قاعدة المسيرات التركية في قبرص.. عين استراتيجية حاكمة على شرق المتوسط (Muhammed Enes Yildirim/AA)
تابعنا

في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات بين تركيا واليونان وحلفائها في ملف التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر الأبيض المتوسط، جاءت التحركات الاستراتيجية من تركيا واحداً تلو آخر، بدءاً بإرسال سفن تركية للبحث والتنقيب في منطقة النزاع، مروراً بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وانتهاءً بإعلان إنشاء قاعدة للطائرات المسيَّرة في جمهورية شمال قبرص التركية.

حيث اختير مطار غيجيتكالي (Gecitkale) في جمهورية شمال قبرص التركية ليكون بمثابة عين كاشفة لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، بهدف حماية عمليات التنقيب في المناطق المتنازَع عليها شرق المتوسط، بالإضافة إلى مراقبة التحركات العدائية لليونان وحلفائها، التي تستهدف سفن التنقيب التركية.

ونشر الحساب الرسمي لوكالة الأناضول على تويتر فيديو يُظهِر هبوط طائرة مراقبة مسيّرة من نوع بيرقدار فجر بنهاية عام 2019 على مدرج مطار غيجيتكالي في جمهورية شمال قبرص التركية، وأوضحت الوكالة أن طائرة المراقبة التي أقلعت من القاعدة الجوية العسكرية في دلامان غربي تركيا تُعتبر أول طائرة تهبط في المطار القبرصي منذ فترة طويلة.

قاعدة جوية للمسيّرات

في أواخر عام 2019 تناقلت وسائل الإعلام التركية واليونانية تنفيذ تركيا خطوة استراتيجية جديدة شرق المتوسط، تمثلت في موافقة مجلس وزراء جمهورية قبرص التركية على تسليم المطار الذي طلبته تركيا في وقت سابق لإنشاء قاعدة جوية للطائرات المسيّرة التركية، المسلحة "SİHA" وغير المسلحة "İHA". وتهدف تركيا من خلال هذه الخطوة الاستراتيجية إلى تعزيز وتقوية أوراق قوتها في صراع الطاقة الدائر شرق المتوسط.

واعتُبر هذا القرار ضربة موجعة للتحالف الثنائي المكون من اليونان وإدارة جنوب قبرص، الذي استثنى تركيا وجهورية شمال قبرص في تقاسم موارد الطاقة شرقي البحر الأبيض المتوسط.

ومطار غيجيتكالي (Gecitkale) الذي بُني عام 1982 خصوصاً لهبوط الطائرات الحربية التركية، لم يُستخدم لأي أغراض عسكرية منذ بنائه. إذ يقع على بعد 40 كلم شرق مطار إيرجان (Ercan)، المطار المدني الوحيد في جمهورية شمال قبرص. وحسب الفحص الذي أجرته هيئة الأركان العامة التركية، يحوي المطار مدرجاً طويلاً وحظائر كبيرة يمكن أن تستخدمها المسيّرات، بالإضافة إلى برج مراقبة.

ميزات القاعدة العسكرية

ستوفر القاعدة العسكرية الخاصة بالطائرات المسيّرة التركية في جمهورية شمال قبرص عديداً من الميزات لتركيا في صراعها الدائر شرق البحر الأبيض المتوسط، أبرزها:

- حاملة طائرات ثابتة: من خلال القاعدة الجوية في مطار غيجيتكالي (Gecitkale) القبرصي، اكتسبت تركيا القدرة على مراقبة كل شرق البحر الأبيض المتوسط تقريباً، كما مكنتها من التحرك بشكل سريع وقت حدوث أي طارئ أو اعتداء على سفنها وطواقمها.

- ردع للطائرات المسيرة الإسرائيلية: وتهدف القاعدة الجوية التركية إلى تحقيق التوازن العسكري في جزيرة قبرص، خصوصاً بعد شراء إدارة قبرص اليونانية 6 طائرات مسيّرة من إسرائيل وفتح حدودها أمام القوات المسلحة الإسرائيلية بسلسلة من الاتفاقيات، فضلاً عن فتح قواعدها الجوية والبحرية لفرنسا وإسرائيل.

- التنقيب والحفر في المياه البعيدة: ستوفر الطائرات المسيّرة التركية المسلحة وغير المسلحة الحماية لسفن التنقيب والحفر التركية يافوز (Yavuz) وفاتح (Fatih) التي تحفر بالقرب من شمال قبرص التركية، كما ستمكن القاعدة الجوية الجديدة سفن الحفر والتنقيب من توسعة نطاق عملهم في مناطق أبعد وأوسع شرق الأبيض المتوسط.

الحكام الجدد لشرق المتوسط

عقب قرار مجلس الوزراء الذي عُقد بشكل استثنائي من أجل منح الإذن لتركيا بإنشاء قاعدة جوية تخصّ طائراتها المسيَّرة في شمال قبرص التركية، قال رئيس وزراء جمهورية شمال قبرص إرسين تتار، إن الطائرات التركية بلا طيار بنوعيها المسلح وغير المسلح سيصبحن الحكام الجدد لشرق الأبيض المتوسط، في إشارة منه إلى قوة وفاعالية هذه المسيّرات التي أثبتت مهارتها وتفوقها في أكثر من معركة ومواجهة دولية وإقليمية.

وفي حديث له مع جريدة "حريات" التركية، قال تتار "إنها خطوة مهمة جاءت في الوقت المناسب؛ بفضل القاعدة الجوية الجديدة لا يمكن لطائر ولا ذبابة الطيران فوق شرق المتوسط بلا علم منا أو موافقة. وستحمي القاعدة الجديدة مصالحنا شرق البحر الأبيض المتوسط، وداخل مياه الوطن الأزرق لتركيا وجمهورية شمال قبرص التركية"، وأضاف: "بمجرد أن جاء طلب القاعدة الجوية أمامي، وضعت جانباً الإجراءات البيروقراطية ووافقت عليه على الفور برفقة أصدقائنا في مجلس الوزراء".

تحركات تركيا الاستراتيجية شرق المتوسط

من غير الممكن أن تقبل تركيا بتعدي اليونان وحلفائها على حدودها البحرية، ومحاولتهم حشر تركيا في رقعة بحرية صغيرة للغاية قرب خليج أنطاليا بشكل ينافي القانون الدولي، كما أن تركيا لن تتخلى عن حقها المشروع بأي شكل في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي ضمن حدودها البحرية، فضلاً عن التنقيب ضمن الحدود البحرية لشمال قبرص التركية.

لذلك ستستخدم تركيا جميع عوامل قوتها لحسم صراع شرق المتوسط لصالحها، وستستعين بالتأكيد بأفضل ما أنتجته شركات الصناعة الدفاعية لديها، من أسلحة متطورة بحرية وجوية، خصوصاً طائراتها المسيّرة التي أثبتت كفاءتها وفاعليتها في أكثر من ساحة قتال دولية وإقليمية.

ولن تقتصر حملات تركيا الاستراتيجية في صراع شرق المتوسط على الأسلحة والتقنية الدفاعية الحديثة التي تنتجها، بل ستمتد بكل تأكيد لتفعيل علاقتها الاستراتيجية مع بعض دول حوض المتوسط، فضلاً عن ترميم علاقاتها مع دول مركزية مهمة مثل مصر، وذلك من أجل الخروج باتفاقيات بحرية واقتصادية من شأنها إبطال الخطط والمشاريع اليونانية، كما حدث حين توصلت إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية الشرعية أواخر عام 2019.

TRT عربي