تابعنا
لا يزال ملف سد النهضة يشكل تعقيداً وأزمة حادة تلقي بظلالها على استقرار المنطقة وأمنها، إذ لم تتمكن الأطراف المتنازعة رغم المفاوضات المستمرة والوساطات الدولية والاقليمية، من حلحلة الإشكال.

على غرار بقية البلدان العربية التي حاولت لعب دور الوساطة في فض النزاع بين دول المصب في ما يتعلق بأزمة سد نهضة، تدخل اليوم الجزائر على خط الأزمة استجابة لطلب الجانب الإثيوبي التدخل في تصحيح "التصورات الخاطئة" لجامعة الدول العربية، في هذا الملف، وذلك وفق ما جاء في بيان رسمي لوزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية.

ففي إطار جولة إفريقية دبلوماسية، زار وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مؤخرا إثيوبيا، للتباحث حول التعاون وتعزيز الشراكة بين البلدين في مختلف المجالات.

واستغل الجانب الإثيوبي زيارة لعمامرة لإثارة ملف سد النهضة، وتأكيد استعداد أديس أبابا للتفاوض مع جميع الأطراف برعاية الاتحاد الإفريقي.

وإن أبدت الجزائر اليوم استعداداً للتدخل في حلحلة الأزمة والتوسط بين الأطراف المتنازعة، فإن ذلك قد يعزّز بداية استعادة دورها الإقليمي من جديد، إضافةً إلى تجسيدها أهمية دورها الإفريقي كطرف فاعل في مواجهة الأزمات في المنطقة.

وعلى الجانب الآخر، قد لا تحظى هذه الوساطات بالأهمية الكبرى وقد لا تثير فارقاً في مسار حل الأزمة، لأن حدة التوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا وتعقيدات الملف، صعّبَت الحل.

إثيوبيا تطلب وساطة الجزائر

بعد أن حاول كل من مصر والسودان التحرك ديبلوماسياً للوصول إلى حلول عاجلة في أزمة سد النهضة، وتكثيفهما اللقاءات والمشاورات مع بلدان الاتحاد الإفريقي وطرح الملف على جامعة الدول العربية، تلجأ اليوم إثيوبيا إلى دعوة دول إفريقية أخرى للتحلي بدورها الاقليمي والدفع بمسار التفاوض بين البلدان الثلاثة.

وإثر لقائه نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، أكد وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، أن إثيوبيا ملتزمةٌ الاستخدام العادل لمياه النيل، ومستعدة لاستئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة برعاية الاتحاد الإفريقي.

ودعا ميكونين لعمامرة إلى إقناع السودان بالحلّ السلمي للمشكلة الحدودية مع إثيوبيا، وذلك وفق الآليات المشتركة.

وفي السياق ذاته طلبت وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية في بيان رسمي من الجزائر لعب دور في تصحيح التصورات الخاطئة لجامعة الدول العربية حول ملف سد النهضة.

إذ عبرت إثيوبيا في وقت سابق، عمَّا سمته خيبة أمل من الجامعة العربية، وشدّدت على رفضها حينها تدخل الجامعة في أزمة سد النهضة، بما تمثّله حسب رأيها من انحياز لمصر والسودان، وذلك عقب اجتماع سابق لوزراء الخارجية العرب، في العاصمة القطرية الدوحة، في يونيو/حزيران الماضي.

وأكد الاجتماع الأخير ضرورة اتخاذ إجراءات تدريجية، لدعم موقف مصر والسودان في خلافهما مع إثيوبيا حول ملء السد.

وإن كانت إثيوبيا تحاول إدخال الجزائر في التوسط في الصراع الأثيوبي-الإيرتري فإنها تدعوها في الوقت ذاته للعب دور إيجابي ووسيط فعال لحلحلة أزمة سد النهضة المستعصية.

هل تنجح الجزائر؟

يبدو أن إثيوبيا تسعى للتسويق لموقفها في ما يتعلق بملف سد النهضة، وكسب مزيد من الحلفاء والداعمين، عبر تقديم جملة من التطمينات والضمانات.

وتفاعلاً مع المطلب الإثيوبي لوساطة الجزائر في حل أزمة سد النهضة، يرى خبراء ومحللون أن تعقيدات الملف القانونية والتقنية، قد تجعل من الأفضل ترك حلّه للهيئات الدولية المختصة في مثل هذه النزاعات.

أما إن قبلت الجزائر التحلي بدورها الإفريقي والإقليمي، فقد يبدو لكثيرين أن دورها لن يتجاوز دعوة الأطراف المتنازعة إلى خفض حدة التوتر، وتشجيع دول المصب على الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض، واحتضان المؤتمرات واللقاءات الحوارية.

مع ذلك فإن الدخول على خط أزمة سد النهضة، كمسار دبلوماسي جديد، قد يمكّن الجزائر وفق مؤشرات وملامح السياسة الخارجية الجديدة، من تقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة المتنازعة، وربما إغلاق الباب أمام قوى أجنبية تتدافع للتدخل في الملفّ للتلاعب فيه وتأجيج الأزمة والاستثمار فيها، إذ إن هذه المخاوف قد تنامت منذ إعلان إسرائيل عضواً مراقباً بالاتحاد الإفريقي.

وفي سياق متصل كتب لعمامرة في تغريدة له على حسابه الرسمي على تويتر إثر لقائه مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والأمن الاقليمي بانكولي أديوي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: "أكدت له دعم الجزائر واستعدادها للمساهمة الفعلية في تعزيز الجهود من أجل تجاوز مختلف التحديات وترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية لمشكلات القارة".

قد يبدو لكثيرين اليوم أن تعقيدات ملف أزمة النهضة تجاوزت أهمية دخول أي طرف وسيط في حلحلتها، فالتفاهمات والمفاوضات والتنازلات بين دول المصبّ، تلعب الدور الأول والرئيسي في ذلك، ومع ذلك لا يمكن ضمن هذه الظروف واستشكال الحلّ، الاستغناء عن دور أي طرف.

TRT عربي