احتجاجت عاملي قطاع التعليم في فرنسا ضد سياسات حكومة ماكرون (Frederick Florin/AFP)
تابعنا

على بعد أقل من 90 يوماً تفصلنا عن انتخابات رئاسية يُمنّي فيها الرئيس الفرنسي النفس بالفوز بولاية ثانية، أبت شوارع باريس إلا أن تؤكد مرة أخرى فشل سياسات حكومة ماكرون في إدارة الملفات الاجتماعية، بخاصة وأن البلاد ترزح تحت ثقل الجائحة الوبائية وآثارها الاقتصادية المهولة.

هكذا أعادت العاصمة الفرنسية، وغيرها من مدن البلاد، تمثيل مشاهد الإضرابات العمالية التي شهدتها نهاية سنة 2019، هذه المرة قادتها هم عاملو قطاع التعليم الذين نزلوا للاحتجاج معلنين إضراباً عامّاً عطل بشكل تام نصف المدارس الفرنسية.

فيما تمحورت مطالبهم حول توفير سياسة ناجعة لمواجهة الانتشار الكبير لحالات الإصابة بكورونا وسط التلاميذ، بعد التخبط الذي سقطت فيه الوزارة المسؤولة عن القطاع في هذا الصدد، حماية للطاقم التعليمي كما المدرسين، وضماناً لاستمرار مسار التعلم بشكل صحيح بعد أن عطلته إجراءات مكافحة الوباء في المدارس.

انطلاق الشرارة

تعود شرارة انطلاق الإضرابات إلى القرارات التي اعتمدها وزير التعليم الفرنسي، ميشيل بلانكي، والذي أصر على أن تبقى المدارس مفتوحة في وقت تشهد فيه البلاد أرقام إصابة قياسية سببها انتشار متحور أوميكرون. هذا مع تكليف المدرسين وممرضي المدارس بالسهر على التحقق من سلامة التلاميذ قبل دخول حصص الدرس، في عملية مضنية تجري دون توفير مستلزمات الوقاية لهم.

وفي بيان للرأي العام أعلن اتحاد من سبع نقابات تنضوي تحتها فئة عاملي التعليم عن رفضه للإجراءات، مُدينة "القرار الأحادي للوزير الذي اتخذ دون إشراك العاملين في اتخاذه بإبقاء المدارس مفتوحة"، هذا "دون توفير وسائل الحماية الضرورية للعاملين أو الموارد البشرية اللازمة لإنجاز تلك الإجراءات".

وأضاف بيان النقابات قائلاً: بأن "هذه الحالة ألقت بالمدارس في حالة من الفوضى، من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على عملية تعلم المتمدرسين". مؤكداً أنه "خلال فترة إغلاق المدارس حافظنا على استمرار المسار الدراسي، أما بفعل هذه الإجراءات فنحن أمام متقطع".

هذا ما دفع النقابات إلى إعلان إضراب عام يشارك فيه أكثر من 75% من عاملي التعليم، وتعطل بفعله نصف مدارس البلاد، ما وصفه الإعلام بـ"التاريخي" بسبب حجم المشاركة فيه. وكذا الدعوة إلى إنزال وطني لعشرات الآلاف من العاملين من أجل المشاركة في مسيرة احتجاجية احتضنتها شوارع باريس يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني.

رداً على هذا سارع وزير التعليم الفرنسي في محاولة لتهدئة الغضب، حيث أعلن لاحقاً توزيع 5 ملايين كمامة واقية من نوع FPP2، كما تعيين 3300 متعاقد إضافي لتعويض غياب المعلمين المصابين أو المخالطين أو المضطرين إلى رعاية أطفالهم المرضى. فيما لازالت النقابات مصرة على مطلبها بإبطال الإجراءات الجديدة، والعودة إلى البروتوكول القديم حيث كانت تقفل الفصول الدراسية إذا ما تم اكتشاف إصابات فيها واستمرار عملية التعليم عن بعد.

وضع "جحيمي" في المدرسة الفرنسية

" يجري احتقارنا، واستغلالنا، مقابل أجور ضعيفة؛ لهذا نحن نحتج!" بهذه الكلمات وصف المدرسون الفرنسيون الحالة التي يعيشونها جراء سياسات حكومة ماكرون في القطاع.

وفي شهادة نقلها موقع Médiapart من الاحتجاجات، وصفت إحدى المحتجات الفوضى التي تعيشها المدرسة الفرنسية، قائلة: "الأطفال مرضى، والمدرسون مرضى كذلك، والآباء في هذه الوضعية يعيشون على أعصابهم. نحن نعيش في مناخ من التوتر المستمر".

وتضيف شهادة أخرى: "لا، أبواب المدرسة ليست مفتوحة كما يروج ميشيل بلانكي، أنا أقدم درساً لخمسة طلاب فقط في الفترة الصباحية، وأحد عشر في الفترة المسائية، وعشرين في اليوم الموالي. وبين هذا وذاك أصبح لزاماً علي أن أشتغل من ساعتين إلى ثلاث ساعات إضافية للذين تغيبوا كي يبقوا مواكبين للعملية التعليمية".

وتقول أخرى: "نحن نحس كأننا أكباش فداء لسياسات حكومة ماكرون، مع أطفال الحضانة حيث الوباء يتنقل بحرية بين الأطفال المعفيين من ارتداء الأقنعة الواقية".

في روبورتاج آخر لصحيفة Le Monde، يصف مدير مدرسة ببلدة سيرجي (شمال العاصمة باريس) الوضعية التي تعيشها مؤسسته بـ"الجحيمية". حيث 140 من 250 طالباً يغيبون عن حجرات الدراسة، ويقضي المدرسون أربع ساعات على أقل كل يوم، في ظروف مناخية قاسية، للتحقق من سلامة الطلبة قبل الولوج إلى المدرسة.

هذا وحصدت إصابات كورونا، فقط خلال الأسبوع الأول من شهر يناير/كانون الثاني الجاري، أكثر من 5631 مدرساً و47.5 ألف طالب، كما أغلق جراء ذلك أكثر من 9202 فصل دراسي، بحسب إحصاءات وزارة التعليم الفرنسية.

ضربة موجعة لماكرون

شكَّل إضراب عاملي قطاع التعليم الفرنسي ضربة موجعة للرئيس إمانويل ماكرون على بعد أقل من 90 يوماً على الانتخابات الرئاسية. حيث "لم يتوقع أحد في رأس الدولة إضراباً وطنياً من قبل المعلمين والعاملين في مجال التعليم، ولم يتخيل أحد الإقبال الذي عرفه" يؤكد تقرير لصحيفة Le Monde.

مضيفاً أنه الحدث "الأكثر إحراجاً (لحكومة ماكرون) قبل أقل من 90 يوماً من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث لم يكن متوقعاً أن ينضم ممثلو أولياء الأمور إلى سخط المعلمين في مواجهة بروتوكول صحي، ما يعتبر تطوراً ثقيلاً للغاية ومعقداً للغاية، وسريعاً جداً".

من جهة أخرى، يرى مراقبون، أن الحدث مثّل فرصة ذهبية لمنافسي ماكرون للانقضاض عليه، بل والتهديد بالإجهاز الكامل على طموحه في ولاية ثانية. هذا ما نلحظه من خلال تصرفات أولئك المنافسين، وعلى رأسهم زعيم "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلانشون، الذي اتهم بلانكي بالسعي إلى "تدمير المدرسة الفرنسية". ودعى مرشح الخضر، يانيك جادو، إلى "التوقف عن إساءة معاملة المعلمين".

على اليمين، حمَّل مستشار مرشحة الحزب الجمهوري، داميان أباد، وزير التعليم مسؤولية "الفوضى الكبيرة داخل المدرسة الفرنسية". كما انتقد كذلك الميزانية العمومية لولاية إيمانويل ماكرون، قائلاً: "لقد فشل في جعل التعليم وسيلة للنهوض الاجتماعي. اليوم أصبح تكافؤ الفرص خدعة والتقدم الاجتماعي وهم".

TRT عربي