كيف أثار ماكرون على نفسه موجة سخط غربي؟ (Others)
تابعنا

عقب انتهاء زيارته إلى الصين، التي امتدت ما بين 5 و7 أبريل/نيسان الجاري أدلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحات اعتبرت صادمة لعدد من حلفائه الغربيين، بعد أن حث نظراءه في الاتحاد الأوروبي على تبني الحياد، والابتعاد عن التبعية لأمريكا في ما يخص ملف جزيرة تايوان المتنازع عنها.

هذه التصريحات التي أثارت انتقادات كثيرة وسخطاً واسعاً من حلفائه التقليديين، الذين اعتبروها "هدية مجاملة" للرئيس الصيني، أو حتى اتهموا الرئيس الفرنسي بـ"العمى الجيوسياسي". فيما كان رد باريس بأن القضية تنم عن "تفسير خاطئ" لحديث رئيسها.

تصريحات ماكرون الصادمة

وفي طريق عودته من بكين، نهاية الأسبوع، أجرى الرئيس الفرنسي حواراً مطولاً مع صحيفة "Les Echos" الفرنسية وموقع "بوليتيكو" الأمريكي أكد فيه، حسب الموقع، موقفه المفضل حول "السيادة الذاتية الاستراتيجية" لأوروبا، التي من المفترض أن تقودها فرنسا لتصبح "قوة عظمى ثالثة" في العالم.

وعند سؤاله حول الموقف الأوروبي من ملف تايوان، قال ماكرون في حواره مع الصحفيين الفرنسيين: "الصينيون قلقون بشأن وحدتهم مع تايوان، من وجهة نظرهم، هي جزء من بلادهم. من المهم أن نفهم كيف يفكرون". وأضاف: "السؤال المطروح علينا نحن الأوروبيين هو الآتي: هل لدينا مصلحة في تسريع موضوع تايوان؟ لا".

وشدد الرئيس الفرنسي على ضرورة عدم انحياز أوروبا إلى واشنطن أو بكين في هذا الملف، قائلاً: "أسوأ شيء هو اعتقاد أننا نحن الأوروبيين يجب أن نكون تبعيين في هذا الموضوع، والتكيف مع الإيقاع الأمريكي ورد الفعل الصيني المبالغ فيه". وأردف معتبراً أن "الخطر الكبير" الذي تواجهه أوروبا، هو أنها "عالقة في أزمات ليست من أزماتنا، مما يمنعها بناء استقلاليتها الاستراتيجية".

هذا قبل أن يضيف، بنبرة شبه عدوانية: "نحن الأوروبيين بحاجة إلى أن نستيقظ. أولويتنا ليست التكيف مع أجندة الآخرين في جميع مناطق العالم".

فيما حث نظراءه الأوروبيين على التشبث بتحقيق السيادة الاستراتيجية الأوروبية عبر تخفيض التوتر في مضيق تايوان، لأنه "إذا كان يوجد تسارع في قيام قطبية ثنائية، فلن يكون لدينا الوقت ولا الوسائل لتمويل استقلالنا الاستراتيجي وسنصبح تابعين، بينما يمكننا أن نكون القطب الثالث إذا كان لدينا بضع سنوات لبنائه".

سخط غربي على ماكرون

جرّت هذه التصريحات سخطاً غربياً على الرئيس ماكرون، بخاصة من نظرائه في الاتحاد الأوروبي. وأتى أول انتقاد من برلين، الحليف التقليدي لباريس داخل الاتحاد، إذ اعتبر عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الألماني نوربرت روتجين أن ماكرون قدم خدمة "علاقات عامة" لشي جين بينغ وعزل نفسه بالمقابل داخل الفضاء الأوروبي.

وكتب روتجين على تويتر أن ماكرون "استطاع تحويل زيارته إلى الصين إلى انقلاب في العلاقات العامة لصالح شي، وإلى كارثة في السياسة الخارجية بالنسبة إلى أوروبا". وأضاف أن الرئيس الفرنسي "يعزل نفسه بشكل متزايد في أوروبا".

من جهة أخرى، انتقدت دول البلطيق وبولندا ما وصفته بـ"التوقيت الخاطئ" لهذه التصريحات، رابطة ذلك بالحاجة الماسة إلى الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، ما يجعل أوروبا في غنى عن أي توتر مع واشنطن. واتهم النائب البرلماني اللتواني دوفيلي تشاكالييني، ماكرون بـ"العمى الجيوسياسي" والتصرف "بما يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي والناتو".

من جهته سارع رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، الذي يزور الولايات المتحدة في هذه الأثناء، إلى تأكيد أن التحالف مع واشنطن هو "أساس مطلق" للأمن الأوروبي. منتقداً الرئيس الفرنسي بالقول: "بعض القادة الغربيين يحلمون بالتعاون مع الجميع، مع روسيا ومع قوى معينة في الشرق الأقصى"، في إشارة إلى تصريحات ماكرون السابقة حول تجنُّب "إذلال" فلاديمير بوتين.

وفي ذات السياق، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، على لسان اثنين من كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، قولهما إن تصريحات ماكرون ستضر بعلاقة أوروبا وأوكرانيا مع الولايات المتحدة، وستجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي صياغة موقف موحد تجاه بكين.

وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، وفي مقطع فيديو نشره على "تويتر"، قارن السناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي ماركو روبيو، أوجه التشابه بين الصراع الدائر في أوكرانيا وملف تايوان. وقال السناتور الجمهوري إنه إذا كانت أوروبا لن "تنحاز إلى صف الولايات المتحدة أو الصين بشأن الوضع في تايوان إذن ربما لا ننحاز إلى أي جانب (فيما يخص أوكرانيا)".

TRT عربي