زادت توقعات تباطؤ نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2023 الحالي، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية والأساسية التي زادت عن 10%، ما أضاف ضغوطاً على أسَر العاملين ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، ويهدد الأمن الغذائي إلى أجيال قادمة.
التوقعات جاءت في تقرير البنك الدولي بعنوان "حين تتبدل المصائر: الآثار طويلة الأجل لارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" الذي سلّط الضوء على الفجوة الكبيرة بين البلدان مرتفعة الدخل وبقية بلدان المنطقة، إذ من المتوقع أن يتباطأ نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ليصل إلى 1.6% في عام 2023 من 4.4% في عام 2022.
وأشار التقرير إلى أن تضخم أسعار الغذاء يخلف تأثيراً مدمراً على الأسر الفقيرة، وستشعر الأجيال المقبلة بآثار انعدام الأمن الغذائي والاجتماعي على المدى الطويل، ما يتطلب حاجة إلى تطبيق سياسات جريئة تنقذ العمال وأسرهم من الفقر والمصير الغامض.
سوق العمل عاجز عن استعادة الوظائف التي خسرها
عضو لجنة الخبراء القانونيين لمنظمة العمل العربية وأمين عام وزارة العمل الأردنية سابقاً الدكتور حمادة أبو نجمة، أوضح أن أسواق العمل في العالم ما زالت غير قادرة على استعادة الوظائف التي خسرتها بسبب جائحة كورونا، وجاءت الأزمات الاقتصادية المتتالية ما سبّب ارتفاع كلف المعيشة وتدني مستوى الأجور وارتفاع معدلات البطالة في كثير من الدول.
وقال أبو نجمة لـTRT عربي إنه "باتت قيمة الأجر غير كافية ولا تلبي احتياجات العمال، وهو ما ينذر بأزمات اقتصادية واجتماعية متتالية"، منوهاً إلى أنه "أصبحت هوامش العجز عند العمال كبيرة بخاصة قطاع العمالة غير المنتظم، أي الذي لا تتوفر له حماية قانونية أو تأمينية والذي يشكل ما نسبته 75% في بعض الدول العربية، و قرابة 20% في بعض الدول المتقدمة الصناعية".
وأضاف أبو نجمة أن "الكثير من العمال في العديد من القطاعات، وبسبب تراكم هذه الأزمات واستمرارها، وصلوا إلى خط الفقر وما دونه وبات الأمر يشكّل هاجساً للكثير من الدول".
"يوجد الآن حاجة ملحة لتطبيق سياسة من شأنها الحفاظ على القوة الشرائية والحفاظ على معدلات الأجور عبر وضع مستوى للحدود الدنيا لها، وأن تجري الموازنة بين معدلات الإنتاج والراتب الشهري الذي يتقاضاه العامل لقاء هذا الإنتاج"، وفق أبو نجمة.
التكنولوجيا عامل إضافي
يرى أبو نجمة أن "دخول التكنولوجيا هو شكل من أشكال تغيير الأعمال وطبيعتها، وبات عاملاً ضاغطاً على العمال حتى يطوروا مهاراتهم وخبراتهم بما يتناسب مع هذه الأعمال الجديدة".
وشدد على أهمية أن "تتنبه الدول إلى مواكبة هذا التطور عبر ربط التدريب والتعليم بالمتغيرات التي تشهدها طبيعة الأعمال، إذ إن دخول الأتمتة على الأعمال أدى إلى اندثار الكثير من القطاعات وخلق غيرها".
وحذر من نمو وظائف جديدة تخلقها التكنولوجيا دون وجود أيدي عاملة مدربة على هذه الأعمال، مبيناً أن ذلك "سيؤدي إلى خلل هيكلي في سوق الوظائف العالمي".
وختم حديثه بالقول إن "التكنولوجيا هي جزء من من التطور الاستثماري وحجر أساس في تحقيق معدل نمو ممتاز لأي دولة، لكن بشرط أن تُدار هذه التكنولوجيا بشكل صحيح عبر توفير أيدي عاملة ماهرة".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـTRT عربي إن "التحول التكنولوجي وأتمتة الأعمال، ضاعفت من معاناة العاملين عبر عمليات التسريح التي شهدها العالم، وأصبحت الآلة بديلاً عن اليد العاملة في عدة قطاعات".
