عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتايلاند (Others)
تابعنا

في ظل التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة مؤخراً، والتحديات المترتبة عليها، بدأ عديد من الدول نسج شبكة تحالفات جديدة أكثر انفتاحاً، واتجه البعض الآخر منها لحل نزاعات قديمة احتدمت بينها وبين بلدان أخرى.

وفي هذا السياق، يبدو أن قطار المصالحة السعودية، يمر في هذه المرة من تايلاند، بعد خلاف استمر عقوداً، بسبب أزمة سرقة الماسة الزرقاء. وعلى الرغم من أن جهود خفض حدة التوتر بين البلدين استمرت فترة طويلة، فإنها توجت في النهاية بإعلان البلدين عودة العلاقات الدبلوماسية المتجمدة بينهما بشكل كامل.

جاء هذا الإعلان عقب زيارة رئيس الوزراء التايلاندي، برايوت تشان أو تشا، العاصمة الرياض، يوم الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني الجاري، بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ويأمل البلدان عبر هذه المصالحة، في تطوير العلاقة بينهما بما يخدم مصلحة الجانبين ويعزز فرص التعاون المشترك بينهما، وفق ما أشارت إليه القنوات الرسمية.

ما قصة أزمة الماسة الزرقاء؟

لم تمض فترة طويلة منذ بدأ البلدان رسمياً، بناء العلاقات بينهما، عام 1957، حتى اشتعل فتيل أزمة شديدة غير متوقعة بينهما، عام 1989، أدت إلى قطع العلاقات بين البلدين، واستمرت القطيعة أكثر من ثلاثين عاماً.

ويعود أصل الخلاف بين البلدين إلى ما عُرف بقضية سرقة الماسة الزرقاء، إذ سرق عام 1989 بواب تايلاندي، يعمل في قصر الأمير فيصل بن فهد، نجل العاهل السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز، مجوهرات وأحجاراً كريمة بقيمة 20 مليون دولار، ثم هربها بعد ذلك إلى تايلاند.

أثارت الحادثة غضب السلطات السعودية، التي طالبت حكومة بانكوك، بالتحقيق في الأمر وإعادة المسروقات إليها.

وأوقفت المملكة في الأثناء، إصدار وتجديد التأشيرات لمئات الآلاف من العمال التايلانديين، كما أوقفت التصاريح لآلاف المسلمين التايلانديين الذين تقدموا بطلبات لأداء فريضة الحج، وحذرت مواطنيها من السفر إلى تايلاند.

وحققت آنذاك السلطات التايلاندية في القضية وألقت القبض على العامل التايلاندي، وأرجعت بعد ذلك المجوهرات إلى الرياض. لكن الأخيرة، ادّعت أن قسماً كبيراً من المجوهرات التي وصلت إليها مزيف، كما أنه لم يُعثر على القطعة الأغلى ثمناً، وهي ماسة زرقاء بوزن 50 قيراطاً وتعد نادرة جداً.

واتهمت السلطات السعودية آنذاك، بانكوك بالتلاعب بالتحقيق، والتغاضي عن تورط عناصر من أجهزة الأمن في إخفاء المجوهرات.

ووسط إصرار الرياض على استكمال التحقيق وإعادة الماسة الزرقاء، أرسلت عام 1990 ثلاثة دبلوماسيين إلى تايلاند، لمزيد من التقصي حول الموضوع، وأرسلت بعد ذلك رجل أعمال سعودي ليلتحق بالوفد المتابع للقضية.

ومما زاد سكب الزيت على النار، مقتل الدبلوماسيين الثلاثة ورجل الأعمال السعودي بالرصاص على الأراضي التايلاندية. واتُهم حينها 5 عناصر من جهاز الأمن بالتايلاندي بالضلوع في عمليات الاغتيال، وكان من بينهم آنذاك شرطي رفيع المستوى.

ودخلت بذلك العلاقة بين الرياض وبانكوك، منعرجاً زلقاً، فاقمت حدته إسقاط الملاحقات بحق العناصر المتورطين عام 2014 لعدم وجود أدلة، وإخلاء سبيل العامل التايلاندي عام 2016، الذي أصبح بعد ذلك راهباً.

من القطيعة إلى المصالحة

كان الفصل الأخير من الأزمة المتصاعدة بين الرياض وبانكوك، استدعاء البلدين السفراء والدبلوماسيين، ومنع السعودية مواطنيها السفر إلى تايلاند. وساد الجمود بذلك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعثرت كل جهود المصالحة والمفاوضات لحل الأزمة.

واستمر ذلك إلى يوم الثلاثاء، 25 يناير/كانون الثاني الجاري، حين استجاب رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أو تشا، لدعوة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقدم إلى العاصمة الرياض، حيث استقبل في الديوان الملكي بقصر اليمامة، وأجريت له مراسم استقبال رسمية.

وأكد أو تشا خلال لقائه ببن سلمان، بأن حكومته بذلت في الواقع جهوداً كبيرة لحل القضايا السابقة، وأنها على استعداد لرفع القضايا إلى الجهات المختصة في حال ظهور أدلة جديدة ذات صلة بذلك.

وأكد أيضاً على الالتزام بحماية أعضاء بعثة المملكة العربية السعودية لدى مملكة تايلاند، بما يتوافق مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

وحسبما جاء في البيان المشترك، عقب اللقاء الرسمي، فإن "الطرفين تباحثا حول أهم القضايا الدولية والإقليمية، وسبل تعزيز التعاون بينهما في جميع المجالات، بما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين".

كما اتفق الجانبان على "الخطوات المهمة التي من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية وتشمل: تعيين السفراء في عاصمتي البلدين في المستقبل القريب، وإنشاء آلية استشارية لتقوية التعاون الثنائي، إذ سيجرى تكثيف التواصل في الأشهر القادمة لمناقشة التعاون الثنائي في المجالات الاستراتيجية الرئيسية".

وأكد الطرفان على تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما خلال المرحلة القادمة، إذ إنه وفق ما أشارت إليه مصادر رسمية فإنه على الرغم من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وتايلاند أكثر من 7 ملايين دولار، خلال عام 2019.

TRT عربي