تابعنا
يشهد مطبخ السياسية التركية جدلاً واسعاً مؤخراً حول إمكانية خروج تركيا مِن معاهدة مونترو. المعاهدة التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1936، والتي تنظّم حركة السفن في المضايق التركية الاستراتيجية الواصلة بين البحر الأسود وبحري مرمرة والأبيض المتوسط.

ويذكر أنّ الموضوع قد أثير للجدل عقب تصريحات رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، عندما ألمح إلى إمكانية خروج تركيا من أيّ معاهدة دولية تريدها بقرار رئاسي يصدر من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، حيث قال: "إن الرئيس أردوغان وكما انسحب من اتفاقية إسطنبول بمرسوم رئاسي، يمكنه الانسحاب من اتفاقية مونترو، ومن أيّ من الاتفاقيات الدولية الأخرى".

ولقيت تصريحات رئيس البرلمان شجباً وتنديداً من أحزاب المعارضة كافة ومن سفراء ونواب برلمانيين سابقين، كان آخرها بيان التنديد الذي أصدره 104 ضباط متقاعدون من البحرية التركية، منتصف ليلة الأحد 4 أبريل/نيسان، يتعلق بالخروج من معاهدة مونترو، جاء فيه: "مونترو ليست مجرد اتفاقية تحكم مرور السّفن عبر المضايق التركية، بل هي انتصار دبلوماسي كبير أعاد لتركيا سيادتها على مضايقها الإستراتيجية. كما وتعتبر مونترو الوثيقة الأساسية لأمن البلدان المشاطئة للبحر الأسود، وبفضلها أصبح البحر الأسود بحراً مِن السّلام".

اتفاقية مونترو

المضايق التركية كانت وما زالت نقطة خلاف وتوتر بين تركيا من جهة وروسيا والدول الغربية من الجهة الأخرى، فبعد حرب التحرير والاستقلال بقيادة أتاتورك جرى فسخ اتفاقية"موندروس" الموقعة عام 1918 والتي أعطت دول الحلفاء الحقّ بالسيطرة على مضايق تركيا الاستراتيجية، لتحل مكانها معاهدة لوزان التي أُسّست على إثرها الجمهورية التركية الحديثة عام 1923.

وبعد 13 عاماً مِن الدبلوماسيّة التركية وُقّعت معاهدة مونترو، في 20 يوليو/ تموز 1936 بمدينة مونترو السويسرية، الاتفاقية المتممة لاتفاقية لوزان، والتي أعادت السيادة الكاملة لتركيا على المضايق الاستراتيجية من خلال تنظيم حركة الملاحة في مضايق البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة. وتتكون المعاهدة من 29 بنداً وأربعة ملحقات وبروتوكول.

وكفلت المعاهدة حريّة المرور للسفن التجارية عبر المضايق في أوقات السّلم والحرب، كما تسمح أيضا بمرور السفن الحربيّة التابعة لدول حوض البحر الأسود بدون أيّ تحديد. وقيّدت المعاهدة مرور السفن الأجنبيّة غير التّابعة لأيٍّ من دول حوض البحر الأسود بشروط معينة، من أهمها: ألا يتجاوز عددها 9 سفن عند العبور من المضايق، بالإضافة بأن لا تتجاوز الحمولة الإجمالية للسفينة الواحدة 15 ألف طن، وألا تتجاوز مدة مكوث السفن في البحر 21 يوماً. كما أعطت المعاهدة لتركيا الحق بإغلاق المضايق وقت الحرب.

وبحسب المادة الأولى من الاتفاقية، فإنّ مبدأ حرية النّقل والتنقل مكفول إلى مدّة أبديّة، باعتبار أن المضايق مياه دولية خاضعة للقانون الدولي، واتُّفق أن عمر المعاهدة 20 عاماً. وفي 20 يوليو/تموز 1956 بعد مرور 20 عاماً على الاتفاقية، حاولت بعض الدول تغيير بعض شروط الاتفاقية بما يتناسب مع مصالح كلٍّ منها، وبعد فشل محاولات التغيير استمر العمل بالاتفاقية إلى يومنا الحالي، وذلك بحسب البنود التي اتُّفق عليها سابقا.

الارتدادات الدولية والأبعاد الاستراتيجية

منذ إعلان أردوغان وحكومته نيتهم شقَّ قناة إسطنبول، القناة المائية الموازية لمضيق البسفور والتي تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، والأنظار موجهة باتجاه معاهدة مونترو، والتساؤلات سيدة الموقف بخصوص إذا ما كان شقّ القناة سيسبب خرقاً لشروط الاتفاقية، كون الاتفاقية تحمي أمن دول البحر الأسود وتجنب روسيا الاصطدام مع حلف الناتو في مياهه. يذكر أن تركيا قد نجحت في عدم المشاركة في الحرب العالمية الثانية من خلال الالتزام بالمعاهدة وتطبيق شروطها.

