تتواصل الاحتجاجات في لبنان ليومها السابع على التوالي وسط مطالبات مستمرة باستقالة الحكومة والبرلمان (AFP)
تابعنا

مع دخول الاحتجاجات الشعبيَّة في لبنان أسبوعها الثاني، يستمر المتظاهرون على التمسُّك بمطلب رحيل الطبقة السياسيّة الحاكمة بأكملها، رغم رزمة الإصلاحات التي أقرّتها الحكومة، إذ اتخذت برئاسة سعد الحريري سلسلة إجراءات إصلاحيّة، عبر إقرارها موازنة عام 2020 مع عجز نسبته 0.6% وإجراءات من خارجها، لا تتضمّن فرض أيّ ضرائب جديدة.

ولم تغير الورقة الاقتصادية التي طرحها الحريري إصرار الشارع على رحيل الحكومة وإسقاط النظام، ولم يغيّره دعم رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري لها، وهو ذاته الذي قال إن "العبرة تبقى بتنفيذها".

الظرف الراهن مُواتٍ جدّاً لقيام الدولة المدنية وقانون انتخابات نيابية يعتمد لبنانَ دائرةً واحدة على قاعدة النسبية

نبيه بري - رئيس البرلمان اللبناني

ولا يزال الرئيس اللبناني ميشال عون "متمسكاً بالحكومة الحالية، ولن يفرّط فيها، رافضاً نصائح سياسية وكنسية بهذا المجال، ومكتفياً بالانفتاح على إمكانية بحث التعديل الوزاري لتنفيس الشارع"، حسب وسائل إعلام لبنانية.

وأكدت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر، لصحيفة نداء الوطن، أنّ "فكرة التعديل الوزاري لم تنضج بعد بانتظار جلاء المشهد في الساعات المقبلة كي يُبنى على الشيء مقتضاه".

وفي تصعيد ميداني جديد، دعا ناشطون جموع اللّبنانيين إلى المشاركة في الإضراب العامّ والنزول إلى الشوارع، للضغط على رموز السلطة السياسيّة، حسب وكالة الأناضول.

وأعلنت غرفة التحكم المروري الأربعاء، أنّ عديداً من الطرق في لبنان مقطوعة، لا سيّما في مدينة طرابلس، ومنطقة جونية شمال غرب العاصمة بيروت، إضافة إلى مدخل الجنوب ووسط بيروت، بالإضافة إلى عدد آخر من الطرق.

وأفاد مراسل TRT عربي بأن المتظاهرين انتشروا في جميع أنحاء لبنان، وشهدت المظاهرات صدامات بين بعض المحسوبين على جهات حزبية والمعتصمين، مما أوقع إصابات في صفوف المعتصمين.

سيناريوهات مرفوضة

تُطرح في الوقت الراهن ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة في لبنان وامتصاص غضب الشارع، أولها يقوم على إجراء تعديل وزاري يُدخِل وجوهاً جديدة ويستبعد أخرى قديمة، بتغيير 10 وزراء، فيما يتمثَّل السيناريو الثاني في استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط، وهو ما جُمّد بعدما رفضه بعض الأطراف.

وتأتي استقالة حكومة الحريري وتشكيل حكومة مصغرة من 14 إلى 16 وزيراً، على أن تضمّ أبرز الأحزاب وتمثّلها وجوه غير مستفِزّة للمحتجين، كسيناريو ثالث تفاعل معه كثيرون في لبنان، ولقي قبولاً كبيراً في البداية، إلا أن اعتراض تيار سياسي داخل الحكومة رفض الاستعاضة عن أحد وجوهه البارزة بشخصية أخرى، أدى إلى استبعاده.

وكشفت مصادر في الحراك الشعبي لجريدة البناء اللبنانية عن "سباق بين مشروعين داخل الحراك، الأول يريده شعبيّاً تقشُّفيّاً يقوم تمويله على مقدّرات المشاركين ويوظّف الوجود في الساحات للنقاشات والاستماع إلى الخبراء حول القضايا المالية والقانونية، ومشروع آخر للاعتماد على تمويل خارجي مجهول المصادر في أغلبه على شكل تجهيزات ووجبات وفرق فنية، ويريد ملء الوقت بالترفيه الاحتفالي، معتبراً ذلك جاذباً للمشاركين".

