تابعنا
الزيارة هي الأولى التي تُجريها الوزيرة للصين منذ تَسلُّمها المنصب عام 2021، بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يومَي 18 و19 يونيو/حزيران الماضي، ضمن مساعي إعادة الاتصال مع الصين.

تراجعت حدّة البرودة العميقة بين الولايات المتحدة والصين قليلاً خلال الأيام الماضية، ضمن محادثات مستمرّة لتحسين العلاقات المشتركة، لا سيّما في الجانب الاقتصادي.

وتجسّدت رغبة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تهدئة العلاقات المتوترة مع الصين عبر خطوات عدّة، كان آخرها زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين لبكين في 6 يوليو/تموز الجاري.

والزيارة هي الأولى التي تُجريها الوزيرة للصين منذ تَسلُّمها المنصب عام 2021، بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يومَي 18 و19 يونيو/حزيران الماضي، ضمن مساعي إعادة الاتصال مع الصين بعد عُزلة شبه كاملة للأخيرة لنحو ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا.

كما تأتي بعد أن علّقت الصين محادثات المناخ الصيف الماضي احتجاجاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها.

لكن مؤشّرات التهدئة بدأت تظهر، إذ أعلن أيضاً المبعوث الأمريكي لتغيُّر المناخ جون كيري، أنّه سيزور الصين قريباً لمناقشة التعاون بشأن التغيّر المناخي، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.

وسبق أن صرّح الرئيس بايدن في لقاء مع شبكة سي إن إن (CNN) الأمريكية، بأنّ بإمكان بلاده أن تجد حلّاً في علاقتها مع الصين، وذلك من خلال إنشاء "علاقة عمل" تفيد الطرفين.

اجتماعات مثمرة

ونتج عن الزيارة التي استمرت 4 أيام تعهدات مشتركة بتحسين الحوار رغم "الخلافات الكبيرة" بين أعظم قوتين اقتصاديتين في العالم.

وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، في 9 يوليو/تموز، إن 10 ساعات من الاجتماعات مع كبار المسؤولين الصينيين في الأيام الأخيرة كانت "مباشرة ومثمرة"، ممّا ساعد على استقرار العلاقات المتوترة.

وقبل مغادرتها الصين في اليوم التالي، أوضحت يلين أنّ الولايات المتحدة والصين ما زالتا على خلافٍ بشأن عددٍ من القضايا، لكنّها أعربت عن ثقتها بأنّ الزيارة دفعت الجهود لوضع العلاقة على "أُسس أكيدة"، وفق ما نقلته وكالة رويترز.

وشهدت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تدهوراً خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترمب، إذ تصاعدت الحرب التجارية حينها بين البلدين، كما استمر توتر العلاقات إلى فترة الرئيس الحالي جو بايدن، بسبب اعتبار بكين تايوان مقاطعة منشقة عن أراضيها، إضافة إلى خلافات حول عمليات تجسس، أبرزها المنطاد الصيني الذي رُصد في سماء الولايات المتحدة.

كما ازدادت الخلافات مع احتمال فرض إدارة بايدن قيوداً على الاستثمارات الأمريكية في الصين في ما يتعلق بالتكنولوجيات الحساسة، ما يهدّد الاستثمارات الصينية.

وبيّنت يلين في مؤتمر صحفي بالسفارة الأمريكية في بكين، أنّ واشنطن وبكين "لديهما خلافات كبيرة"، مستشهدةً بمخاوف ممّا وصفته بـ"الممارسات الاقتصادية غير العادلة"، والإجراءات العقابية الأخيرة ضدّ بلادها.

وتابعت قولها: "لكن الرئيس بايدن وأنا لا نرى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من خلال إطار صراع القوى العظمى، نعتقد أنّ العالم كبير بما يكفي لازدهار بلدينا".

تَقارُب وقلق

كما صرّحت وزيرة الخزانة الأمريكية بأنّ زيارتها تهدف إلى "إقامة وتعميق العلاقات" مع الفريق الاقتصادي الجديد في الصين الذي عيّنه الرئيس شي جين بينغ في الخريف الماضي بعد مؤتمر الحزب الشيوعي، والحدّ من مخاطر سوء التفاهم، وتمهيد الطريق للتعاون في مجالات عدّة، مثل تغيّر المناخ وأزمة الديون الطائلة لبعض الدول.

ويبدو أنّ يلين أرادت أيضاً أن تفهم ما يحدث في الاقتصاد الصيني، الذي انتعش أبطأ من المتوقع هذا العام، بعد أن رفعت الصين ما يقرب من ثلاث سنوات من الإجراءات الصارمة لمكافحة الوباء، وفق صحيفة نيويورك تايمز.

وتابعت المسؤولة الأمريكية: "أعتقد أنّنا أحرزنا بعض التقدّم، ويمكن أن تكون لدينا علاقة اقتصادية صحيّة تعود بالفائدة علينا وعلى العالم"، مضيفةً أنّها تتوقع زيادة انتظام الاتصالات المشتركة.

بدوره قال مسؤول بارز في الخزانة خلال إفادة للصحفيين بعد الزيارة وفق رويترز، إنّ الرحلة كما كان متوقعاً، لم تسفر عن اختراقات سياسية محدّدة، لكنّها كانت "ناجحة للغاية" من حيث "إعادة الاتصال" وبناء العلاقات.

وبيّنت الوكالة أنّه مع انخفاض العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشأن قضايا الأمن القومي، بما في ذلك ملفّ تايوان، وحظر تصدير التقنيات المتقدمة والسياسات الصناعية التي تقودها بكين، تحاول واشنطن إصلاح العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.

وكانت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أكثر تشاؤماً، إذ قالت في تقرير لها إنّ الصين تعترض على تأكيد إدارة بايدن الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي من خلال القيود التجارية.

ولفتت الوكالة إلى أنّ "الصين تعتقد أنّ تعميم الأمن القومي لا يفضي إلى تبادلات اقتصادية وتجارية طبيعية"، مؤكدةً أنّ الجانب الصيني أعرب عن قلقه بشأن "العقوبات الأمريكية والإجراءات التقييدية ضدّ بكين".

أبرز التوقعات

وخلال رحلتها غير المسبوقة، إذ تُعتبر الأولى لوزير خزانة أمريكي منذ أربع سنوات، التقت يلين بأربعة من أقوى القادة الصينيين المشاركين في صنع السياسات الاقتصادية: رئيس الوزراء لي تشيانغ، ونائب رئيس الوزراء هي ليفينج، ووزير المالية ليو كون، ورئيس بنك الشعب الصيني بان غونغ شنغ.

ورغم هذه اللقاء، عادت يلين إلى واشنطن دون أي إعلان عن اتفاق بشأن إصلاح العلاقات المتوترة، ممَّا زاد التكهنات حول استمرار الخلافات الاقتصادية، ورغم التنافس الشديد المتزايد بينهما، لا يزال أكبر اقتصادَين في العالم شريكَين أساسيَّين في نواحٍ كثيرة، وفق تقرير نيويورك تايمز.

وبيّنت الصحيفة أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة والصين لها أهمية بالغة، إذ تمثل اقتصاداتهما، وهما أكبر اقتصادين في العالم، 40% من الناتج العالمي.

وتشير نيويورك تايمز إلى أنّ الدولتين تبيع كلتاهما وتشتري المنتجات المهمّة من الأخرى، وتمول كلتاهما أعمال الأخرى، وتعملان على إنشاء التطبيقات الذكية.

ويبدو أنّ الرغبة في مزيدٍ من الحوار بين الجانبين أثارت استغراب بعض المحلّلين ورأوه تطوراً مهمّاً، إذ تحدث كلا البلدين على الأقل عن خلافاتهما بعد شهور من الصمت.

ورحّب وي ون، المسؤول السابق في وزارة التجارة الصينية والزميل الحالي في مركز الصين والعولمة في بكين، بالزيارة، وقال إنّ المحادثات المستمرة والمباشرة ليست بنّاءة فحسب، بل لها أهمية حاسمة.

بدوره رأى عميد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي، وو شينبو، أنّ رحلة يلين لن تؤدّي إلى تحسُّن جوهري في العلاقات ما لم تكُن مصحوبة بتغييرات في سياسات إدارة بايدن تجاه الصين، لافتاً إلى أنه "حتى الآن لم نرَ أي مؤشّر على أنّ بايدن سيُعيد التفكير في سياسته الاقتصادية تجاه الصين".

"زيارات سطحية"

وتصف الباحثة في الشأن الصيني رزان شوامرة، الزيارات الأمريكية الأخيرة بـ"السطحية"، وتقول إنّها لا يعوّل عليها (لحلّ الخلافات) رغم أهميتها كعامل رئيسي لتقليل الخوف المتزايد عند واشنطن من صعود الصين.

وتوضّح شوامرة في حديثها مع TRT عربي، أنّ هذا الاعتقاد يعود إلى أمور عدّة، من بينها استمرار التسليح، "وهو نقيض التهدئة"، مشيرةً إلى أن "المعضلة الأمنية بين بكين وواشنطن تزايدت".

ومنذ تصنيف الصين كثاني أكبر دولة في الإنفاق العسكري والتنمية الإقتصادية، سعت أمريكا لاحتوائها عسكرياً بزيادة تسليح الدول المحيطة فيها ضمن استراتيجية "إعادة التوازن" في آسيا، حسب رأي شوامرة.

وأشارت إلى أنّ أهمّ القضايا الأمنية بين الصين وأمريكا تبرز في قضية تايوان، التي لا تزال بلا حلّ، في وقت تواصل فيه واشنطن مضاعفة عسكرة الجزيرة وعقد صفقات السلاح معها ومع دول في آسيا.

ولفتت الباحثة في الشأن الصيني إلى أنّ هذا الأمر يثير غضب الصين التي اتهمت الولايات المتحدة بأنّها "ما زالت عالقة في عقلية الحرب الباردة عبر ممارستها سياسة الاحتواء ضدّ بكين".

والعداء بين الطرفين ليس وليد اللحظة، حسب الباحثة شوامرة، التي تبيّن أنّ "تعقيد العلاقات والتوتر بين بكين وواشنطن تَعزَّز منذ أكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي فزيارة بلينكن (ثم وزيرة الخزانة) لا يمكن أن تحقّق نجاحاً مفاجئاً في تخفيف حدّة المنافسة، خصوصاً الأمنية".

وتابعت: "النقطة الأهمّ أنّه لم ينتُج عن الزيارة أي التزام حقيقي بين الطرفين لوقف حدّة التنافس أو تقليل احتمالات المواجهة بخاصة في بحر الصين الجنوبي"، لافتةً إلى أنّه لم يُذكَر أنّ واشنطن تعهدت بوقف تسليح المحيط الجغرافي الصيني، أو إلغاء بعض الإجراءات التي اتخذتها الدولتان وأدّت إلى حظر بعض الشركات أو رجال الأعمال أو حتى البضائع.

وتؤكّد شوامرة أنّ "المهمّ في هذا السياق أنّ البيانات اتخذت طابعاً عامّاً دون ذكر آليات للعمل المشترك، مثل تشجيع العلاقات الثنائية الاقتصادية، ومواجهة التحديات المشتركة العابرة للحدود الوطنية، كتغيُّر المناخ واستقرار الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي، والصحة العامة، وغيرها".

TRT عربي