وحاولت روسيا مراراً التغيير من شروط الاتفاقية، وذلك لضمان حماية حدودها من جهة البحر الأسود، حيث ستعتبر إلغاء المعاهدة تهديداً مباشراً لها ولمصالحها، خصوصاً في الوقت الذي قد ينشب فيه صراع عسكري جديد بين روسيا وأوكرانيا. إذ إن أيّ تغيير في اتفاقية مونترو الحالية سيصبّ في مصلحة تركيا وحلفائها في حلف الناتو.

من الجهة الأخرى تسعى الولايات المتحدة ودول حلف الناتو إلى تعزيز مواقعها في البحر الأسود، من خلال إيجاد باب خلفي للتحايل على اتفاقية مونترو، حيث إنه ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لكسب موطئ قدم لها في البحر الأسود من خلال قبول ضم بعض دول حلف وارسو السابق إلى المعسكر الغربي ومواصلة جهودها لتطويق روسيا بقواعد الناتو العسكرية.

في الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى الاستفادة المادية من خلال فرض رسوم مالية على مرور السفن من الممر المائي الذي ستحدثه في موازاة البسفور بطول 45 كم بسعة تصل إلى 185 سفينة يومياً، كون الاتفاقية الحالية تمنح تركيا الحقّ في تحصيل رسوم تنظيم عملية المرور، وهي مبالغ مالية رمزية لا تشكل أي إضافة لخزينة الدولة. وستسمح قناة إسطنبول بعبور السفن التي تتجاوز حمولتها 45 ألف طن والتي يجري منعها بحسب بنود معاهدة مونترو.

الجدل الدائر حول مونترو

انتقد ضباط البحرية الموقعون على البيان مشروع قناة إسطنبول، حيث يرون في المشروع مساساً بمعاهدة مونترو، وعبّروا عن شعورهم بالقلق جراء المساس بمعاهدة مونترو التي وصفوها بأنها "تحمي المصالح التركية على أكمل وجه"، وأضافوا في البيان أن "المعاهدة مكّنت تركيا من لعب دور حيادي إبّان الحرب العالمية الثانية".

وهاجمت وزارة الدفاع التركية على صفحتها على الإنترنت بيان ضباط البحرية المتقاعدين، بقولها: "لا يمكن بأيّ شكلٍ من الأشكال استخدام القوات المسلحة التركية كوسيلة لتحقيق الأطماع والآمال الشخصية لمن ليس لديهم أيّ مهمة أو مسؤولية"، وأضافت: "من الواضح أن نشر مثل هذا البيان لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بديمقراطيتنا".

وأكد الرئيس التركي أردوغان عقب الاجتماع الذي ترأسّه لمناقشة بيان ضباط البحرية، الإثنين 5 أبريل/نيسان، عدم وجود نيّة لدى تركيا في الوقت الراهن للخروج من اتفاقية مونترو، وهاجم معارضي مشروع قناة إسطنبول بقوله: "معارضو مشروع قناة إسطنبول الذي يعزز السيادة الوطنية لتركيا، هم من أكبر أعداء أتاتورك والجمهورية"، وأضاف أنّ "ربط قناة إسطنبول البحرية باتفاقية مونترو خطأ كبير، فقناة إسطنبول ستخفف العبء عن مضايق إسطنبول، وستتيح لتركيا بدائل سيادية أخرى بمعزل عن القيود التي فرضتها اتفاقية مونترو".

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب الاجتماع الذي ترأسّه لمناقشة بيان ضباط البحرية، عدم وجود نيّة لدى تركيا في الوقت الراهن للخروج من اتفاقية مونترو (AA)

في المقابل ترى المعارضة أنّ البيان عبارة عن وجهة نظر للضباط المتقاعدين فيما يخصّ القضايا التي يجري تداولها في الإعلام مؤخراً، وأن البيان ليس فيه أيّ دعوة لإحداث انقلاب عسكري، كما أن المادة الـ25 من الدستور تكفل حرية الرأي للجميع بمن فيهم الضباط المتقاعدون. ورداً على ذلك قال أردوغان: "لا يمكن تقييم بيان الضباط المتقاعدين في إطار حرية التعبير التي لا تشمل توجيه عبارات تهدد الإدارة المنتخبة".

TRT عربي