لقاء يجمع المستشار الألماني أولاف شولتز بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، الصين في 4 نوفمبر 2022 / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

وأعلن شولتز في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إجراءه زيارة برفقة وفد اقتصادي رفيع المستوى للصين في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي تبريره لهذه الخطوة، دافع شولتز عن "حرية التجارة مع الجميع"، وسط حرب تشنها روسيا على أوكرانيا منذ فبراير/شباط، طالت تبعاتها أغلب دول العالم وأثّرت في قطاعَي الطاقة والأمن الغذائي.

وسيصبح شولتز أول مسؤول أوروبي يزور البلد الآسيوي منذ عام 2019. ودافع عن قراره بالقول إنه "كان مخططاً لها منذ فترة طويلة"، وإنها "زيارة تسبق مشاورات حكومية صينية-ألمانية".

خطوات متسارعة

بثقة عالية، طالب شولتز في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في خطاب يلخّص أجندة حكومته "ببناء سياسة جديدة تجاه الصين"، واعداً بمتابعة "المصالح الألمانية والأوروبية".

ومع ذلك، يُظهر شولتز قليلاً جدّاً من هذه الواقعية والثقة بالنفس في زيارته الافتتاحية لبكين للقاء الزعيم الصيني شي جين بينغ، وفق ما تقوله مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

وفي 26 أكتوبر استسلم شولتز لضغوط بكين ووافق على مشاركة مجموعة صينية في تشغيل منفذ بميناء هامبورغ.

لكن الحكومة الألمانية حددت قيمة المشاركة بحجة حماية "الأمن والنظام العام"، بعد أن أثار الاستحواذ الصيني كثيراً من الجدل.

وقالت وزارة الاقتصاد في بيان إن مجموعة كوسكو الصينية ستتمكن فقط من الحصول على حصة "تقلّ عن 25%" في هذا المنفذ بدلاً من 35% كانت الشركة ترغب بها "مما يحول دون الاستحواذ على حصة استراتيجية".

وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن شولتز أثار غضب ست وزارات بما فيها الاقتصاد والداخلية والدفاع، التي عارضت مشروع ميناء هامبورغ الأخير.

وقالت وزارة الاقتصاد إن أي محاولة من جانب العملاق الصيني لزيادة حصته إلى ما يزيد على 25% ستخضع لمراجعة حكومية.

وهامبورغ أهمّ ميناء تجاري في ألمانيا والثالث في أوروبا بعد روتردام الهولندي وأنتويرب البلجيكي. وكوسكو أكبر شركة مالكة للسفن التجارية في الصين.

وجادل مؤيدو المشروع بأن شركات صينية تملك حصصاً في موانٍ أوروبية أخرى وأن هامبورغ قد يخسر ميزة تنافسية، حسب DW.

وأوضحت فورين بوليسي خلال تحليل نشرته في 31 أكتوبر أن "تحولاً جذرياً جارٍ في ألمانيا، يخالف نهج المستشارة السابقة أنغيلا ميركل في المراهنة على علاقات اقتصادية أوثق مع بكين".

وأدى الفشل الذريع لسياسة ألمانيا تجاه روسيا إلى تسريع هذا التحول، حسب تقدير المجلة. وتتابع: "الآن في جميع أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط الرئيسية إجماع ناشئ على أن ألمانيا بحاجة إلى تقليل اعتمادها على الصين".

إلى جانب الخطوات الجديدة، تُعَدّ الصين أهمّ وأكبر شريك تجاري لألمانيا في عام 2021 للعام السادس على التوالي.

وفقاً لأرقام المكتب الألماني الفيدرالي للإحصاء (Destatis)، جرى تداول سلع بقيمة 245.4 مليار يورو بين البلدين. وارتفع حجم التبادل التجاري مع الصين بنسبة 15.1% في عام 2020.

ولن يكتفي شولتز بزيارة الصين، بل سيصطحب معه ممثلين عن مجموعة كبيرة من الشركات الألمانية الشغوفة بإنجاز مزيد من الأعمال هناك، منها على سبيل المثال شركات فولكس فاغن، وبي إم دبليو، ودويتشه بنك، وسيمنز، وبيونتك، وغيرها، حسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية.

وفي تناقض غير مفهوم، حذر شولتز هذا العام، الشركات الألمانية من "وضع كل البيض في سلة واحدة"، مشدّداً على الحاجة إلى التنويع بعيداً عن الصين.

كما دفع شولتز التنويع الاقتصادي والسياسي من خلال اختيار زيارة اليابان قبل زيارته الأولى للصين بوقت طويل، وتوسيع العلاقات مع الهند وكذلك الذهاب إلى فيتنام وسنغافورة في نوفمبر بعد فترة وجيزة من رحلته إلى بكين.

لكن المستشار يبدو أنه يتجنب سحب الدعم السياسي للشركات التي اختارت تعميق اعتمادها على السوق الصينية، وإلا لما دعا الرؤساء التنفيذيين للشركات العملاقة إلى مصاحبته، وفق فورين بوليسي.

