يواجه رئيس الوزراء اليوناني ضغوطاً واسعة على خلفية مستجدات في قضية التجسس التي قادها جهاز استخباراته ضد سياسيين وصحفيين معارضين / صورة: Reuters (Louiza Vradi/Reuters)
تابعنا

أخذت فضيحة التجسس اليونانية منحىً آخر يوم السبت بعد نشر لائحة تتضمن 33 اسماً لضحايا جدد أظهر تحليل بيانات هواتفهم النقالة آثاراً لبرنامج "بريداتور" الذي تستخدمه الاستخبارات المركزية في أثينا.

في المستجد يمثل اتساعاً للفضيحة التي كشف عنها أواخر يوليو/تموز المنصرم أبحاث أوروبية أُجريَت على هواتف سياسيين وصحفيين من المعارضة، وأثبتت تعرُّضها لاختراق باستعمال برامج تجسس متطورة أدّت إلى التنصُّت على اتصالاتها واعتراض رسائلها.

وتواجه حكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس ضغوطاً كبيرة جراء هذه الفضيحة رغم محاولاته الجاهدة احتوائها عبر استقالة مسؤولي جهاز المخابرات. فيما تطالب أصوات كثيرة تُحمِّل ميتسوتاكيس المسؤولية السياسية لما وقع، لكون الجهاز المذكور يقع تحت إشرافه المباشر.

اتساع رقعة الفضيحة

ووفقاً لما نشرته صحيفة "دوكيمانتو" المحلية السبت فإن تحليل بيانات هواتف مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وصحفيين معارضين أظهرت ضحايا جدداً لبرنامج التجسس "بريداتور" إسرائيلي الصنع المستخدم من جهاز المخابرات المركزية اليوناني. هذا قبل أن تنشر لائحة تتضمن 33 اسماً لهؤلاء الضحايا.

تشمل اللائحة أسماء مسؤولين حكوميين حاليين وسابقين مثل وزير الخارجية نيكوس ديندياس ووزير التنمية والاستثمار أدونيس جورجياديس وزوجته ورئيس الوزراء السابق عن حزب المحافظين أنطونيس ساماراس. وكذلك وجوه بارزة من المعارضة اليسارية كالمتحدثة السابقة باسم حكومة سيريزا أولغا جيروفاسيلي إضافة إلى صحفيين كالمحرر التنفيذي لصحيفة كاثيميريني أليكسيس باباتشيلاس.

وحمَّلت دوكيمانتو رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس المسؤولية بعملية التجسس وانتهاك الخصوصية. ومن جانبه قال المتحدث باسم الحكومة ديميتريس أويكونومو في بيان إن: "كل ما نُشر بالصحيفة يجب أن يخضع لتحقيق شامل من السلطات المختصة وبخاصة العدالة اليونانية".

فيما علَّق مسؤول مقرب من وزير الخارجية اليوناني على القائمة الجديدة بالقول: "من غير المعقول والخطير الإشارة إلى أن رئيس الوزراء كان يستغل وزير الخارجية"، مضيفاً أن اليونان كباقي دول العالم تتخذ باستمرار إجراءات لتأمين اتصالات وزير الخارجية وحمايتها من الاختراقات والتنصت.

ميتسوتاكيس تحت الضغط

منذ انكشاف فضيحة التجسس أواخر يوليو/تموز المنصرم نفى رئيس الوزراء اليوناني معرفته بتفاصيل واقعة التجسس رغم أن وكالة الاستخبارات المتهمة تتبع مكتبه مباشرةً منذ تولّيه السلطة سنة 2019، وقال كرياكوس في بيان متلفز إن ما وقع كان "خطأً إداريّاً" ما كان ليسمح به لو كان على علم مُسبَق بالأمر.

وفي خطوة لاحتواء الموقف قدّم رئيس جهاز المخابرات اليونانية باناجيوتيس كونتوليون استقالته من المنصب، وتبعه في ذلك غريغوريس ديميترياديس ابن شقيق رئيس الوزراء الذي كان يشغل منصب الأمين العامّ لرئاسة الحكومة. وأوضح كرياكوس أنه قَبِل الاستقالتين الأولى لتحمُّل المسؤولية المهنية والثانية لتحمُّل المسؤولية السياسية للفضيحة.

