ماكرون يتراجع عن تصريحاته حول الجزائر (Regis Duvignau/Reuters)
تابعنا

في أول خروج إعلامي له بعد تصريحاته التي اعتبرتها الجزائر "مسيئة" اختار إيمانويل ماكرون تهدئة خطابه مع نظيره الجزائري. كان ذلك في مقابلة الثلاثاء مع إذاعة فرانس إنتر، إذ أعلن رجاءه تهدئة الأمور "لأنني أعتقد أن من الأفضل أن نتحدث بعضنا إلى بعض وأن نحرز تقدماً" في العلاقات بين بلاده وجارتها الجنوبية.

وأضاف ماكرون أنه تربطه علاقات "ودية جداً" مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، معرباً عن أمله انتهاء التوتر الدبلوماسي مع الجزائر قريباً. فيما تأتي هذه الردود بعد خطوات حازمة اتخذتها العاصمة رداً على ما بدر من قاطن الإيليزيه، كما بعد انتقادات الصحافة الفرنسية له. ما جعل مراقبين يرجحون فرضية تراجع ماكرون في كلامه قسراً بعد كل ما وجهه.

الرد الجزائري

هذا وكانت الرئاسة الجزائرية ردَّت على تصريحات ماكرون بأنها "مسيئة" و"تمثل مساساً غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي". مشيراً إلى أن "جرائم فرنسا الاستعمارية التي لا تعد ولا تحصى هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا) ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة".

وأضاف البيان أن الجزائر "ترفض رفضاً قاطعاً التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات"، مؤكداً قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ"الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود للتشاور".

استدعاء للسفير لم تكن الخطوة الوحيدة التي اتخذتها الجزائر احتجاجاً على باريس. إذ قررت الجزائر إضافة إليها إغلاق مجالها الجوي أمام مرور الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار عملية "برخان". في خطوة تأتي حسب مصادر في الرئاسة الجزائرية لتصحيح امتياز كان "ممنوحاً لفرنسا منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وظل ساري المفعول لمدة 4 سنوات".

بل وقالت مصادر في الحكومة الجزائرية إن احتمال "القطيعة الاقتصادية" بين البلدين مطروح كذلك على طاولة أصحاب القرار في الجزائر. قطيعة اقتصادية "ستكون فرنسا الخاسر الأكبر منها" حسب خبراء اقتصاديين نظراً لحجم مبادلاتها التجارية مع البلد المغاربي واستثماراتها فيه. هذا وفي وقت لاحق دعت "المنظمة الوطنية للمجاهدين" الجزائرية في بيان لها سلطات البلاد لـ"مراجعة العلاقات بين الدولتين الجزائرية والفرنسية".

انتقادات الصحافة الفرنسية

تصريحات ماكرون أثارت بشدة حفيظة الصحافة الفرنسية على رأسها موقع "ميديابار" الذي عنون افتتاحيته ليوم الاثنين بأن "ماكرون يشعل النار في برميل بارود الذاكرة". منطلقاً، كاتب المقال، من التناقض الصارخ في خطاب ماكرون بين ما قاله وقت كان مرشحاً رئاسياً لولايته الأولى، حين ذهب يخطب ود أصوات الجالية الجزائرية من عاصمتهم، معترفاً بأن استعمار بلاده للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، وبين تصريحاته المسيئة إليهم الآن.

وانتقد مقال "ميديابارت" التوقيت الذي أتت فيه التصريحات تزامناً مع عملية إعادة تنظيم القوات الفرنسية في مالي قبيل انسحابها المزمع إتمامه مع حلول سنة 2023. واستنكر طارحاً السؤال: "أكلّ هذا من أجل سحب البساط من تحت أقدام إيريك زيمور؟"، مشيراً إلى محاولة ماكرون استمالة أصوات اليمين المتطرف تحضيراً للانتخابات الرئاسية القادمة.

استمالة لأصوات اليمين بالإساءة إلى الجزائر، هو ما وقف عليه أيضاً مقال نشرته جريدة "ليبيراسيون"، مشيراً إلى أن ماكرون في تصريحاته تلك "اقترض من الحقل الدلالي لليمين المتطرف"، وعاب عليه أنه "حتى في الأمور المتعلقة بالذاكرة والتاريخ لا يدع ماكرون مساحة من دون استغلالها" لأغراض انتخابية.

وكتبت هيئة تحرير جريدة "لوموند"، منتقدة هي الأخرى تصريحات الرئيس بأن "مهمة رئيس الجمهورية هي معالجة جراح التاريخ وإخماد خطاب الكراهية المتنامي (..) ولولا النوايا الانتخابية السيئة لرئيس الجمهورية لكان نجح في تنفيذ ما وعد به سابقاً (خلال حملته الانتخابية الأولى) كون تهدئة المجتمع تجري أولاً عبر الاعتراف بماضيه المخجل والدخول في حوار مع الذاكرة".

TRT عربي