وبالرغم من الضبابية التي لا تزال تلف هوية من سيشكل الحكومة الفرنسية الجديدة، إلا أن مكونات الجبهة أكدت عقب إعلان الفوز على تمسكها بتطبيق برنامجها الانتخابي. وفي خطاب الانتصار، شدد زعيم "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون على أن الجبهة "ستحترم التفويض الشعبي، وستطبق برنامجها، لا شيء سوى برنامجها، برنامجها بأكمله".
ويتضمّن برنامج الجبهة الشعبية الجديدة تعهدات بالقطع مع سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، بما في ذلك السياسات الخارجية، في سبيل لعب الدبلوماسية الفرنسية دوراً بارزاً في إحقاق السلام وتهدئة النزاعات التي تجتاح العالم، حسب ما أشار إليه برنامج التحالف.
وبالرغم من كثرة الحديث عن اسم جان لوك ميلونشون كرئيس للحكومة الفرنسية القادمة، لم يُظهِر الإليزيه حتى الآن أي مؤشرات توضح هوية اختياره لذلك المنصب. هذا في وقت يزيد فيه الترقب للشكل الذي ستؤول إليه دبلوماسية فرنسا في حال صدقت تلك الشائعات، وكيف سيؤثر ذلك على علاقاتها مع محيطها الأوروبي والمتوسطي والعالم.
"حالة طوارئ من أجل السلام"!
وفي برنامجها الانتخابي، تعهدت الجبهة الشعبية الجديدة، باستجابتها لـ "حالة الطوارئ من أجل السلام"، وذلك عبر "مقترحات تقدم نظرة عن دبلوماسية تعزز الصالح المشترك بين دول العالم"، و"جعل الدبلوماسية الفرنسية في خدمة السلام".
ووعدت الجبهة أيضاً، بـ "جعل الدبلوماسية الفرنسية في خدمة البيئة والصحة ومنع تسليح وتلويث الفضاء"، وذلك بإجراءات من ضمنها الاعتراف بجريمة "المجزرة الإيكولوجية" ودعم تشكيل محكمة دولية للعدالة المناخية والبيئية، علاوة على الضغط من أجل إسقاط حقوق الاحتكار على اللقاحات والأدوية المستخدمة في محاربة الأوبئة.
وبخصوص العلاقات مع إفريقيا، تتعهد الجبهة بتبني سياسة تقوم على احترام سيادة دول القارة السمراء والتعاون بين الشعوب، وذلك عبر مسح ديون عدد من تلك الدول، وإعادة النظر في الاتفاقات الاقتصادية والدفاعية الفرنسية مع نظرائها الأفارقة.
الاعتراف بفلسطين ودعم أوكرانيا
ومنذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية في غزة، كانت وجوه من الجبهة الشعبية الجديدة، وبخاصة من حزب فرنسا الأبية، حاضرة في معظم المظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، أخذ الفريق النيابي للحزب اليساري الفرنسي، على عاتقه الدفاع عن الحق الفلسطيني داخل قبة الجمعية الوطنية.
وحتى بعد تأسيس التحالف، ظلت مناصرة القضية الفلسطينية حاضرة في برنامجه الانتخابي، إذ تعهّد بـ "قطع أي دعم كانت تقدمه الحكومة الفرنسية لحكومة نتنياهو العنصرية والمجرمة"، و"الضغط من أجل وقف إطلاق نار دائم وفوري في غزة"، كما "احترام ما أقرته محكمة العدل الدولية في القضية، والتي أكدت بوضوح وجود احتمال وقوع إبادة".
هذا بالإضافة إلى "دعم مذكرات التوقيف التي أصدرتها الجنائية الدولية" في حق نتنياهو ومسؤولي حكومته، و"إقرار حظر توريد الأسلحة لإسرائيل"، و"تطبيق عقوبات على الحكومة الإسرائيلية التي لا تحترم القانون الدولي في غزة والضفة الغربية"، وفق ما أتى به برنامج الجبهة.
فيما يبقى أكبر ما تعهدت به الجبهة الشعبية الجديدة، هو الاعتراف الفوري بفلسطين. وفي تصريحات لـ TRT Français، يوم الاثنين، قالت رئيسة الفريق النيابي لفرنسا الأبية، متيلد بانو: "بشكل فوري سننفذ ما نملكه من صلاحيات للاعتراف بفلسطين".
وإضافة إلى القضية الفلسطينية، تعهّدت الجبهة الشعبية الجديدة باستمرار فرنسا في دعم أوكرانيا، "من أجل إحباط الهجوم الروسي"، كما الدفاع على وحدة أراضي البلاد ومساعدتها عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى "التضييق على الأوليغاركيين الروس الذين يستخدمون في تمويل الحرب".
أوروبا بين الارتياح والقلق
بالنسبة إلى الفضاء الأوروبي، طرق البرنامج عدداً من النقاط المثيرة للجدل في علاقة فرنسا بجيرانها في الاتحاد الأوروبي. وعلى رأس هذه النقاط، تعهدت الجبهة بـ"مراجعة اتفاق الهجرة واللجوء الأوروبي"، و"تسهيل منح تأشيرات الدخول" و"تأسيس آلية استقبال للاجئين تحترم كرامتهم".
هذا بالإضافة إلى رفض "الاتفاق الأوروبي لاستقرار الميزانية" التي تفرض شروطاً على الإنفاق العام في الدول الأوروبية، و"إلغاء اتفاقيات التبادل الحر"، و"اقتراح تعديل السياسات الفلاحية المشتركة" للاتحاد الأوروبي. وهي القرارات التي يمكن أن تمثل نقاط خلاف بين باريس وجيرانها في الاتحاد.
وفي ألمانيا، رحب نائب المستشار الألماني روبرت هابيك، في تصريحات الاثنين، بفوز اليسار على اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية، لكنه حذر من تحديات قد تواجه فرنسا وأوروبا والعلاقات الفرنسية الألمانية في المرحلة القادمة من ذلك.
وقال هابيك: "لا يمكننا أن نعتبر أن الأمر قد انتهى ونغلق هذا الملف.. علينا أن نراقب من كثب ما سيحدث في فرنسا في المستقبل".
وحسب خبراء، فإن فوز الجبهة الشعبية الجديدة بالانتخابات كفيل بخلق توتر واسع بين فرنسا وألمانيا. وهو ما أعرب عنه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، ميشائيل روت، قائلاً: إن "ميلونشون مناهض لألمانيا بكل معنى الكلمة. إنه لا يختلف كثيراً عن السيدة لوبان في خطاباته المناهضة لألمانيا وأوروبا، لا يوجد سبب للثقة به، إنه أيديولوجي مناهض لأوروبا ومتهور".
ومن جانبه، شكك الإعلام البولندي الناطق باسم الأحزاب المحافظة في البلاد، في سلام وعود التحالف اليساري الفرنسي في دعم أوكرانيا، متهمة ميلونشون بالإدلاء سابقاً بتصريحات محابية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بالمقابل، ساد الارتياح في الجارة الغربية لفرنسا، إسبانيا التي تقودها هي الأخرى حكومة بيدرو سانشيز اليسارية، مع توقعات لتقارب كبير بين حكومتي البلدين في حال ما قادت الجبهة الشعبية الجديدة حكومة فرنسا.
واحتفى رئيس الوزراء الإسباني بنتائج الانتخابات الفرنسية قائلاً: "هذا الأسبوع، اختارت اثنتان من أكبر الدول في أوروبا (المملكة المتحدة وفرنسا) نفس المسار الذي اتبعته إسبانيا قبل عام: رفض اليمين المتطرف والالتزام الصارم باليسار الاجتماعي".