هل قلبت "باتريوت" الطاولة على القوة الصاروخية الروسية؟ (Others)
تابعنا

اشتعلت سماء العاصمة الأوكرانية كييف بالنيران، ليلة الاثنين/ الثلاثاء، جراء هجوم صاروخي شنته روسيا، وُصف بأنه "الأكثر عنفاً وتعقيداً" منذ بداية الحرب. استُخدمت فيه أنواع متعددة من الذخيرة، أُطلقت من منصات ثابتة وطائرات حربية.

وأفادت السلطة العسكرية في كييف، في بيان على تليغرام، بأن الهجوم نُفّذ بثمانية عشر صاروخاً، وكان "معقداً واستثنائياً" في كثافته، إذ أُطلق خلاله عدد كبير من الصواريخ في فترة قصيرة جداً، ومن اتجاهات مختلفة. ويُعتقد أن الهجوم استعان بطائرات دون طيار انتحارية وصواريخ كروز وصواريخ باليستية وصواريخ "كينجال" الفرط الصوتية، حسبما أوردت السلطات.

نتيجةً، لم يحقق هذا الهجوم الدمار المعادل لقوته وكثافته، إذ نجحت الدفاعات الجوية الأوكرانية في التصدي لمعظم تلك الصواريخ والمسيرات. وغرَّد وزير الدفاع الأوكراني أولكسي ريزنيكوف، محتفياً: "إنجاز رائع آخر لسلاح الجو الأوكراني الليلة الماضية! أسقط المدافعون عن سمائنا ستة صواريخ روسية فرط صوتية من طراز كينجال و12 صاروخاً آخر".

بالمقابل، يأتي هذا الإنجاز العسكري بعد شهر تقريباً من تسريبات البنتاغون، التي تحدثت عن عجز كبير في الدفاعات الجوية الأوكرانية. كما أن هذه كانت من المرات الأولى التي يستخدم فيها الأوكرانيون منظومة الباتريوت، الممنوحة لهم مساعدات من طرف الولايات المتحدة. فيما هذَان المعطيان، يدفعان عدة مراقبين للتساؤل، حول مدى نجاح كييف في قلب الطاولة على القوة الصاروخية الروسية.

الباتريوت يسقط كينجال!

وافقت الولايات المتحدة، شهر ديسمبر/كانون الثاني، على منح أوكرانيا منظومة الدفاع الجوي باتريوت، ذلك في إطار الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لقوات كييف. ذلك عقب زيارة أجراها الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي لبلاد العم سام، إذ التقى خلالها عدة مسؤولين، بمن فيهم الرئيس جو بايدن.

وتعد منظومة "باتريوت" الأمريكية أحد أنظمة الدفاع الجوي أرض-جو الأكثر تطوراً في العالم، والأكثر استخداماً، خاصة من الجيش الأمريكي وقوات البلدان الحليفة له. إذ يمكنه اكتشاف وإسقاط الصواريخ والطائرات المعادية على ارتفاعات كبيرة، ويوفر حماية شاملة للمدنيين والجيوش على الأرض.

وكانت أول مرة تستخدم فيها كييف هذه المنظومة الأمريكية في 6 مايو/ أيار الجاري، ونجحت بفضلها في إسقاط صاروخ "كينجال" الروسي فرط الصوتي، والذي يعتبر أيقونة قوة موسكو الصاروخية، حسبما كشفه المسؤولون العسكريون الأوكرانيون.

وقال قائد القوات الجوية الأوكرانية ميكولا أوليشوك، وقتها، عبر تليغرام: "نعم، اعترضنا صاروخ كينجال منقطع النظير"، مضيفاً كلمة "باتريوت" وشارة العلم الأوكراني.

فيما ثاني مرة يصعد فيها اسم "باتريوت" مقروناً بـ"كينجال"، على ساحة الحدث الأوكراني، كانت هجوم ليلة الاثنين/الثلاثاء. إذ أعلنت كييف أنها أسقطت 6 من تلك الصواريخ الروسية المتطورة.

بالإضافة إلى باتريوت

بالإضافة إلى باتريوت، استلمت أوكرانيا عدداً من أنظمة الدفاع الجوي الأخرى، تتراوح بين متوسطة وقصيرة المدى، من الحلفاء في الناتو. من بينها منظومة الدفاع الألمانية المتطورة "IRIS-T"، والأقل تطوراً كمنظومات "MIM-23 Hawk" الأمريكية متوسطة المدى، ناهيك بصواريخ "NASAMS" النرويجية-الأمريكية.

