تتمتع العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم ببعض المزايا على الذهب، فهي لامركزية وتعمل بشكل مستقل عن أي سلطة مركزية / صورة: AA (Hakan Nural/AA)
تابعنا

بينما يواصل البيتكوين صعوده السريع، محطماً أرقاماً قياسية جديدة، يجري المستثمرون مقارنات بين العملات المشفرة الشهيرة وفئة الأصول المعروفة أيضاً، مثل الذهب.

وعزز إحياء أسعار البيتكوين مؤخراً من سمعة العملة المشفرة كشكل من أشكال "الذهب الرقمي" بين بعض المحللين، الذين يزعمون أنه يمثل أصلاً آمناً خلال أوقات الأزمات المالية مثل التي تعصف الآن بالاقتصاد الدولي.

وعلى الرغم من الاضطرابات في قطاع البنوك والتكنولوجيا، ارتفعت العملة المشفرة الأكبر بيتكوين 9.2% إلى 27359 دولاراً في نهاية تعاملات الأسبوع، بزيادة 2309 دولارات عن الإغلاق السابق.

وارتفعت أكبر وأشهر العملات المشفرة في العالم 65.9% عن أدنى مستوى لها في العام عند 16496 دولاراً الذي سجلته في الأول من يناير/كانون الثاني.

كان الارتفاع الأخير مفاجئاً إلى حد ما، حيث يأتي في ظل انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر في الولايات المتحدة، وهما من أكبر المقرضين لصناعة العملات المشفرة.

وعلى المسار نفسه، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 5% في الأسبوع نفسه، محققة أكبر مكاسب أسبوعية لها ‏منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

إذ دفعت الأزمة المصرفية العالمية المستثمرين ‏إلى اقتناء سبائك الملاذ الآمن، بينما زادت الرهانات على تهدئة مجلس الاحتياطي ‏الفدرالي لوتيرة مكافحته التضخم.‏

قال المحلل والمؤلف في مجال العملات الرقمية جلين جودمان، إنه "من الرائع رؤية عملات البيتكوين تنفصل عن ارتباطها بالأسهم، وبدلاً من ذلك تتماشى مع الذهب"، وفق ما نقلت عنه صحيفة الإندبندنت البريطانية.

ومع ارتفاعهما على السواء، يقول الخبراء إنه غالباً ما يُنظر إلى كلا الأصلين على أنهما طرق لتنويع المحفظة أو كوسيلة تحوط ضد التضخم الناجم عن ما يراه بعض المراقبين على أنه سياسات مالية ونقدية غير مستدامة.

ومع ارتفاع الذهب والعملات المشفرة في ظل الأزمات المالية العالمية والتضخم غير المسبوق، يلوح سؤال في الأفق، أيهما أكثر أمناً للاستثمار؟

الأكثر أمناً

يقول الباحث الاقتصادي أحمد مصبح إنه ينظر إلى مفهوم "الأكثر أمناً" حسب الهدف من الاستثمار في هذه القطاعات، فالذهب، وعلى مر العصور، هو من أكثر الملاذات المالية أماناً ولكنه ليس أفضل طرق الاستثمار.

وتابع في حديث لـTRT عربي: "بمعنى أنه إذا كان الهدف من الذهب هو حفظ النقود والمدخرات من تقلبات العملات والتضخم، فأنت في المسار الأكثر أماناً".

وأضاف: "ولكن إذا كان الهدف من اقتناء الذهب هو الاستثمار، فهناك العديد من المتغيرات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار مثل نمو الاقتصاد العالمي، وحالة الثقة الاستثمارية ودرجة المخاطر التي تلعب دوراً في التغيرات في حالة العرض والطلب وبالتالي تغيرات في أسعار الذهب"،

"ناهيك عن السياسات النقدية المتعلقة بأسعار الفائدة للدول الكبرى وبخاصة للفيدرالي الأمريكي والتي لها دور كبير في التأثير على سوق الذهب، حسب مصبح"، وفق تعبيره.

بدوره، يعتبر مقدم برنامج "زكي أون بيتكوين" على يوتيوب، زكي الدليمي كل من الذهب والعملات المشفرة ملاذات آمنة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي".

ويقول لـ TRT عربي: "يُنظر إلى الذهب تقليدياً على أنه أصل آمن على مدى قرون عديدة، بينما ظهرت العملات المشفرة مثل البيتكوين والايثيريوم كفئة أصول جديدة في السنوات الأخيرة".

ومن وجهة نظر الدليمي المهتم بقطاع الأعمال والعملات الرقمية، فإن للذهب العديد من المزايا فهو أصل آمن ملموس جرى استخدامه كمخزن للقيمة لعدة قرون وصمد أمام اختبار الزمن.

ولا يخضع الذهب لللتقلبات نفسها مثل العملات المشفرة ولا يعتمد على الإنترنت أو الكهرباء لقيمته. بالإضافة إلى ذلك، فهو ذو قيمة جوهرية بسبب استخداماته الصناعية والمجوهرات، مما يوفر بعض الاستقرار لقيمته، حسب الدليمي.

من ناحية أخرى، تتمتع العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم ببعض المزايا على الذهب، فهي لامركزية وتعمل بشكل مستقل عن أي سلطة مركزية، مما يجعلها محصنة ضد تلاعب الحكومات، كما أنها قابلة للتحويل بسهولة، مما يجعلها جذابة للمستثمرين، وفق تقديره.

وفي النقطة نفسها، يقول موقع CNBC الاقتصادي إن أنصار البيتكوين يرون أن العملات الرقمية هي وسيلة للمستثمرين لحماية أنفسهم من تحركات البنوك المركزية بشأن السياسات النقدية، والتي يقولون إنها تضعف قيمة العملة الورقية.

وفي النهاية، يعتقد الدليمي أن الاختيار بين الذهب والعملات الرقمية، يعتمد على التفضيلات الفردية وتحمل المخاطر وأهداف الاستثمار.

تأثر الذهب

وتصاعدت النقاشات والمقارنات في الآونة الأخيرة بعد ظهور تحليلات كثيرة تتحدث عن تأثر الذهب وتزعزع شعبيته لصالح العملات الرقمية، التي تحقق مكاسب سريعة وكبيرة، على الرغم من خطورتها.

ولطالما اعتُبِر الذهب أنه الملاذ الآمن المختار، وعلى الرغم من ذلك فإن العملات الرقمية تأكل من حصته في السوق.

وهنا يؤكد الدليمي أنه: "كان لظهور العملات الرقمية، مثل البيتكوين وغيرها تأثير مختلط على سوق الذهب وباتت تنافسه اليوم في قطاع الاستثمار".

وأوضح أنه "بينما تحول بعض المستثمرين إلى العملات الرقمية كبديل عن الذهب، يواصل آخرون النظر إليه كمخزن موثوق به للقيمة".

ويرى بعض المستثمرين أن العملات الرقمية بديل أكثر ملاءمة اليوم كونها تحقق عوائد أعلى من الذهب، على الرغم من أنها تخضع أيضا لتقلبات أكبر، وفق قوله.

ويختتم بقوله: "في حين أن العملات الرقمية قد تقدم بعض المنافسة على الذهب كأصل آمن، إلا أنها ليست بالضرورة بديلاً عنه. سيعتمد الاختيار بين الاثنين أيضاً على التفضيلات الفردية وتحمل المخاطر وأهداف الاستثمار".

أما الخبير الاقتصادي أحمد مصبح فيعتقد أنه "بلا شك ساهمت العملات الرقمية في توجه المليارات نحوها على حساب الذهب".

ولكنها حتى الآن وفي المدى المتوسط لن تكون ملاذاً آمنا بخاصة في ظل التقلبات وحساسيتها العالية وعدم وجود إطار منظم لها على صعيد الدول، حسب تقديره.

وخلص إلى أن: "الخيار الأكثر أماناً هو التنويع الاستثماري بين الذهب والأسهم في البورصات والعملات الرقمية بخاصة في ظل هذه الظروف غير المستقرة".


TRT عربي