"البشرية تشهد أعظم تحول تقني صناعي، هذا التحول أحدث حالة من عدم اليقين والاستشراف للمستقبل اقتصادياً واجتماعياً" وفق عايش، مُضيفاً أن "التحول المتسارع يتطلب تحولاً في المهارات والخبرات، وهو ما أوجد عدة قوى وأقطاب في العالم تتنافس وتقاتل بعضها عبر فرض العقوبات الاقتصادية كما هو حال الصين والولايات المتحدة".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الأمر لم يتوقف عند التحول التقني والتكنولوجي، بل يشهد العالم في هذه الأثناء تحولاً ديمغرافياً كبيراً، حيث من المتوقع خلال السنوات القادمة أن تتغلب الهند على الصين بعدد السكان وهو ما يعني تولد سوق عمالة جديد واسع ومتعدد، وبالتالي تزايد تردي أوضاع العمال مع هذه الطفرة التقنية التي ترافق سوق العمل".
ودعا الدول إلى إحداث توازن بين إدخال هذه التقنيات في الأعمال وبين الحفاظ على العنصر البشري، والسعي إلى توفير فرص عمل مستمرة يتناسب الدخل فيها مع معدلات الإنتاج.
شرخ كبير في مستويات معيشة العمال
وتحدّث الخبير حسام عايش لـTRT عربي عن مشكلة التضخم والركود ورفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والدول العربية بكونها أحدثت شرخاً كبيراً في مستويات معيشة العمال، وبات العامل الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة في كيفية تدبر أحواله المعيشية التي تزداد صعوبة كل يوم.
وأضاف أن أزمة التضخم المستمرة فاقمت من معاناة أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض وقللت كثيراً من القوة الشرائية، ما أحدث ركوداً واسعاً في الأسواق.
ونوه إلى أن الأجور الشهرية العالمية انخفضت بنسبة 0.9% مع نهاية النصف الأول من العام الماضي، وارتفعت هذه النسبة بعد الحرب الروسية- الأوكرانية واستمرار رفع أسعار الفائدة، ما أحدث "نمواً سلبياً في الأجور لأول مرة خلال القرن الحالي".
انخفاض الأجور للعمال في العالم بشكل عام ودول المنطقة بشكل خاص وضعت عشرات الملايين من العمال في وضع صعب, لأنهم يواجهون عدم يقين متزايداً حول المستقبل، كما زادت معدلات البطالة بشكل لافت ما أحدث اضطرابات اجتماعية عديدة آخرها ما شهدته فرنسا، وفق الخبير.
فضلاً عن أن استمرار ارتفاع معدلات التضخم قللت من مستويات الاستهلاك عند أسر العمال ذات الدخل المتوسط والمحدود وأصبحوا ينفقون ما يقارب 80% من دخلهم المتاح على السلع والخدمات الأساسية، والتي تشهد أيضاً زيادات في الأسعار، فتسارع ارتفاع تضخم الأسعار بخاصة على السلع الأساسية "يزيد من تآكل القيم الحقيقية للحد الأدنى للأجور"، حسب عايش.
وكانت نتائج جديدة لمؤشر "إبسوس العالمي" قد كشفت عن أن أكثر ما كان يقلق سكان العالم خلال الشهر الماضي هو استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إذ شكل ذلك مصدر قلق لـ4 أشخاص من بين كل 10 أشخاص، أو ما نسبته 41% من مجموع المُستطلعة آراؤهم في 29 دولة.
وأوضحت النتائج، أن 23% من المُستطلع آراؤهم عبروا عن قلقهم من استمرار ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي فقر وعدم مساواة، و 30% عبروا عن قلقهم من البطالة، و2% من الفساد المالي والسياسي.
توفير بيئة عمل آمنة وصحية هو عمل مشترك
من ناحيته قال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، إن القطاع الصناعي في الأردن والعالم هو المشغل الأكبر للأيدي العالمية الذي يحاول بكل السبل الحفاظ على العمالة في أوقات الأزمات.
وبين الجغبير لـTRT عربي أن توفير بيئة عمل آمنة وصحية تحفظ حقوق العمال وتشجعهم على تقديم أفضل ما لديهم هو عمل مشترك بين كل الأطراف لتحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالاقتصاد.
ولمحاولة تدارك آثار الأزمات الاقتصادية على العُمّال، يرى الخبراء أنه يجب على الدول توفير فرص عمل جديدة ومستدامة عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الاستثمار والتنمية الاقتصادية لتوفير حياة أفضل للعامل.