وحسب تقرير أخير لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS)، مقره واشنطن، بأن "نظام IRIS-T نجح في 90% من عمليات الاشتباك" التي نفذها. وأضاف التقرير، نقلاً عن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن منظومة "NASAMS" حققت نجاحاً "بنسبة 100% من الاشتباكات" التي استخدمت فيها.

علاوة على هذا، تملك أوكرانيا أنظمة دفاع جوي ورثتها عن الحقبة السوفيتية، وفي معظمها أنظمة دفاع صاروخي أرض-جو من طراز S-300. إذ لديها نحو 250 منظومة من هذا الطراز، وهو ما يمثل أكثر من 89% من مجهود الدفاع الجوي الأوكراني. وحسب تقرير مركز الدراسات، نجحت الـ "S-300" بنسبة 80% في ضرب صواريخ كروز الروسية.

هل تفوقت كييف على القوة الصاروخية الروسية؟

يرى مراقبون أن نتائج الهجوم الصاروخي الروسي الأخير، أحد المؤشرات على التطور الكبير الذي شهدته الدفاعات الجوية الأوكرانية، مقارنة بما كانت عليه في السابق خلال العام الأول من الحرب. فيما مؤشر ثانٍ على هذا، يورد تقرير لـ "CNN"، وضع موسكو منظومات الدفاع هذه على رأس أهداف هجماتها الصاروخية.

وفي هذا الصدد، كانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن "صاروخ كينجال نجح في إصابة منظومة باتريوت بدقة عالية" خلال هجوم كييف الليلي. وأكدت واشنطن خبر إصابة منظومة الدفاع الجوي، مشيرة إلى أن مهندسيها العسكريين يساعدون الأوكرانيين على إصلاح تلك الأعطاب.

ونفت موسكو، على لسان وزير دفاعها سيرجي شويغو، مزاعم الجانب الأوكراني بإسقاط ستة صواريخ "كينجال". وقال شويغو إن القوات الجوية الروسية أطلقت فقط صاروخَين من نوع "كينجال" خلال الهجوم الصاروخي الأخير، الذي استخدمت فيه صواريخ كروز أخرى من نوع "كاليبر" وطائرات مسيرة انتحارية.

ويُجمع المحللون على تعذّر التحقق من صحة المزاعم الأوكرانية، كما يصعب التحقق من أن الصاروخ الذي أسقطته "باتريوت" كان يحلّق بسرعة فرط صوتية. هذا ويعود تطوير منظومة "باتريوت" إلى ما قبل تطوير الصواريخ فرط الصوتية، وهو ما يجعله متأخرا من حيث التكنولوجيا بالنظر إلى تقدم "كينجال".

بالمقابل، يرجح موقع "Air et Cosmos"، المتخصص في العتاد العسكري الجوي، بأن أوكرانيا قد تسلمت أحد النسخ الأكثر تطوراً من منظومة "باتريوت"، النسخة "Patriot PAC-3 CRI"، التي تعتمد على رادارات فعالة جد متطورة وعلى خاصية "الضرب من أجل التدمير"، ما يجعل صواريخها في غاية الدقة والقوة إذ ترصد مناطق ضعف في الصواريخ المعادية وتضربها.

هذا بالإضافة إلى المرونة الكبيرة والقدرة على المناورة لصواريخ هذه النسخة من الباتريوت، ما يدفع الموقع إلى عدم استبعاد قدرتها على ضرب وإسقاط صواريخ "كينجال".

ومع هذه الكفاءة التي أصبحت تتميز بها الدفاعات الأوكرانية، فإنها تواجه عقبة كبيرة، هي خطر استنزاف الذخيرة. وهو ما أشار إليه تقرير "CSIS"، بالقول إنه "مع بقاء عدد محدود من الصواريخ أرض-جو، سيحتاج الأوكرانيون إلى الاحتفاظ بها للأهداف ذات الأولوية القصوى".

وهو ما كشفته تسريبات البنتاغون قبل أكثر من شهر، عندما حذّرت من أن مخزونات ذخيرة الدفاعات الجوية الأوكرانية، ومنظومة "S-300" على وجه التحديد، قاربت على النفاد. بل وحددت إطاراً زمنياً لنفادها، بين منتصف أبريل/نيسان الجاري و2 مايو/أيار القادم، في حال لم يجرِ تعويض نقصها.

TRT عربي