إسرائيل في إفريقيا:  تغلغل لبسط نفوذ تل أبيب (Current Affairs)
تابعنا

أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخميس، عودة بلادها للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي عضواً مراقباً.

واستمرت مساعي تل أبيب الدبلوماسية لجَنْي صفة عضو مراقب نحو عقدين، فمنذ أعوام الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومع حلّ منظمة الوحدة الإفريقية عام 2002 واستبدال الاتحاد الإفريقي بها، لم يقبل الأخير بعضوية إسرائيل.

ولتل أبيب باع طويل في التغلغل لبسط نفوذها في العمق الإفريقي، الأمر الذي يجعل عودة إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الإفريقي غير مثيرة للدهشة، بل تطوراً طبيعياً لتحركات استراتيجية ونهج طويل المدى أتى أُكُلَه.

ويرجع مراقبون عودة إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي كجني ثمار نصف قرن من العمل الدؤوب لغرز جذور عميقة من سياسات تنموية واقتصادية عمدت إليها تل أبيب بُغية التمهيد لانتشار سياسي وحاضنة دبلوماسية في دول القارة السمراء.

جدير بالذكر أن الجذور القديمة لاهتمام مؤسسي دولة إسرائيل بإفريقيا ترجع إلى مقترحات "المؤتمرات الصهيونية" التي عُقدت منذ ما يزيد على 120 عاماً لتحديد موقع إقامة "وطن قومي لليهود"، وذلك قبل وقوع الاختيار على فلسطين. وكانت المقترحات تضَمّنت عديداً من الأراضي التابعة حالياً لدول إثيوبيا وأوغندا وكينيا والمغرب.

سياسات تنمويّة ونفوذ متزايد

يمكن تلخيص مقاربة تل أبيب بحق القارة الإفريقية عن طريق كلمات الرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين: "تنظر إسرائيل إلى إفريقيا على أنها المستقبل".

هكذا انتهجت إسرائيل سياسات تنموية بعيدة المدى، تهدف إلى زيادة نفوذها وتعظيم مكاسبها إقليمياً واقتصادياً.

وعلى عكس كثير من أنماط المعونات التنموية التي تُقدَّم لدول "العالم الثالث" عن طريق صرفها بشكل فوقي يقدَّم للقنوات الحكومية التي تتولى بدورها تنفيذ مشاريع تنموية وخدمية للشعب، فإن تل أبيب تعمد إلى اتباع نمط مغاير "من أسفل إلى أعلى"، لضمان تغلغل نفوذها بعمق يضمن ولاء الشعوب لا النخبة السياسية فقط.

وتسير مؤسسة رجال الأعمال الإسرائيلية التنومية ماشاف (MASHAV) على هذا النهج، إذ تهدف مع غيرها من المؤسسات الإسرائيلية إلى الانخراط في عديد من الأنشطة التنموية بالقارة السمراء، تتضمن جوانب تجارية واقتصادية وأكاديمية وتكنولوجية وثقافية، إضافة إلى مشاريع زراعية مشتركة ومساعدات طبية وبرامج التكوين المهني ومساعدات إنسانية.

ومنذ تأسيسها درّبت ماشاف أكثر من ربع مليون شخص في ما يزيد على 130 دولة. وتدير ماشاف وحدها سنوياً أكثر من 200 برنامج تدريب للمهنيين في الدول النامية.

ويقدّم هذا النمط ثماراً عديدةً على المدى الطويل، إذ يمهّد الطريق إلى ازدياد تدريجي لنفوذ تل أبيب بالدول النامية، وأهمها إفريقيا، ثانية أكبر القارات في العالم، التي يوليها صانعو القرار الإسرائيلي اهتماماً بالغاً، ويهدفون إلى ازدياد تغلغلهم السياسي والجيوبوليتيكي فيها.

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في زيارة لأديس أبابا (مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)

كسر العزلة الإقليمية وكسب "وعاء تصويت"

خلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم حظيت القضية الفلسطينية بمكانة مركزية وعلى شبه إجماع بين الدول الأفريقية، وبطبيعة الحال كانت مصر حينها -ذات النفوذ القوي داخل منظمة الوحدة الإفريقية (المسمى السابق للاتحاد الإفريقي)- في مقدمة الدول الداعية إلى هذا الموقف الإفريقي المشترك، إبان الحروب المتعاقبة التي تخللت الصراع العربي-الإسرائيلي، واتسمت بتحدٍّ إقليمي شرس بين القاهرة وتل أبيب.

وعلى أثر هذا الدعم الكاسح بين دول القارة السمراء، تملكت الكتلة السياسية العربية المساندة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى زخماً ودعماً تصويتياً منقطع النظير.

غير أن هذا الأمر لم يمضِ طويلاً، فبعد اتفاقية كامب ديفيد التي تلتها معاهدة السلام المصري-الإسرائيلي برعاية أمريكية، تسنّى لتل أبيب الالتفات نحو إفريقيا للتخلص من العزلة الإقليمية والحصول على تحالفات جديدة، يأتي من ورائها مكاسب استراتيجية واقتصادية ضخمة على شكل استثمار مستقبلي في المجالات كافة عبر التقنيات والفضاء الإلكتروني.

كما يحرّك تل أبيب نحو إفريقيا دافع استراتيجي هامّ هو السعي إلى زيادة مجالها الحيوي وضمانة أمنها الإقليمي، إذ تُعتبر إسرائيل جزيرةً وسط محيطٍ عربي شاسع، وهو ما يدفعها إلى الحضور بكثافة في دول القرن الإفريقي من خلال تدعيم العلاقات مع دول حوض النيل كإثيوبيا وأوغندا للتأثير في الأمن القومي العربي، وتشكيل ضغط في ملفّ حيوي بالغ الأهمية.

وتأتي أهمّ المكاسب المشتركة بين الدول الإفريقية وتل أبيب حول حجم الكتلة التصويتية للأولى في المنظمات الدولية. وفي هذا الصدد يقول الخبير في الشؤون الإفريقية أشرف بدر، إن إسرائيل تنظر إلى الدول الإفريقية "كوعاء تصويت داعمٍ لها في الأمم المتحدة، لأن حيادها أو التصويت لصالح إسرائيل يضمن لها في المقابل عقود تنمية اقتصادية".

على ما يبدو إذاً أن نفوذ إسرائيل داخل القارة السمراء آخذة في الازدياد، نظراً إلى تقزُّم الدور العربي في الساحة الإفريقية وعدم سعيها لمجابهة المشاريع الإسرائيلية الضخمة بإفريقيا.

TRT عربي