تابعنا
تضمن البيان الختامي للاجتماع التشاوري الخاص بسوريا الاتفاق على أولوية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، وضرورة اتخاذ الإجراءات الفورية لتسهيلها.

استبقت دول عربية فاعلة "قمة جدة" المزمع عقدها في 14 مايو/أيار الجاري، بعقد الاجتماع التشاوري الأول في العاصمة الأردنية عمان حول سوريا، والذي ضم إلى جانب الأردن وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والعراق، وذلك في محاول لبلورة رؤية عربية موحدة وجديدة للتعامل مع الأزمة السورية، بعد تباين الآراء بخصوص عودة النظام السوري للجامعة العربية، إذ أبدت قطر والكويت والمغرب واليمن معارضة الفكرة، مع تحفظ مصري.

مخرجات الاجتماع التشاوري

تضمن البيان الختامي للاجتماع التشاوري الخاص بسوريا، الذي استضافه الأردن الاتفاق على أولوية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، وضرورة اتخاذ الإجراءات الفورية لتسهيلها، بالإضافة إلى التعاون بين سوريا والعراق والأردن على وقف التهريب عبر الحدود.

بالإضافة إلى ضرورة التنسيق بين هيئات الأمم المتحدة والحكومة السورية لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين للنظر في توفير مساهمات عربية ودولية لها، مع تحديد الإجراءات التي من شأنها تسهيل عودة اللاجئين ومن ضمنها شمولهم بمراسيم العفو.

وحسب البيان فقد اتفق المجتمعون على إيصال المساعدات الإنسانية والطبية التي تسهم في تلبية الاحتياجات الحياتية لكل من يحتاجها من الشعب السوري في جميع أماكن تواجده بالتنسيق مع الحكومة السورية وبما ينسجم مع القرارات الدولية ذات الصلة.

أهداف الدول العربية من اللقاء مع النظام السوري

أكد الباحث في العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سالم اليامي، أن "الهدف الكبير من الحوار العربي مع النظام السوري هو عدم ترك سوريا والنظام والدولة والمجتمع أمام التدخلات الإقليمية والدولية، لأن هذا يضر بالأمن القومي العربي"، وفق تعبيره.

ووفقاً لما قاله اليامي لـTRT عربي، فإن الدول العربية حريصة على "توفير حلول تساعد على بقاء سوريا موحدة، وتجنيبها شبح التقسيم".

وأضاف اليامي أن الدول العربية "يريدون إيجاد مسار مصالحة وطنية سوري والتأسيس لعملية سياسية جديدة بمشاركة شركاء متعددين، لتحقيق تناغم مع مسار جنيف الخاص بالحل السياسي في سوريا، الذي فشل سابقاً".

ورأى السياسي السوري عبيدة نحاس رئيس حركة التجديد الوطني أن الدول العربية يأملون باستعادة شيء من "التوازن في الوضع السوري، بدلاً من الاستسلام لنفوذ إيران الواسع".

وقال النحاس في حديثه مع TRT عربي أن عودة الدور العربي إلى سوريا "أمر مهم، بعد أن أدى الصراع بين المحورين الغربي والشرقي إلى استبعاد التأثير العربي".

مرونة من النظام السوري

توافقت الدول العربية الحاضرة في الاجتماع التشاوري مع النظام السوري على التعاون مع الدول المعنية والأمم المتحدة في بلورة استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتنظيماته، وإنهاء تواجد المنظمات الإرهابية في الأراضي السورية وتحييد قدرتها على تهديد الأمن الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التعاون مع الأردن والعراق بشكل خاص في تشكيل فريق عمل سياسي وأمني خلال شهر من تاريخ الاجتماع، لتحديد مصدر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها.

وأفاد المستشار السعودي السابق لوزارة الخارجية السابق سالم اليامي إلى أن "النظام السوري أبدى مؤخراً مرونة عالية تجاه التعاون مع الدول العربية على عكس المرات السابقة، التي كان يرفض فيها الاستجابة خاصة فما يتعلق بالقضايا التي تمس بقاءه ومصالحه المباشرة".

وبحسب اليامي توجد "استجابة من النظام السوري ورغبة بالتعاون في قضايا الأمن، ومكافحة تهريب المخدرات، وإخراج القوات غير الرسمية من سوريا، وتسهيل عودة اللاجئين وإخراج المعتقلين من السجون وإعلان عفو عام، ووقف التهديدات الأمنية من الأراضي السورية ضد الدول الأخرى".

هل نحن أمام مسار عربي للحل في سوريا؟

وقد أكد البيان الختامي للاجتماع التشاوري، أنه اللقاء الأول ضمن سلسلة لقاءات ستركز على إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل للأزمة السورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة السياسية والإنسانية.

واعتبر الأكاديمي عبد الرحمن الحاج أن لحدوث توافق عربي على مسار للحل في سوريا إمكانية، بل من الممكن أيضاً حدوث شبه إجماع على عودة النظام السوري إلى للجامعة العربية.

وفي حديثه مع TRT عربي، شكك الحاج بمدى استجابة النظام السوري لأي خارطة طريق عربية، معتقداً أنه غير مستعد لتنفيذ الالتزامات المترتبة عليه، وسيحاول الحصول على مكاسب من العرب دون خطوات حقيقية من طرفه.

وأضاف أن السبب "أن النظام يعتمد استراتيجية التمترس خلف المواقف وممانعة أي حلول سياسية، وأقصى ما قد يقدمه هو التعامل مع الملف السوري على أنه مسألة داخلية ويمكن حلها بعفو عام مقابل التزام الدول العربية حل مشكلة اللاجئين وتقديم أموال إعادة الإعمار".

من جهته رجح السياسي السوري عبيدة نحاس، أن يعمل النظام السوري على توظيف الدور العربي لصالحه، لذلك من الضروري أن يتعامل العرب مع الوطن السوري كلياً لضمان نجاح الجهود وتحقيق تقدم في مسار الحل، وكذلك يجب على السوريين البحث عن مخرج والوصول إلى حل سياسي مبني على القرار الأممي 2254.

كما غاب بعض الدول العربية الفاعلة عن الاجتماع التشاوري وأبرزها قطر، التي لا تزال رافضة إنهاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية قبل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وتعتبر أن تحرك الدول العربية الأخرى هو أمر سيادي يخصها.

التعاون العربي مع تركيا

أجرى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو بعد الاجتماع التشاوري، وبحث الجانبان الملف السوري، مما يشير إلى حرص الدول العربية على تنسيق خطواتها مع الجانب التركي.

وسبق أن أبدى السفير التركي في الأردن أردام أوزان، خلال لقائه مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني منتصف أبريل/نيسان الفائت، ترحيب تركيا بعودة سوريا إلى العمق العربي من خلال تفعيل عضويتها في الجامعة العربية، مما يؤكد أيضاً حرص تركيا على التعاطي بإيجابية مع الجهود الرامية إلى حل الأزمة السورية.

وعلى الرغم من الاتصال بين وزيري الخارجية الأردني والتركي، والتصريحات التركية الإيجابية، استبعد الباحث في شؤون الأمن والسياسات المقيم في أنقرة عمر أوزقيزيلجيك وجود تنسيق مسبق بين تركيا والدول العربية.

وأضاف أوزقيزيلجيك في حديثه لـTRT عربي: "المباحثات العربية مع النظام السوري، مختلفة تماماً عن المحادثات التي تنخرط فيها تركيا، من حيث الدوافع والأهداف، ومن غير المتوقع الدمج بين المسارين، بخاصة وأن المباحثات العربية لا تشارك فيها الدول كافة".

ومن الواضح أن الدول الإقليمية خصوصاً المجاورة لسوريا، تعمل بشكل حثيث لكسر حالة الجمود التي يعاني منها الملف السوري بعد تعطل مسارات الحل السياسي وتوقف اجتماعات اللجنة الدستورية منذ أغسطس/آب 2022 على خلفية التوتر بين روسيا والغرب بعد حرب أوكرانيا، إذ تعتبر الدول الإقليمية وخاصة الأردن وتركيا والسعودية الأكثر تأثراً من استمرار الوضع الراهن في سوريا، نظراً لتردي الوضع الأمني واستمرار الأزمة الإنسانية وعدم قدرة اللاجئين على العودة إلى بلادهم.

TRT عربي