اعتراضات وخلافات

وأردفت المجلة الأمريكية بالقول إنه يبدو أن شولتز يواصل نهج ميركل "الأعمال أولاً" في الصين. لكن في المقابل، يرى كثير من دول أوروبا أن هذا هو "ألمانيا أولاً".

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يرغب في الحصول على شريحة أكبر من كعكة الصين للشركات الفرنسية، أن المستشار الألماني رفض عرضه إجراء لقاء ثلاثي مع شي جين بينغ.

والتقى شولتز مع شي لفترة وجيزة مرة واحدة فقط على هامش اجتماع لمجموعة العشرين استضافه رئيساً لبلدية هامبورغ في ذلك الوقت عام 2017.

ومن المفهوم أنه يريد الذهاب في رحلة فردية أولاً لبناء علاقة شخصية مع شي، لكن كان من الخطأ الكبير من شولتز اصطحاب وفد من رجال الأعمال بدلاً من مجرد جعل هذه رحلة سياسية بحتة، حسب فورين بوليسي.

وخلال أكتوبر ناشد رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته ماريو دراجي الزعماء الأوروبيين: "يجب أن لا نكرّر حقيقة أننا كنا غير مبالين ومتسامحين وسطحيين في علاقاتنا مع روسيا".

وأضاف في تلميح إلى شولتز: "تلك التي تبدو كعلاقات تجارية، هي جزء من الاتجاه العامّ للنظام الصيني، لذا يجب معاملتها على هذا النحو".

في السياق ذاته دعت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين الاتحاد الأوروبي للعمل مع جميع الديمقراطيات ضد صعود الصين، مشددة على أنه "ينبغي أن لا نبني هذا النوع من التبعيات الاستراتيجية والحرجة على الدول الاستبدادية".

وأكدت القمة الأوروبية الأخيرة في 21 أكتوبر ضرورة تقليل الارتهان الاقتصادي الأوروبي للصين، لما قد يخلقه من تهديدات استراتيجية محتمَلة للاتحاد.

مخالفة لتوجهات أمريكا

وتخالف التوجهات الألمانية، الاستراتيجية الأمريكية للدفاع الوطني التي جرى تحديثها أواخر أكتوبر، وحددت المخاطر الرئيسية على أمن البلاد.

وتدعو الاستراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة لتعزيز جهود الردع" تجاه الصين، التي تعتبرها واشنطن "التحدي الرئيسي" للولايات المتحدة. ولطالما دعا البيت الأبيض الشركاء الأوروبيين للتعاون من أجل "التغلب على بكين والتصدي لها".

داخليّاً، يهاجم سياسيون ألمان شولتز قائلين إنه "لم يتعلَّم من درس ميركل"، في إشارة إلى دعوتها للتطبيع مع روسيا وسياساتها التي كرست "ارتهان" ألمانيا الطاقي لموسكو.

فعديد من حلفاء ألمانيا وعدد غير قليل من السياسيين الألمان -حتى في الائتلاف الحاكم الذي ينتمي إليه شولتز- لا يريدون منه أن يزور الصين على الإطلاق.

ويدعو زعيم المعارضة في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريك ميرز، إلى أخذ تحذيرات أجهزة المخابرات الألمانية بشأن مخاطر الاعتماد على الصين على محمل الجد.

ويمكن العثور على أقوى الأصوات المعارضة لهذه الخطوة لدى شريكَي شولتز في الائتلاف: الحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب الخضر.

ويطالب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الحر يوهانس فوغل "بوضع علامة توقف واضحة (في العلاقة مع) الصين".

وقالت وزيرة الخارجية أنالينا بربوك من حزب الخضر لقادة الأعمال إن ألمانيا لم تعد قادرة على التصرف على أساس شعار "العمل أولاً" دون الأخذ في الاعتبار "المخاطر طويلة المدى والتبعيات".

وعلى نفس المنوال، تحدث نائب المستشار روبرت هابيك من حزب الخضر عن أهمية "انتهاء السذاجة" في تعاملات ألمانيا مع بكين.

وخلص الرئيس المشارك للحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينجبيل إلى أن "ألمانيا بحاجة إلى تقليل اعتمادها بشكل كبير على الدول الاستبدادية"، بما في ذلك الصين.

وانضمّ إلى تلك القائمة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي عمل وزيراً للخارجية سابقاً. وقال من كييف: "نحن بحاجة إلى تقليل التبعيات أحادية الجانب، بخاصة في ما يتعلق بالصين".

ويشارك كثير في مجتمع الأعمال هذا الرأي ولا سيما اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) وعديد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تواجه منافسة "غير عادلة" بشكل متزايد في السوق الصينية.

ونتيجة لإصرار المستشار الألماني رغم الانتقادات الموجهة له، تقول فورين بوليسي: "سيسعى شي وجهاز الدعاية الصينية إلى التحقيق في نقاط ضعف شولتز ومحاولة دقّ إسفين بينه وبين وشركائه الأوروبيين وكذلك الولايات المتحدة".



TRT عربي