زيارة الرئيس التركي أردوغان لمدينة شوشة المحررة في أذربيجان (AA)
تابعنا

لعبت تركيا دوراً مهماً في حرب تحرير إقليم قرة باغ إلى جانب حليفتها أذربيجان، وذلك من خلال تجنيدها كل الإمكانات التي تملكها وأبرزها طائراتها المُسيّرة وخبراؤها العسكريون ووسائلها الإعلامية فضلاً عن الدعم الدبلوماسي الذي قادته وزارة خارجيتها على مستوى المجتمع الدولي، وخلال 44 يوماً فقط تمكَّنت أذربيجان من دحر المحتل الأرميني الذي دام قرابة 28 عاماً، وتمكنت تركيا على إثر ذلك من أن تصبح أحد أبرز اللاعبين في القوقاز.

وعقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأذربيجان الثلاثاء الماضي وُقِّع "إعلان شوشة" الذي يعد تتويجاً للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، فضلاً عن تمهيده الطريق أمام مجالات تعاون أخرى طويلة الأمد. الاتفاقية التي قرأها البعض على أن أنقرة تمهِّد للتوسع بالقوقاز ببناء قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان، اعتبرها الكرملين تهديداً لمصالح روسيا جنوب القوقاز.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات التركية-الأذربيجانية ليست وليدة المرحلة أو الحدث، بل يربط شعبَي البلدين تاريخ مشترك منذ الفترة السلجوقية ثم العثمانية وصولاً إلى تتويج العلاقات بشكل رسمي دبلوماسي بعد تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.

قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان

بعد الإعلان عن توقيع "إعلان شوشة" بين تركيا وأذربيجان أشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى أن العلاقات بين بلادة وتركيا بلغت أعلى مستوياتها مع إعلان شوشة، مؤكداً أن هذا الإعلان يتعلق بالتعاون بمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والتجارية والطاقة، وخلال المؤتمر الصحفي برفقة الرئيس التركي أضاف علييف: "لكن الأهم من ذلك كله اتفاق التعاون بين أذربيجان وتركيا بصناعة الدفاع والمساعدات العسكرية المتبادلة".

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس التركي بعد عودته من أذربيجان قال أردوغان إنه "لا يستبعد إمكانية إنشاء قواعد عسكرية تركية في أذربيجان"، وأضاف: "قد يحدث تطوُّر وتوسُّع هنا في وقت لاحق"، مشيراً إلى أن "إعلان شوشة" الذي وُقِّع بين البلدين يتيح إنشاء قاعدة عسكرية عند استدعاء الحاجة ضمن إطار التحالف العسكري الواسع بين تركيا وأذربيجان.

وعقب تصريحات الرئيس أردوغان حول إنشاء قاعدة عسكرية في أذربيجان التي أثارت ضجة واسعة بالإعلام العالمي والروسي تحديداً قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "إن روسيا على تواصل مكثف مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بشأن إرساء الاستقرار جنوب القوقاز، حيث طرد جيش أذربيجان المدعوم من تركيا قوات أرمينية من قطاعات من الأراضي كانت تسيطر عليها منذ التسعينيات بإقليم ناغورني قرة باغ ومناطق محيطة به".

النفوذ التركي بالقوقاز

تعتبر منطقة القوقاز التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي في وقت سابق مناطق نفوذ روسية، وحتى وقت قريب وعلى الرغم من انفصال دول القوقاز عن روسيا الاتحادية وإعلان استقلالهم بقيت دول القوقاز خاضعة للنفوذ الروسي بشكل منفرد، وخلال الصراع العسكري الذي دار العام الماضي بين أرمينيا وأذربيجان المدعومة من قبل تركيا الذي شهد تحرير ناغورنو قرة باغ وخسارة أرمينيا للحرب على الرغم من الدعم الروسي الموثّق باتفاقيات عسكرية وأمنية والمدعوم بقاعدة عسكرية روسية على الأراضي الأرمنية، برزت تركيا لاعباً جديداً منافساً لروسيا على ساحة النفوذ جنوب القوقاز.

وجاءت زيارة الرئيس التركي لمدينة شوشة التاريخية التي تعد مركزاً ثقافياً لأذربيجان، من أجل الاحتفال بعودة المدينة إلى السيادة الأذربيجانية والتذكير بالدور المهم الذي لعبته تركيا بعملية تحرير شوشة وبقية مدن الإقليم المحرر، فضلاً عن وضع الخطط والرؤى المستقبلية للنهوض بالعلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأذربيجان، الأمر الذي سينعكس مباشرة على زيادة النفوذ التركي في أذربيجان والقوقاز.

ومن شأن "إعلان شوشة" الذي رفع مستوى التحالف العسكري والسياسي والاقتصادي بين تركيا وأذربيجان أن يمهد الطريق مستقبلاً أمام تركيا لتوسيع نفوذها في القوقاز ودول آسيا الوسطى ومزاحمة القوى الدولية والإقليمية النشطة هناك، من بينها روسيا والصين وإيران، بالإضافة إلى تقوية أوراق الضغط لدى أنقرة التي بمواجهة روسيا بملفات دولية وإقليمية ممتدة من سوريا إلى ليبيا وشرق المتوسط.

وتسعى تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية ضمن حلف الناتو لتصدير نفسها لاعباً قوياً دولياً وإقليمياً في مواجهة النفوذ الروسي، ومؤخراً حظيت أنشطتها بزخم كبير لتوحيد الدول الناطقة بالتركية الخاضعة لنفوذ روسيا والصين تحت مظلة تقودها أنقرة، فضلاً عن مقترحها إبقاء قواتها العسكرية بأفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية ودول حلف الناتو لإغلاق الطريق أمام التوسع الروسي والصيني هناك والحد من نفوذهم.

علاقات تاريخية تربط البلدين

العلاقات التركية-الأذربيجانية لم تكن بطبيعة الحال وليدة التطورات الأخيرة، بل هي نابعة من تاريخ حافل من العلاقات الراسخة بين البلدين لخّصه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في مقولته الشهيرة: "مشكلات الأتراك الأذربيجانيين هي مشكلاتنا، وفرحهم فرحنا، وقدرهم قدرنا"، ومقولة الزعيم الأذربيجاني حيدر علييف: "نحن أمة واحدة في وطنين".

وعندما شكّل المسلمون الأذربيجانيون المجلس الوطني الأذربيجاني في 28 مايو/أيار 1918 بعد اندلاع الثورة في روسيا القيصرية عام 1917 وتفكك جنوب القوقاز وظهور ثلاث دول هي: أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، سخرت الدولة العثمانية وزارة خارجيتها وسفاراتها في الخارج من أجل مساعدة أذربيجان بأخذ مكانها بالمجتمع الدولي وترسيخ وجودها دولة مستقلة، كما أرسلت قوة عسكرية بقيادة نوري باشا إلى أذربيجان للدعم والحماية وتحرير باكو عاصمة أذربيجان من البلاشفة الروس، ووقع في 4 يونيو/حزيران 1918 على "اتفاقيات السلام والصداقة" التي تعد أول اتفاقية عسكرية بين البلدين.

وإبان حرب الاستقلال التركية بداية من 19 مايو/أيار 1919 حتى إعلان الجمهورية التركية 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923، قدمت أذربيجان كل مواردها وإمكانياتها لدعم الحراك التركي لمحاربة قوى الحلفاء الغازية للأراضي التركية، وفور تأسيس مجلس الأمة التركي بأنقرة برئاسة مصطفى كمال أتاتورك بأبريل/نيسان 1920 عين المجلس ممدوح شوكت إيسندال مبعوثاً لتركيا في باكو عاصمة أذربيجان، بالمقابل عُيِّن إبراهيم أبيلوف ممثلاً لحكومة أذربيجان بأنقرة، ما يُعتبر تأسيساً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً