تابعنا
في حفل استثنائي بامتياز عادت جوائز الأوسكار من جديد رغم أجواء يطبعها الوباء، وكما وعد ستيفن سودربيرغ، المسؤول عن تنظيم الحدث، بحفل يُحاكي الفيلم السينمائي.

نُظّمت التظاهرة السينمائية الكبرى في العالم على شكل مزيج من برنامج تلفزيوني وعرض موسيقي وعمل سينمائي كباقي الأفلام، حيث تم ربط المقر الرئيسي في لوس أنجلوس بباريس ولندن وسيدني وغيرها.

وكان يتعين على المسؤولين عن جوائز الأوسكار الابتكار في فكرة الحفل، وهو ما تمكنوا من النجاح فيه إلى حدٍّ بعيد، لكن التحدّي الآخر هو الدفاع عن السينما ومستقبلها في ظل جائحة حوّلت دور السينما إلى مجرد ذكرى من زمن آخر، وجعل التظاهرة أكثر "ديمقراطية" وتنوعاً وأقل "أمريكية"، في ظل تصاعد الانتقادات في السنوات الأخيرة بالعنصرية وتهميش السود وغير ذلك.

دفعت سنة 2020 صناعة السينما إلى حافة الإفلاس، بسبب تضرر الاقتصاد العالمي بانتشار فيروس كورونا. وربما كان ذلك سبباً محفزاً لأعضاء الأكاديمية لمنح أهم الجوائز لفيلم يتناول الأزمة وبحث الناس عن سبل التغلّب على مصاعبها أو التعايش معها.

حصد فيلم Nomadland أو "أرض الرُّحّل" للمخرجة الصينية كلوي تشاو ثلاث جوائز في الدورة 93 من المهرجان: أفضل فيلم، وإخراج وممثلة. وحصل الفيلم على جميع الجوائز الممكنة منذ تقديمه في سبتمبر/أيلول الماضي في مهرجان البندقية السينمائي، أي أنه فاز بجائزة الأسد الذهبي. وحصد الفيلم جائزة أفضل إخراج (وهي المرة الثانية التي يفوز فيها فيلم بكل هذه الجوائز بعد كاترين بيجلو في عام 2010)، وأفضل ممثلة لفرانسيس ماك دورماند، وأفضل فيلم بطبيعة الحال. وفي أثناء تسلّمها الجائزة قالت فرانسيس ماك دورماند: "شاهد فيلمنا على أكبر شاشة ممكنة". وفازت الممثلة بالأوسكار الثانية لها في أربع سنوات كأفضل ممثلة. ومع جائزتها الثالثة، التي حصلت عليها بعد ستة ترشيحات في خمسة عقود، تضع الممثلة نفسها إلى جانب عظماء مثل كاثرين هيبورن وميري ستريب ودانييل داي لويس.

وأصبحت تشاو ثاني امرأة تفوز بجائزة الإخراج في ليلة حاولت فيها إدارة المهرجان تسليط الأضواء بشكل خاص على النساء والأمريكيين من أصل إفريقي. وصرّحت المخرجة، التي رافقها إلى الحفل بعض من ظهروا في فيلمها، أن "هذا العمل هو موجّه لمن لديه إيمان ويتمسك بالطيبة التي بداخله". وتُعد المخرجة تشاو أول آسيوية وغير قوقازية تحصد الجوائز في تلك الفئة. وبلغت نسبة النساء الفائزات 32%، ما يمثل زيادة صغيرة مقارنة بالسنوات السابقة.

وأراد المنتجون إضافة مفاجأة مع لمسة غير متوقعة. وبعد سنوات تأخير الإعلان عن أكبر جائزة في الحفل، أي جائزة أفضل فيلم، تمت في نسخة هذه السنة مخالفة كل التوقعات. ولأول مرة اختُتم الحفل بتسمية جائزة أفضل ممثل، وكان ذلك من نصيب أنتوني هوبكنز عن تأديته لدور رجل عجوز يعاني من الخرف في فيلم "الأب"، من إخراج الكاتب المسرحي الفرنسي فلوريان زيلر. ويُعد "الأب" أول فيلم روائي طويل لزيلر، وهو كاتب مسرحي متمرس حصل على جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو من مقر المهرجان في باريس، وهي جائزة شاركها مع كريستوفر هامبتون، كاتب السيناريو المخضرم الذي فاز أيضاً في عام 1988 عن فيلم "صداقات خطيرة"، الذي تسلم جائزته من المقر الرئيسي في لندن.

