 69 % من أعداد المنتحرين كانت لديهم ضغوط اقتصادية قاسية". بحسب تعبيرها

معدلات وأسباب الانتحار في العراق 

يرى العديد من الخبراء والمراقبين أن أسباباَ عديدة تؤدي بالشخص إلى الإقدام على الانتحار وأهمها الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاضطرابات النفسية نتيجة ضياع أبسط الحقوق في العيش بكرامة، في بلد كالعراق الذي يمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم.

وفي هذا السياق تحدث مدير علاقات وإعلام وزارة الداخلية اللواء سعد معن تحدث لـTRT عربي قائلاً: "إن نسب الانتحار في البلاد متفاوتة تزامناً مع حالات النزاعات والصراعات في العراق، ففي عام 2015 رصدت وزارة الداخلية 376، وفي عام 2016 كانت هناك 383، أما في عام 2017 فقد سجلت الوزارة 494 حالة انتحار". 

وتابع معن "نتيجة للأوضاع الاقتصادية المضطربة، فقد ارتفعت حالات الانتحار بعد الحرب ضد تنظيم داعش، وخاصة في العامين 2018، 2019 كما أن نسب تعاطي المخدرات ازدادت أيضاً في البلاد، والتقارير الأخيرة التي رصدناها أشارت إلى حدوث 518 حالة في عام 2018، و588 حالة في عام 2019، ثم بجهود وزارة الصحة ومعلومات ورصد وزارة الداخلية انخفضت حالات الانتحار عام 2020 إلى 488". 

من جهته أوضح عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي النائب محمد الغزي أسباب ارتفاع حالات الانتحار في البلاد وقال لـTRTعربي: "إن التدهور الأمني والاقتصادي والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات تعتبر عوامل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتحار، كما يُضاف إلى ذلك التشدد الديني والابتزاز الإلكتروني وتهديد النساء بالفضائح، فضلاً عن الألعاب الإلكترونية. كل ذلك مثّل الأسباب الرئيسية التي دفعت الضحايا إلى إنهاء حياتهم". 

وتابع الغزي "إن السلطات العراقية لم تتخذ أي إجراء تجاه الذين حاولوا الانتحار وفشلوا، أو الذين أنقذوا من قبل المواطنين وأجهزة الأمن، واكتفت بتسليمهم إلى ذويهم، لكن المشكلة تكمن في أن قسماً ممن أنقِذوا عاودوا محاولة الانتحار ونجحوا فيها، وهذا إخفاق للحكومة والمؤسسات المعنية.

وحمّل الحكومة مسؤولية ارتفاع معدلات الانتحار، وشدّد عضو اللجنة القانونية على "تعويض النازحين في المخيمات وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، والتخفيف من حدة البطالة والقضاء على الفساد الذي انتشر في مؤسسات الدولة". 

أرقام وحقائق صادمة 

لقد تزايد خلال السنوات الأخيرة انتشار هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع العراقي، إذ لم يسجل العراق طيلة تاريخه إلا حالات نادرة من الإقبال على الموت العمد من مواطنين في مختلف المحافظات، ومع تزايد أعداد المنتحرين أو حالات الانتحار، دقت السلطات ناقوس الخطر من انتشار هذه الظاهرة. 

ووفقاً لما كشفته المفوضية العليا لحقوق الإنسان في اليوم العالمي للانتحار في العاشر من أيلول/سبتمبر عن عدد حالات الانتحار التي شهدها العراق خلال العام الجاري 2020، حيث صرّح عضو المفوضية فاضل الغراوي لـTRT عربي قائلاً "إن عام 2020 شهد تسجيل 298 حالة انتحار في عموم محافظات العراق، فقد بلغ عدد الذكور 168 والإناث 130 حيث سجلت بغداد 68 والبصرة 39 وذي قار 33 حالة انتحار". 

وأضاف الغراوي: "إن صور الانتحار توزعت بين استخدام السم والشنق والحرق والغرق والطلق الناري، ويمكن حصر أغلب الأسباب التي دعت إلى تزايد هذه الأرقام في الآثار الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والبطالة والفقر وازدياد حالات العنف الأسري والاستخدام السيئ للتكنولوجيا". 

وشدد عضو مفوضية حقوق الإنسان على أن "هذه الأوضاع تستدعي مطالبة الحكومة بمعالجة هذه الظاهرة على مستوى جميع جوانبها وإنشاء مراكز للتأهيل النفسي وتشكيل فريق وطني لمكافحة ظاهرة الانتحار وإطلاق حملة إعلامية لتكريس الضوء على مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الحد منها". 

أعلى نسب الانتحار في محافظة ذي قار 

المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أكدت في إحصائية لها تسجيل أكثر من 3000 حالة انتحار بين عامي 2015 و2017 في مختلف مناطق البلاد عدا مدن إقليم كردستان. وسجلت محافظة ذي قار أعلى معدلات الانتحار في العام الذي تلاها 2018 بنسبة مرتفعة وصلت إلى 60% عن الأعوام السابقة. لكن الحالات تصاعدت إلى 160 نهاية عام 2020 بحسب ما رصدته قيادة عمليات ذي قار.

تواصل فريق موقع TRT عربي مع أحد ضحايا الانتحار واسمه كاظم الزيجراوي الذي نجا بعد تدخل عائلته في اللحظات الأخيرة قبل موته. وُجِدَ كاظم وهو مهندس عاطل عن العمل (29 سنة) فاقداً وعيه وقد انحنى جسده جانباً وكاد رأسه يلامس الأرض، بعد تناوله نحو 50 حبة دواء، بينها أدوية لتنظيم ضغط الدم والسرطان.

أمضى كاظم ليلته يفكر في الطريقة التي سينهي بها حياته وقال لـTRT عربي: "لم أجرؤ على إطلاق النار على رأسي من مسدس والدي (الويبلي) إنكليزي الصنع، حينها قررت فتح خزانة أدوية جدتي وتناولت العقاقير التي فيها". 

ويكمل الزيجراوي "شعرتُ بالاختناق وارتفعت حرارتي، وأُصبتُ بالصداع حتى سقطت وارتطم رأسي على الأرض، لم أشعر بأي شيء وفقدت الوعي بشكل تام". 

يذكر كاظم الزيجراوي جيداً ذلك التاريخ في 18 مايو/أيار 2020، "كنت أظن أنني سأستيقظ في العالم الآخر، فإذا بي أفتح عيني على صوت الممرض وهو يصفعني، حينها علمت أنني لم أنجح في الانتحار، فقد اتصلت جدتي بعائلتي وسرعان ما نقلني والدي وشقيقي الأصغر إلى المستشفى". 

عروس تنتحر بعد ليلة زواجها 

في يناير/كانون الثاني 2020 بمحافظة البصرة، تسلمت الشرطة بلاغاً بحالة انتحار عروس بعد يوم واحد فقط من زواجها، حيث وجِدت متدلية بحبل معلق في سقف الغرفة. 

وعن تفاصيل القصة تحدث مسؤول قسم الجنايات في شرطة البصرة العميد فلاح العامري وقال لـTRT عربي: "بدأت قصة الفتاة عندما تعرضت زهراء الحسيني (13 عاماً) للاغتصاب من قبل أحد سكان حيّها في قرية ريفية، والذي يكبرها بأكثر من 30 عاماً، بعد أن استدرجها خلال عودتها من المدرسة إلى منزله، مما دفع ذويها بعد افتضاح الحادثة إلى مهاجمة دار المغتصب بما يسمى بـ "الدكة العشائرية"، باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

وتابع العامري: "بعد أن اتفق الطرفان، ذوي زهراء مع قبيلة المغتصب، على دفع الأخير مبلغ مالي قدره 42 مليون دينار عراقي (نحو 35000 دولار أميركي)، كـ "فصل عشائري"، والتي تعتبر ديّة تدفع بين القبائل مقابل الصلح مع فرض زواج المغتصب من الضحية زهراء الحسيني". 

كما أضاف العميد "رفضت زهراء فكرة الزواج جملةً وتفصيلاً، لكن ضغط ذويها وأعمامها أجبرها على القبول، لينتهي زواجها بعد ساعات حين قررت إنهاء حياتها بدل أن تعيش مع مغتصبها، فشنقت نفسها بحبل موضوع في غرفة المخزن، وكتبت رسالة على ورقة صغيرة مكتوب فيها "المجتمع ظلمني وأهلي دمروا حياتي".

عمليات الانتحار في دول الشرق الأوسط، زادت بفارق كبير عن نسبة زيادتها في باقي أنحاء العالم خلال الربع الأخير من القرن الماضي، فقد تنوعت أسباب الانتحار في المنطقة العربية خلال عام 2020، وكل الأرقام المخيفة دفعت العراقيين إلى مناشدة المنظمات الدولية والإنسانية لمساعدتهم وإنقاذهم من الفقرالذي يعتبر أبرز أسباب حالات الانتحار، ما أدى إلى اعتراف الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، إلى أن أكثر من 20% من إجمالي سكان العراق يقبعون تحت خط الفقر الوطني، وهذا ما سيؤدي إلى ارتفاع حالات الموت إما بالانتحار أو النزاعات الأهلية.

TRT عربي