جيورجيا ميلوني مرشحة لرئاسة الوزراء في إيطاليا (Others)
تابعنا

تنفي جيورجيا ميلوني، التي يمكن أن تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا في الانتخابات المقبلة في وقت لاحق من هذا الشهر، صلات حزبها بالفاشية. لكن نظرة على تاريخها وقاعدة دعمها تشير إلى خلاف ذلك.

مع استمرار الحملة الانتخابية في إيطاليا على قدم وساق، انتشر فيديو بشكل واسع في منتصف شهر أغسطس/آب لجيورجيا ميلوني البالغة من العمر 45 عاماً ذات الملامح الناعمة والعيون الزرقاء المستديرة التُقط من قُرب بالكاميرا، وهي تُجري مقابلة مع قناة تليفزيونية فرنسية تحدثت فيها عن بينيتو موسوليني، ديكتاتور إيطاليا الذي برز في الفترة ما بين الحربين العالميتين.

قالت ميلوني بعد ذلك، وهي ناشطة في حزب "التحالف الوطني اليميني" في روما، المدينة التي نشأت فيها، للمراسل، إن موسوليني كان "سياسياً جيداً".

"إن كل ما فعله، قد فعله لأجل إيطاليا. لم يكن في الخمسين سنة الماضية سياسيون آخرون مثله"، قالت ذلك بلغة فرنسية غير كاملة، ولكن واضحة.

كان عام 1996، قُبيل الانتخابات المبكرة التي شهدت خوض حزب التحالف الوطني كجزء من ائتلاف إلى جانب حزب Forza بزعامة سيلفيو برلسكوني. كانت هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يدخل فيها حزب يعتبر أن له ارتباط مباشر بالتقليد الفاشي حلبة السياسة بما يشبه قطعاً واضحاً مع الماضي.

وُلد التحالف الوطني من تَفكُّك الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة (MSI)، وهو حزب تأسس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان من بين صفوفه أعضاء سابقون في الجمهورية الاجتماعية الإيطالية، وهي دولية تابعة للنازية تأسست في شمال إيطاليا خلال الاحتلال الألماني.

بعد حل التحالف الوطني أسّس بعض أبرز أعضائه، بمن في ذلك ميلوني، حزباً جديداً هو "إخوان إيطاليا"، الذين انفصلوا رسمياً عن الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، ولكن بالممارسة تَبنَّوا بعض خطاباته وممارساته العملية، بما في ذلك اللهب ثلاثي الألوان الذي استخدموه في شعاره والذي استعمله التحالف سابقاً.

في الوقت الحالي يتقارب حزب ميلوني "إخوان إيطاليا" في استطلاعات الرأي مع الحزب الديمقراطي الإيطالي (يسار الوسط)، مما يجعله أقوى حزب في ائتلاف يضمّ حزب ماتيو سالفيني، والرابطة، وForza إيطاليا بزعامة سيلفيو برلسكوني. وكلاهما يتخلف كثيراً عن إخوان إيطاليا، بحصته المتوقعة من 23 إلى 24 في المئة من الأصوات، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وتحتلّ الرابطة المرتبة الثالثة لكنها متأخرة بنحو 14 في المئة، وهو ما سيجعل ميلوني أول رئيسة للوزراء في إيطاليا في حال فوز الائتلاف اليميني.

عندما وصل رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي إلى السلطة العام الماضي بعد سقوط الحكومة، فيما كانت البلاد تتعامل مع التداعيات الاقتصادية للوباء، كان "إخوان إيطاليا" هو الحزب الوحيد الذي بقي في المعارضة، مما دفع الحزب إلى الصعود السريع من 4,3 في المئة من الأصوات التي حصل عليها الحزب في الانتخابات العامة الأخيرة في 2018.

ميلوني وهي تدلي بتصريحات أمام وسائل الإعلام (Others)

على عكس عدد لا بأس به من السياسيين الإيطاليين وأعضاء حزبها، تتحدث ميلوني عدة لغات، وكانت مصرَّة على الدفاع عن نفسها من الاتهامات بأن لحزبها علاقة بالفاشية، بالتعاطي مباشرة مع الصحافة الأجنبية.

قالت ميلوني في رسالة بالفيديو نشرتها بالفرنسية والإنجليزية والإسبانية في منتصف أغسطس/آب: "كنت أقرأ منذ أيام مقالات في الصحافة الدولية حول الانتخابات المقبلة التي ستمنح إيطاليا حكومة جديدة"، وأضافت: "إنهم يصفونني بأنني خطر على الديمقراطية وعلى الاستقرار الإيطالي والأوروبي والدولي"، وتابعت: "قرأت أن فوز إخوان إيطاليا في الانتخابات المقبلة سيشكّل منعطفاً سلطويّاً، ويؤدّي إلى خروج إيطاليا من اليورو، وما شابه ذلك من هراء"، مؤكدةً: "لقد ألقى اليمين الإيطالي الفاشية إلى مزبلة التاريخ منذ عقود".

البدايات

لطالما افتخرت مليوني، ابنة الشيوعي الغائب، ببداياتها المتواضعة.

ترك والدها، وهو محاسب، الأسرة عندما كانت تبلغ من العمر عامين فقط، ولم يعُد قط. في ذلك الوقت كانت تعيش مع أختها ووالدتهما في حيّ راقٍ في شمال روما. ولكن عندما تَسبَّب حريق أشعلته شمعة في فقدان الأسرة منزلها، انتقلوا إلى منطقة للطبقة العاملة في جنوب المدينة.

كتبت ميلوني في سيرتها الذاتية: "الحاجة المستمرة إلى الارتقاء إلى مستوى التحديّ، وتحقيق القبول في مجتمع ذكوري بشكل خاص، إلى جانب الخوف من خذلان أولئك الذين يؤمنون بي، ربما كانت كلها نتائج مباشرة من غياب حب والدي".

كان صعودها من ناشطة سياسية في جبهة الشباب (جناح الشباب في الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة) إلى البرلمان فلكيّاً، فقد دخلت البرلمان الإيطالي في أواخر العشرينيات من عمرها وأصبحت وزيرة للشباب في حكومة برلسكوني الرابعة بعد ذلك بعامين.

في عام 2020 انتُخبَت رئيسة للحزب الأوروبي المحافظ والإصلاحي في البرلمان الأوروبي، بعد أن نجحت في تقديم صورة "نظيفة" لحزبها والمحافظين الإيطاليين اليمينيين الذين تتوافق أفكارهم مع مارين لوبان الفرنسية، وحزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، وحزب فوكس الإسباني. في خطاباتها، احتشدت ضد الهجرة واعتنقت قيم اليمين المسيحي المحافظ في أوروبا، ودعم "الأسرة التقليدية" ورفض زواج المثليين والإجهاض.

قال كارلو روزا، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة ترينتو الذي كتب عن حقبة ما بعد الفاشية واليمين الإيطالي، لـTRT World: "كظاهرة تاريخية، انتهت الفاشية".

ولكن على اعتباره أنها "نظام للقيم"، فإن ذلك يعني كما يضيف "العودة إلى القومية، والوطنية، ومعاداة أوروبا، ولو خُفّفَت لأسباب استراتيجية". بناءً على ذلك، يتابع، فإن ميلوني تمثّل "القيم المستوحاة من الشعبوية، بما في ذلك الإقصاء الاجتماعي للأقليات العرقية والأقليات الأخرى".

متطرفون في صفوف الحزب

وقال كارلو روزا لـTRT World: "مشكلة ميلوني أن قيادة حزبها تشكلت من الفاشية، فهم ليسوا متعلمين، في حين إنهم متطرفون جدّاً".

على مر السنين أشارت وسائل الإعلام الإيطالية عدة مرات إلى كيفية انغماس عديد من الشخصيات الرئيسية في حزب "إخوان إيطاليا" في الحنين إلى الماضي الفاشي، إذ شاركوا في الأحداث التي تخلّد ذكرى الفاشية والرموز الفاشية علناً، على الرغم من حقيقة أن القانون الإيطالي يجرّم إحياء الفاشية وإعادة التنظيم على أسس الحزب الفاشي بأي شكل.

وجد فرانشيسكو أكوارولي، أحد الحكام المحليين، نفسه وسط عاصفة إعلامية في السنوات الأخيرة عندما شارك في مأدبة عشاء احتفلت بالمسيرة إلى روما، التي شكلت رسمياً بداية الحكم الفاشي. استخدم مرشح من منطقة كامبانيا الجنوبية شعار "me ne frego" (أنا لا أهتمّ) الذي استخدمته قوات موسوليني في الماضي، في إحدى ملصقات حملته الانتخابية عام 2020.

عضو مجلس البلدية ركض ذات مرة مع الحزب متظاهراً لالتقاط صورة أمام صورة لهتلر، وهو يرتدي زِيّ ضابط في قوات الأمن الخاصة. في الوقت الذي انتشرت فيه الصورة على نطاق واسع، نفى الحزب كونه عضواً فيه وقال إنه شارك فقط في إحدى قوائم الحزب في الانتخابات المحلية.

أشارت التحقيقات الصحفية أيضاً إلى الروابط بين حزب إخوان إيطاليا والحركات الفاشية الجديدة المزعومة مثل CasaPound، بما في ذلك الصداقة الشخصية بين ميلوني والزعيم السابق للحركة، الذي ذهب الآن لتشكيل حزبه وبات ينأىً بنفسه عن ميلوني لأغراض انتخابية. وفي عام 2019 أظهر تحقيق صلات بين جماعة ضغط من المتطرفين اليمينيين وحزب إخوان إيطاليا والرابطة.

يقول روزا: "ستجذب ميلوني الناخبين الذين سينسحبون من الرابطة مع سالفيني المرتبك، والذي غالباً ما غيَّر مواقفه ولم يعد يؤخذ على محمل الجِدّ، ولم يجد موقفه المؤيد لروسيا إجماعاً دائماً، كما أنها جنّدَت بعض السياسيين من فريق برلسكوني الذين يتطلعون إلى انتخابهم".

ويضيف: "ميلوني متحدثة جيدة، وأكثر تعليماً وأصغر سنّاً، وكذلك ستجذب ناخبين أكثر".

TRT عربي