وفاز فيلم Netflix "والدة البلوز" بجوائز تصميم الملابس والماكياج وتصفيف الشعر، التي كان من بين الفائزين بها الإسباني سيرخيو لوبيث ريفيرا، مسؤول الماكياج الشخصي لفيولا ديفيس بطلة الفيلم. وتميّز حفل جوائز الأوسكار بوجود فائزين لاتينيين كالفنزويلية كارولينا سانتانا، والمكسيكي كارلوس كورتيس، وميشيل كوتولينك وجيمي باكش، بعد تتويج Sound of Metal أو "صوت المعدن" بجائزة أفضل مونتاج.

ووضعت لجنة تنظيم الحفل قواعد صارمة منها أنه يمكن للمرشحين إحضار مرافِق واحد فقط، وخضوعهم لثلاثة اختبارات للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، قبل السماح لهم بخلع القناع.

وشهد الحفل لحظات حزن وتأثّر بعد سرد توماس فينتربيرغ، الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي عن فيلمه "جولة أخرى"، لقصة ابنته الكبرى إيدا التي فارقت الحياة في حادث سيارة قبل أربعة أيام من بدء التصوير.

وحصد فيلم "عقيدة" (Tenet) جائزة أفضل مؤثرات بصرية، فيما فاز فيلم "مانك" (Mank) بجائزة أفضل تصميم إنتاج. وانتزع فيلم "روح" (Soul) جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، ليحقق سابقة بكونه أول فيلم ينال هذه الجائزة حتى قبل عرضه في دور السينما الأمريكية. إلى ذلك فاز دانييل كالويا بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم "يهوذا والمسيح الأسود" (Judas and the Black Messiah)، وحصلت أغنية الفيلم ذاته "قاتل لأجلك" على جائزة أفضل أغنية أصلية. وفي سابقة من نوعها إميرالدا فينيل أول امرأة تفوز بجائزة أفضل سيناريو أصيل عن فيلم "امرأة شابة واعدة" (Promising Young Woman).

فاز فيلم "عقيدة" (Tenet) بجائزة أفضل مؤثرات بصرية (Others)

ووعد المنظمون بمفاجآت ومشاهد بصرية لم يسبق لها مثيل من إبداع المخرج ستيفن سودربيرغ. ونُظّم الحفل في "محطة الاتحاد"، وهي آخر محطة قطار رئيسية تم بناؤها في الولايات المتحدة، حيث شهدت تصوير أكثر من 150 فيلماً، بما في ذلك أعمال سينمائية مثل "بلاند رونر" و"باتمان" للمخرج كريستوفر نولان.

وسعى المنظمون لأن يشكّل دعماً لقطاع السينما. وفي عام 2020 لم تتجاوز مداخيل شباك التذاكر في العالم 12 مليار دولار، بانخفاض قدره 72% بسبب تداعيات إغلاق دور العرض. في الوقت نفسه نما سوق البث المباشر بنسبة 33% في الولايات المتحدة، و30% في بقية العالم. وزاد عدد المشتركين في هذه الخدمات عبر الإنترنت بنسبة 26% في عام 2020 في جميع أنحاء العالم، متخطين المليار شخص لأول مرة على منصات مثل Netflix، والتي تصدّرت الترشيحات هذا العام بـ36 عملاً. وفاز هذا العملاق التابع لهوليوود بسبع جوائز مختلفة.

ورغم عدم فوز أي فيلم عربي، فإن الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره" كان ضمن الأفلام المرشحة بقوة للفوز بجائزة أفضل فيلم أجنبي. ويعد الفيلم أول عمل سينمائي تونسي يصل إلى مرحلة التصفيات النهائية لجوائز الأوسكار، ويروي الفيلم قصة لاجئ سوري يبيع ظهره لتحويله إلى عمل فنّي حيّ، بهدف الهجرة إلى القارة العجوز. وبدأ عرض الفيلم قبل أسابيع في تونس. ويُعد الفيلم العمل السينمائي الثالث من صنف الأفلام الروائية الطويلة للمخرجة التونسية كوثر بن هنية.

الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره" كان ضمن الأفلام المرشحة بقوة للفوز بجائزة أفضل فيلم أجنبي (Others)

أما الفيلم العربي الثاني الذي كان مرشحاً بقوة فهو "الهدية" للمخرجة الفلسطينية فرح نابلسي، الذي تمّ ترشيحه، ضمن خمسة أفلام أخرى، للمنافسة على جائزة أوسكار لأفضل فيلم قصير.

وكانت الأنظار متجهة أيضاً صوب فيلم "كو فاديس، عايدة؟" (إلى أين أنتِ ذاهبة يا عايدة؟) للمخرجة ياسميلا زبانيك، الذي كان مرشحاً للفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي. وينقل الفيلم البوسني قصة الناجين من الإبادة الجماعية في مذبحة "سريبرينيتشا" التي استهدفت 8000 مسلم، معظمهم من المدنيين، على يد القوات الصربية البوسنية.

TRT عربي