جانب من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة (Ashraf Shazly/AFP)
تابعنا

في اليوم المقرر فيه انعقاد جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة، نستعرض آخر المستجدات والخيارات المتاحة للقاهرة والخرطوم فيما يخص أزمة السد الإثيوبي. ونتساءل هل هناك مآلات محمودة تُرتجى من المفاوضات، أم أن الخيار العسكري أصبح حتمياً؟

إحداث "ثقب" بالسد يفي بالغرض

صرح المعتز بالله عبد الفتاح -أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمعروف بقربه من دوائر صنع القرار بمصر- قائلاً: "يقيني أن مصر ستلجأ إلى الخيار العسكري". يأتي تصريح عبد الفتاح قبل ساعات من الجلسة المقرر عقدها بمجلس الأمن الخميس.

وأردف عبد الفتاح في ظهوره الأول على قناة الجزيرة مباشر، والذي لم يحدث منذ الانقلاب العسكري بمصر عام 2013: "مصر ذاهبة إلى مجلس الأمن بنية تسجيل موقف ليس إلا". في إشارة منه إلى علم القاهرة المسبق بألا حل يرتجى من مجلس الأمن، وأن الصدام العسكري مع أديس أبابا قادم لا محالة.

ويؤمن الأستاذ المتخصص في الدراسات الديمقراطية بأن إحداث ضرر محدود بالسد سيجبر إثيوبيا على الانخراط في مفاوضات جادة.

وعندما سُئل عما كان يقصد في تصريح سابق عن حاجة مصر لإحداث "خُرم" (ثقب) في السد الإثيوبي، فرد معللاً أن مصر ليست بحاجة لأن تدمر السد تدميراً كلياً، وأن مجرد إحداث ثٌقب سيفي بالغرض. حيث أشار: "بعد 6 سنوات نجري فيها وراء إثيوبيا ونطلب التفاوض علينا أن نفعل أمراً ما يجعلهم هم الذين يسعون إلينا".

وأردف أستاذ العلوم السياسية: "يكفي جدا أن نُحدث فتحةً أو ثقباً وهذا ليس بالأمر العسير عسكرياً، ولنأخذ مثلا الممر الأوسط للسد الذي يبلغ طوله 250 مترا وعرضه 60 مترا، وهو ما يُعد هدفاً سهلاً جداً أمام ما تملكه مصر من قدرات عسكرية".

وأنهى عبد الفتاح تصريحاته مؤكداً أهمية ما يقول بُغية العودة إلى ما كان عليه الوضع عام 2011 عند بدء أديس أبابا تشييدها للسد: "إن حدث ذلك سيصبح السد معطلاً وساعتها ستبحث إثيوبيا عن طرف مصري للتفاوض معه".

عود على بدء، كيف وصلت المفاوضات إلى طريق مسدودة؟

خلال الأربعة أشهر الماضية فقط، خرجت إلى العلن تصريحات رسمية هنا وهناك، جميعها تفيد بأن طريق المفاوضات أصبح غير مُجدٍ، وأن الخيار العسكري أصبح -على أقل تقدير "مصدر قلق" إن لم يكن بالفعل "مطروحاً".

الطرف المصري أعلن مرات عديدة رفضه وشجبه للخطوات الإثيوبية. بدأت الأزمة الحالية منتصف شهر مارس/آذار/ ربيع الأول من العام الجاري، برفض الخارجية المصرية ما أسمته "لغة السيادة" التي تحدثت بها أديس أبابا في إعلانها لاستكمال ملء سد النهضة.

ولم تمر سوى أيام قليلة قبل أن يصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحاً يتضمن تهديداً مباشراً من مغبة المساس بمياه مصر، وتلاه تصريح لوزير خارجيته سامح شكري قائلاً فيه: "إذا لم يتمكن مجلس الأمن من إعادة إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات ووقف ملء السد، فسوف نجد أنفسنا في وضع يتعين علينا التعامل معه".

وخرجت القاهرة بعدها بستة أيام فقط معلنةً عدم نجاح ما اعتبرته "الفرصة الأخيرة" وهي محادثات كينشاسا حول سد النهضة. وأفاد بيان صدر عن الخارجية المصرية حينها: "جولة المفاوضات التي عُقدت في كينشاسا حول سد النهضة (على المستوى الوزاري) خلال يومي 4 و 5 أبريل/نيسان الجاري، لم تحقق تقدماً ولم تفضِ إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات".

وفي منتصف شهر أبريل/نيسان دعا شكري نظيره الروسي سيرغي لافروف إلى التدخّل بما لدى روسيا مِن تأثير على الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) من أجل الوصول إلى تسوية مُلزمة في قضية سدّ النهضة.

رسمياً بدء الملء الثاني للسد

توالت التصريحات من الجانب المصري، وبلغ السيل الزبى إذ اقترب موعد بدء الملء الثاني للسد الإثيوبي ولم يصدر عن أديس أبابا بنت شفة تطمئن القاهرة على حصتها في المياه. بل تفاجئ الجانب المصري مطلع الإسبوع الجاري بتلقي الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائيه والرى خطاباً رسمياً من نظيره الإثيوبي يفيد ببدء إثيوبيا في عملية الملء. فخرجت ببيان وزارة الري المصرية محذرةً بأن الملء الثاني للسد يهدد الأمن والسلم إقليمياً ودولياً.

وشدد البيان على "رفض مصر القاطع لهذا الإجراء الأحادي"، إذ اعتبرته "خرقاً صريحاً وخطيراً لاتفاق المبادئ"، فيما قامت وزارة الخارجية المصرية بإرسال نسخة من الخطاب الموجّه إلى إثيوبيا، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة، لإحاطته "بهذا التطور الخطير الذي يكشف مجدداً سوء نية إثيوبيا وإصرارها على اتخاذ إجراءات أحادية وفرض الأمر الواقع".

بالتوازي مع إرسال أديس أبابا للخطاب الرسمي لوزير الري المصري، طفق الجانب الإثيوبي مُصدِرا تصريحات مستفزة خلال الأسبوع الجاري برفع مستوى تأهب القوات الإثيوبية بمنطقة سد النهضة لتأمين الملء الثاني. وأن "القوات في المنطقة بحالة تأهُّب قصوى لتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بنجاح"، مشيراً إلى أن "الشعب الإثيوبي بأكمله يتابع عملية ملء السد".

واليوم، وبالتوازي مع جلسة مجلس الأمن، خرج قائد القوات الجوية الإثيوبية الجنرال يلما مرداسا مؤكداً استعداد بلاده لحماية سد النهضة من "أي عدوان" يحدث خلال الملء الثاني للسد بالمياه في أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب. وأردف مرداسا "لا يمكن حتى لطائر أن يمر من دون إذن منا"، في إشارة إلى استحالة استهدافه وفق تقديره.

وعلى صعيد آخر، كان الجيشان السوداني والمصري قد اختتما مناورات عسكرية باسم "حماة النيل" في السودان نهاية مايو/أيار الماضي بمشاركة عناصر من القوات البرية والجوية والدفاع الجوي بهدف "رفع القدرات القتالية لتشكل رادعاً للمتربصين والأعداء"، وفق بيان للجيش السوداني.

وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي بشأن ملء وإدارة السد للحفاظ على منشآتهما المائية وضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه النيل وهي 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار للسودان.

TRT عربي