ويبدو أن المشهد في لبنان ما زال مُحبِطاً وسط عدم إمكانية تنفيذ أحد السيناريوهات، إذ أبدى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في كلمةٍ له في مستهلّ الاجتماع الاستثنائي لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، أسفه لما يحصل في البلاد، حسب وسائل إعلام لبنانية.

وقال إن "الناس لم يعُد لديهم ثقة بالمسؤولين السياسيّين، ونحن لا نستطيع أنّ نخيب آمالهم، واليوم نجتمع لمخاطبتهم، وسوف نتدارس الأفكار معاً من خلال ورقة عمل وضعناها خلال اليومين الماضيين".

وحسب صحيفة نداء الوطن اللبنانية، فقد عُلم أن "التيار الوطني الحر" يتجه إلى وضع خطة دفاعية تعتمد أسلوب الهجوم للردّ على منتقدي العهد، وبرزت معطيات تفيد بـ"التحضير لشارع مضادّ دفاعاً عن العهد في مواجهة التحركات الشعبية الاحتجاجية، وسط أنباء تتحدث عن تشكيل خلية أزمة لبحث سبل مواجهة الحراك المدني والثورة الشعبية، قوامها الوزراء جبران باسيل وسليم جريصاتي وإلياس بو صعب".

وقالت الصحيفة الأربعاء: "لا يخلو الحديث في المناطق الشيعية من الخلاف بين حركة أمل وحزب الله جرَّاء تبادل الاتهامات باستغلال كلا الطرفين الحراك ليضرب الآخر.

وعلّقت أوساط مطلعة على تنصُّل حزب الله من حركة الدراجات النارية، بأن وضعت موقف الحزب بين احتمالين، إما أنه أراد إيصال رسالة جَسّ نبض فأتاه الرد سريعاً من الجيش، وإما أنه فقد السيطرة على بعض أنصاره، حسب الصحيفة.

وتواصل الحكومة اللبنانية مشاوراتها لحل الأزمة، إذ اجتمع رئيس الحكومة الأربعاء، في منزله ببيروت مع رئيس البنك المركزي اللبناني رياض سلامة، وبحثا الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة، حسب وكالة الأناضول.

الجيش بين السلمية والاشتباك

يحاول الجيش اللبناني احتواء الموقف، إذ توجّهت قوّة منه إلى الطريق الدولي الرابط بين عدة مدن لبنانية، في محاولة للتفاوض مع المحتجين لفتح الطريق، دون جدوى.

وقال الجيش اللبناني إنه يقف بجانب المتظاهرين في "مطالبهم المحقَّة"، مشدِّداً على التزامه حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين، ومحذّراً في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر الأربعاء، من استغلال المتظاهرين "للقيام بأعمال شغب".

وتَوجَّه إلى المتظاهرين قائلاً: "نفتح الطرق لأجلكم ولأجل تسهيل وصول الحاجات الأساسية للمواطنين من مواد طبيّة ومواد غذائيّة ومحروقات وغيرها، وجنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرُّككم السلمي، وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم".

هذه الإجراءات لم تحُلْ دون اندلاع اشتباكات بين الجيش اللبناني ومحتجين، إثر محاولة فتح طرق مقطوعة في عدد من المناطق بالعاصمة بيروت وصيدا جنوبي البلاد، وفق وسائل إعلام محلية، قالت إن الجيش استخدم القوّة لفتح الطرق المقطوعة في عدد من المناطق اللبنانيّة، بينها منطقة نهر الكلب وذوق مصبح وجلّ الديب شمال بيروت.

حالة غضب عارمة سادت بين صفوف المحتجّين، خصوصاً بعد أن طلب الجيش من وسائل الإعلام وقف البث المباشر وعدم تصوير الاشتباكات مع المتظاهرين في نهر الكلب

الوكالة الوطنيّة للإعلام

من جانبه وجّه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في تغريدة له على تويتر "تحية لوزيرة الداخلية ريا الحسن على موقفها المشرِّف"، مضيفاً: "الخزي والعار لمن حاول إقحام الجيش في قمع المتظاهرين. والتحية الأكبر للجيش اللبناني".

في المقابل أكّد الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان له، أنه مع حرية الرأي والتعبير بكل أشكاله الديمقراطية.

وقال الحزب في بيان له، إنه أعطى تعليماته لكل المسؤولين الحزبيين، بالعمل على الأرض، لمنع التعرُّض لأي من المتظاهرين أو التجمعات.

TRT عربي - وكالات