وهو ما اعتبره تحالف سيريزا اليساري المعارض وقتها "ليس سوى تخبُّط للحكومة ورئيسها ومحاولة لتجنُّب تحمُّل المسؤولية عما وقع". وهاجم ألكسيس تسيبراس، زعيم سيريزا، رئيسَ الوزراء متهماً إياه بالأمر بعملية التجسس، قائلاً: "أردتَ أن تكون لديك السيطرة المطلقة داخل ثالث أكبر حزب (الحركة من أجل التغيير) لضمان السيطرة على التطورات السياسية قبل (طرح) قانون التمثيل النسبي البرلماني الجديد الذي يتطلب حكومات ائتلافية".

ومع نشر لائحة الضحايا الجدد علَّق الصحفي اليوناني المعارض كوستاس فاكشفانيس بالقول: "توجد دائرة مراقبة واحدة مع مركز (استخبارات) إجرامي للجمهورية، والسيد ميتسوتاكيس هو العقل الإجرامي المدبر". واتهم فاكشفانيس النيابة العامة بـ"المماطلة بالتحقيق في القضية ومحاولة تعويمها"، إذ أطلق حتى الآن خمس تحقيقات منفصلة لاتزال في مراحلها الأولية.

تفاصيل "ووترغيت اليونانية"

تعود تفاصيل الواقعة إلى سنة 2021، وقت الانتخابات الداخلية لتحالف "الحركة من أجل التغيير" اليسارية المعارضة، حين تَعرَّض زعيمها نيكوس أندرولاكيس للتنصت لثلاث أشهر متتالية، إضافة إلى صحفيَّين معارضَين وقعا تحت طائلة الإجراء المنتهك للخصوصية.

وكشف أندرولاكيس، الزعيم اليساري المعارض والنائب الأوروبي، أنه بعد تلقّيه رسائل مريبة، وضع هاتفه عند شعبة الأمن السيبراني التابعة للبرلمان الأوروبي لتحليل بياناته، هذه الأخيرة التي أعلمته بتعرُّضه لمحاولات اختراق باستخدام برنامج بريداتور المطوَّر إسرائيلياً. وكانت تلك أول مرة التي يماط فيها النقاب عن الفضيحة، التي أصبحت تسمى إعلامياً بـ"ووترغيت اليونانية".

وعلَّق أندرولاكيس على الأمر في حديثه لوكالة أسوشيتد بريس الأمريكية قائلاً: "لم أكن أتوقع أن تضعني الحكومة اليونانية تحت المراقبة"، داعياً البرلمان لتشكيل لجنة تقصي حقائق للنظر بالمسؤوليات السياسية المحتمَلة لمحاولة التنصُّت على هاتفه، والحكومة إلى أن لا تسعى لدفن القضية.

وحسب وسائل إعلام دولية فإن هذه هي المرة الثالثة خلال سنة التي تُتَّهم بها أجهزة الاستخبارات اليونانية بانتهاك الخصوصية والتنصت على مواطنين عبر اختراق هواتفهم. فسابقاً في أبريل/نيسان الماضي تَوجَّه الصحفي اليوناني المختصّ في الشؤون الاقتصادية تاناسيس كوكاكيس إلى القضاء مشتكياً تَعرُّض هاتفه للاختراق ببرنامج "بريداتور" للتجسس. وقبلها في فبراير/شباط اتخذ الصحفي ستافروس ماليتشوديس المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء نفس الإجراء.

وزعمت منظمة "مراسلون متحدون" في يونيو/حزيران الماضي أن رئيس المخابرات اليونانية غريغوريس ديميترياديس كان له تعاملات تجارية غير مباشرة مع الشركة المالكة لبرنامج "بريداتور" من خلال وكيل لمراقبة السياسيين المعارضين.

وفي 12 أغسطس/آب الماضي رفع النائب الأوروبي عن الحزب الشيوعي اليوناني كوستاس باباداكيس استفساراً كتابياً إلى المفوضية الأوروبية في هذا الصدد، قال فيه إن أعضاء اللجنة المركزية لحزبه تَعرَّضوا مراراً للتنصُّت ببرنامج التجسس الإسرائيلي، قبل أن يتساءل كيف تسمح القوانين الأوروبية للحكومات بهذه الانتهاكات الحقوقية.

ومن جانبها طالبت المفوضية الأوروبية الحكومة اليونانية بإجراء تحقيق معمق في القضية، وقالت الناطقة باسم المفوضية للشؤون الداخلية أنيتا هيبر إنه "إذا تأكدت المزاعم الواردة، فإن أي محاولة من أجهزة الأمن القومي للوصول غير القانوني إلى بيانات المواطنين، بمن فيهم الصحفيون والمعارضون السياسيون، غير مقبولة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً