"خزنة الحرب الصينية".. كيف تستخدم بكين عملتها للحماية من أي عقوبات مستقبلية / صورة: Getty Images (Servais Mont/Getty Images)
تابعنا

في أواخر التسعينيات، بدأت الحكومة الصينية في بناء احتياطياتها من العملات الأجنبية. وعلى مدى العقدين الماضيين، نمت احتياطيات الصين من العملات الأجنبية لتصبح الأكبر في العالم، ووصلت إلى ذروتها بأكثر من 4 تريليونات دولار في عام 2014.

ولكن مع اشتعال الحرب التجارية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، اتخذت بكين في السنوات الأخيرة عدة خطوات لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي وحماية اقتصادها من العقوبات المستقبلية المحتملة. وفي أعقاب العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا، زادت الصين زخم خطواتها للتخلص من الدولار، ودفعت لإجراء مزيد من التجارة باستخدام اليوان في محاولة لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية التي تعتبرها مصدراً لعدم الاستقرار والضعف.

ولأكثر من عقد من الزمان، كانت بكين تحاول تقليل اعتمادها على الدولار، مدفوعة بالمخاطر الناشئة عن الاقتصاد الأمريكي (مثل الانهيار المالي لعام 2008) والرغبة في تعزيز مجال نفوذها، وفقاً لتقرير جديد نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

خطوات استعدادية

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت إحدى أقوى الأدوات لإلحاق الضرر الاقتصادي بموسكو هي قطع البلاد بشكل أساسي عن المعاملات القائمة على الدولار الأمريكي، ما حدَّ من قدرتها على التجارة مع الدول الأخرى. وفيما تخطط الصين لاستعادة سيطرتها على تايوان في المستقبل، برزت حملة لعزل الاقتصاد الصيني عن العقوبات القائمة على الدولار باعتبارها ربما أهم حافز للانفصال عن الدولار، وفقاً للصحيفة البريطانية.

فتحولت العقوبات الغربية السريعة والقاسية على روسيا إلى جرس إنذار دوَّى في بكين، إذ ذكّرت هذه العقوبات القادة الصينيين بضرورة تعزيز مبدأ "الاستقلال والاعتماد على الذات" الذي جعله الحزب الشيوعي الصيني حجر الزاوية في قراره التاريخي لعام 2021. كما تعهدت الحكومة الصينية مؤخراً بتحسين الاعتماد على الذات من خلال بناء "سوق وطنية موحدة".

حسب مجلة فورين بوليسي، يتطلع صناع السياسة الصينيون إلى إعداد الاقتصاد الصيني لتحمل الضربة الاقتصادية الشديدة الناجمة عن الانفصال القسري. هذه المخاوف ليست جديدة، إذ دأب صانعو السياسة الصينيون على الدعوة إلى إصلاح النظام المالي العالمي منذ الأزمة المالية الآسيوية في نهاية التسعينيات مباشرة، سعياً منهم للتحوُّط ضد هيمنة الدولار الأمريكي.

في عام 1999، جادل داي شيانغ لونغ، محافظ بنك الصين الشعبي آنذاك، بأن النظام المالي العالمي الحالي "يحتاج إلى الإصلاح" لأن "العملة الاحتياطية الدولية (الدولار) كانت مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار".

تدويل اليوان

يتمثل أحد المكونات الرئيسية لاستراتيجية الصين الدفاعية ضد الاحتواء الغربي المتصور في بناء نظام تجارة السلع العالمية القائم على اليوان. وفيما كانت الحكومة الصينية تطالب بشكل متزايد بخلق عملة احتياطية عالمية جديدة لتحل محل الدولار الأمريكي، عملت بكين أيضاً على ترويج استخدام عملتها الخاصة، اليوان (المعروف أيضاً باسم الرنمينبي)، في التجارة والتمويل الدولييَّن. ودُعمت هذه الجهود من خلال إنشاء نظام الدفع الصيني الدولي (CIPS)، والذي يسمح بتسوية المعاملات عبر الحدود باليوان دون الحاجة إلى وساطة بالدولار الأمريكي.

والآن، كبار موردي النفط الصينيون، مثل روسيا وأنغولا وفنزويلا وإيران ونيجيريا، يقبلون اليوان في تجارة النفط مع الصين. ويمكن لمصدّري النفط تحويل عائداتهم النفطية باليوان إلى ذهب في بورصات الذهب في شنغهاي وهونغ كونغ. تشير قابلية التحويل البيني هذه إلى أن الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، لديها بنية تحتية محلية كاملة لتجارة النفط بشكل غير مباشر باستخدام الذهب، ما يمثل بداية بدائل التسعير لسلعة عالمية رئيسية.

في محاكاة لـ"الدولار النفطي"، استغلت الصين العقوبات الغربية على روسيا وإيران والتحول الحالي في مجال الطاقة لخلق "يوان غازي". وفي مارس/آذار، استخدمت شركة صينية اليوان لشراء 65000 طن من الغاز الطبيعي المسال من شركة توتال الفرنسية متعددة الجنسيات، وهي المرة الأولى التي تُستخدم فيها عملة الصين في صفقة دولية للغاز الطبيعي المسال.

كما شجعت الدول الأخرى على اعتماد اليوان في المعاملات الدولية، إذ توصلت الأرجنتين والبرازيل مؤخراً إلى اتفاقيات لدفع قيمة الواردات الصينية باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي. بينما قال دانييل ماكدويل، الزميل الصيني في مركز أبحاث ويلسون: "لإجراء أعمال تجارية مع روسيا، ليس لدى الشركاء الأجانب بدائل فعلية، سيتعين عليهم التفكير في استخدام عملات دفع أقل تقليدية مثل اليوان والروبل".

اليوان درع حماية الصين

من خلال تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي، تأمل الصين في عزل نفسها عن تأثير أي عقوبات مستقبلية قد تفرضها الولايات المتحدة أو دول أخرى. هذا مهم بشكل خاص في ضوء التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين حول قضايا مثل التجارة وحقوق الإنسان والتكنولوجيا. رداً على هذه التوترات، فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات على الأفراد والكيانات الصينيين، بما في ذلك القيود على الوصول إلى الأسواق المالية الأمريكية.

ولمواجهة هذه الجهود، تعمل الصين على بناء شبكة من المؤسسات المالية البديلة، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) وبنك التنمية الجديد (NDB)، والتي صُمّمت لتوفير بديل للبنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي (IMF).

كما تعمل الصين أيضاً على ترويج استخدام اليوان في اتفاقيات التجارة الثنائية مع دول أخرى، مثل روسيا وإيران وباكستان. وفي ظل موجة العقوبات الغربية لمعاقبة موسكو، تحول اليوان ليصبح الفائز بشكل غير مقصود.

في العام الماضي، ارتفعت حصة الواردات الروسية المدفوعة باليوان من 4% إلى 23%. وفي فبراير/شباط، تجاوز اليوان الدولار باعتباره العملة الأكثر تداولاً في بورصة موسكو لأول مرة في تاريخها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً