أطلق نشطاء مغاربة عريضة يطالبون فيها بإلغاء التدريس باللغة الفرنسية.  (AA)
تابعنا

يعود جدل لغة التعليم بالمغرب مجدداً على بُعد أيام قليلة من انطلاق الموسم الدراسي، هذه المرة عبر بوابة عريضة إلكترونية، أطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، تروم المطالبة بإلغاء اعتماد اللغة الفرنسية من تدريس بعض المواد المقررة. فيما تداول نشطاء آخرون وسم "لا للفرنسة" كترويج لهذا المطلب.

وتأتي هذه المطالبات بعد ثلاث سنوات من إقرار "القانون الإطار للتربية والتعليم" المغربيين، والذي ينص على ما وصفه بـ"التناوب اللغوي" المتمثل في تدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية، وبشكل أساسي اللغة الفرنسية. كما يرى مراقبون أن لهذا الجدل اليوم حمولة سياسية، يطبعها الفتور الحاصل في العلاقات بين باريس والرباط.

عريضة "لا للفرنسة"

تحت عنوان "نعم للعدالة اللغوية في المغرب ولا للفرنسة"، أطلق نشطاء مغاربة عريضة يطالبون من خلالها بإلغاء الفرنسية من تدريس المواد العلمية والتقنية بالبلاد، والتي حصدت أكثر من 6200 توقيع. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة، على نطاق واسع، وسم "لا للفرنسة" ترويجاً لهذه الحملة وتأكيداً على المطلب.

وفي بيان العريضة، يقول كاتبه الناشط والمبرمج عبد الناصر البصري، بأن "فرنسة التعليم في البلاد، والتي تستهدف الشرائح العمرية الصغيرة ومراحل أساسية جداً، كالتعليم الإعدادي، حيث فيها يتم التأسيس الحقيقي لبناء المنطق الرياضياتي و المنهج العلمي بشكل صريح لدى المتعلم(ة)، هو بمثابة الضربة القاضية التي حكمت على الجيل الحالي و أجيال قادمة بالفشل المحتوم".

ويضيف مدللاً على كلامه بأن: "المنهج الدراسي تأسس على مبدأ التربية على الاختيار، إذ هو مرتكز من مرتكزات الميثاق (الوطني للتربية والتعليم)، فإذا به يجبر التلاميذ غير المتمكنين أصلاً من هذه اللغة الدخيلة والغريبة على التعلم بها قسراً"، وبالتالي "فإن 80% من المغاربة غير متمكنين من الحد الأدنى من كفايات اللغة الفرنسية المسطرة وأغلب النسبة المتبقية 20% بالكاد تمتلك الحد الأدنى فقط".

داعياً إلى "التكتل كمغاربة، خصوصاً رجالات ونساء قطاع التعليم من أساتذة وإداريين ومفتشين تربويين وآباء وأمهات، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، بل وجميع الهيئات والمؤسسات التي تهتم بمستقبل البلاد وأبنائها، من أجل الضغط على أصحاب القرار لرفع هذا الظلم الكبير والتوجه الخطير الذي لا يخدم بتاتاً حاضر ومستقبل تلامذتنا، ويُنبئ بفشل ذريع لمنظومة التعليم ومزيد من التراجع للبحث العلمي والانحدار لمستوى التعليم العالي".

وهاجم كاتب بيان العريضة "القانون الإطار للتربية والتعليم" المغربيين، الذي جرى إقراره سنة 2019، باعتباره "مساً خطيراً بمستقبل التعليم في المغرب ويتسبب في استمرار النزيف الذي أحدثته فرنسة التعليم العالي المغربي منذ عقود وما زال مستمراً؛ إذ تسبب في فتح الباب للهيمنة الفرنسية على التعليم والقضاء على التعددية اللغوية بالصيغة التي يتضمنها".

تفاعل كبير

هذا ولقيت مبادرة العريضة تفاعلاً كبيراً بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي المغاربة، والذين استجابوا لها بالنشر تحت وسم "لا للفرنسة"، منتقدين في تلك المنشورات ما وصفوه "فرنسة قسرية للتعليم" بالبلاد.

ومن جانبه، كتب يوسف الفغلومي، الأستاذ بجامعة "أبو شعيب الدكالي" بالجديد، على صفحته بفيسبوك، قائلاً: "صفَّقتم للفرنسة لأنكم تتوهمونها تفتح لكم أبواب الطب والهندسة والمال الوفير، وانسحبتم من معركة العربية مثل المتولي يوم الزحف، و يا له من ذنب عظيم".

وعلى صفحته بتويتر، غرَّد المستشار الأسري حامد الإدريسي، قائلاً: "إذا كنت تتحدث بالفرنسية وتكتب بالفرنسية وتحلم بالفرنسية وتحب بالفرنسية وتسب بالفرنسية، فاعلم أنك مستعمرة فرنسية لا ينقصها سوى الراية، أما جنسيتك المغربية فليست سوى جواز سفر".

فيما ربط حساب زينب آيت بولحسن على تويتر، بين الحملة ضد الفرنسة وجدل تشديد شروط منح التأشير الفرنسية للمغاربة، فكتبت: "اقتراح جيد، يجب فرض التأشيرة على الفرنسيين والإسبان وكل من يفرض تأشيرته علينا، وذلك أضعاف الإيمان من باب احترام الوطن والذات (...) خصوصاً أنهم مع البرد القارص وقلة الغاز سيزحفون على بلدان شمال إفريقيا".

حملة في منظار السياسة

ويرى مراقبون أن لهذه الحملة جانباً سياسياً، يطغى عليه فتور العلاقات الحاصل بين المغرب وفرنسا، والذي يشمل مستويات عدة من بينها التضييق في منح تأشيرات دخول التراب الفرنسي للمغاربة، والذي يثير امتعاضاً واسعاً في أوساط الرأي العام بالبلاد.

في هذا السياق، يعتبر الصحافي المغربي أسامة باجي، في حديثه لـTRT عربي، أن "هذه العريضة ليست موضوعاً جديداً وإنما هي نتيجة نقاش قديم يتجدد مع كل بروز لأي خلاف سياسي مع فرنسا، كما أن النقاش حول العريضة متجدد ومتكرر منذ الاستعمار إلى حدود الساعة، لكون اللغة الفرنسية ارتبطت عند المغاربة بالمستعمر الذي فرض سياسته اللغوية على المغرب لا بالثقافة أو العلوم".

ويضيف باجي موضحاً أن "السعي إلى إحداث قطيعة مع اللغة الفرنسية ليس توجهاً علمياً مرتبطاً بنفاد خزان اللغة الفرنسية مقابل الانفتاح على اللغات الحية، في مقدمتها الإنجليزية (...) بل هو قطيعة مع إرث كولونيالي ومخلفات الاستعمار الفرنسي في قطاعات عدة وأهمها التعليم".

TRT عربي