محمد بن سلمان انتهز الفرصة لعزل بن نايف ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض مطلع 2017 (AFP)
تابعنا

تتعرض إدارة بايدن لضغوط متزايدة من أطراف داخلية تطالبها بتقديم يد المساعدة لولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف وهو مسؤول أمني سابق أيضاً، كان قد أُطلِق عليه عراب مكافحة الإرهاب نظراً لجهوده المضنية في التعاون مع الغرب لإحباط الكثير من العمليات الإرهابية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وأفادت تقارير حديثة أن بن نايف الذي كان قد احتُجِز من قبل الحكومة السعودية خلال فترة إدارة ترمب، يتعرض للإيذاء الجسدي بشكل عنيف، لدرجة أنه أصبح غير قادر على المشي بدون مساعدة. وعلاوة على ذلك، مُنِع عن بن نايف العلاج، ولم يُسمح له بلقاء طبيبه أو ممثليه القانونيين، وصاحب ذلك فقدانه لما يزيد عن 50 رطلاً جراء التعذيب والقتل الممنهج الذي يتعرض له، وفقاً للتقارير المذكورة.

يذكر أن بن سلمان كان قد انتهز الفرصة لعزل بن نايف ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض مطلع 2017. وفي مارس/آذار 2020 زُجّ ببن نايف وأفراد آخرين من العائلة المالكة في السجن بعد توجيه اتهامات إليهم يرى مراقبون أن معظّمها ملفّقة وذات دوافع سياسية.

ما الذي تغيّر مع الإدارة الأمريكية الجديدة؟

من خلال النظر في كيفية وتوقيت عزل محمد بن نايف يظهر أن عاملاً مهماً لاح في الأفق وهو تغير الإدارة الأمريكية، إذ إنه مع وصول إدارة ترمب إلى الحكم في يناير/كانون الثاني 2017، جرى الترويج لمحمد بن سلمان بوصفه مصلحاً اجتماعياً وشخصاً منفتحاً. وعليه في وقت قياسي ازداد نفوذ بن سلمان وبدأ يُحكِم سيطرته على تلابيب البيت السعودي. ويرى مراقبون أن ذلك لم يكن ممكناً ليحدث في ظل وجود إدارة بايدن وقبلها إدارة أوباما من الديمقراطيين الذين يميلون نحو القوى التقليدية ذات الشعبية لدى الشارع.

وعلى هذا المنوال، جاءت خطوة تهميش ثم عزل بن نايف قبل الزجّ به في السجن كإحدى عواقب وصول إدارة ترامب إلى سدة الحكم. أمّا الآن، ومع وصول إدارة بايدن، عادت بعض الأصوات من الديمقراطيين تذكّر وتندد بما يتعرض له بن نايف من تعذيب وقتل بطيء على يد النظام السعودي. في حين ركّز هؤلاء المطالبون بنجدة بن نايف على أن الرجل حليف قديم طالما قدم "الخدمات الجليلة" للإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدار ما يزيد عن 15 عاماً، لذا طالبوا بألا تتخلى الولايات المتحدة عن حليفها، مؤكدين أن ذلك يؤثّر على صورتها على الصعيد الدولي.

تلك الصورة التي لم يعبأ بها ترمب الذي أعطى الضوء الأخضر لابن سلمان لكي يفعل ما يشاء داخل القصر السعودي مقابل استثمارات سعودية بالمليارات قُدِّمت قرباناً لرجل الأعمال الجمهوري البعيد عن دوائر واشنطن السياسية، حتى يتمكن بن سلمان من العبث بقواعد اللعبة.

وحتى على المستوى الإقليمي، أخذ بن سلمان الضوء الأخضر من ترمب بعد بضعة أشهر فقط من وصول الأخير إلى البيت الأبيض، ليستعين الأمير السعودي الشاب بحليفته الإمارات لافتعال الأزمة الخليجية وقيادة حملة تشويه وحصار عنيف ضد دولة قطر. ووفقاً لمتابعين، فإن قرار حصار قطر، بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض في مايو/أيار 2017 في أول جولة خارجية له، جاء بالتشاور أو بإيعاز من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي يُنظر إليه على أنه الشخصية الأكثر تأثيراً في قرارات محمد بن سلمان.

جدير بالذكر أن من أبرز من دعا إدارة بايدن إلى اتخاذ خطوات عاجلة لضمان سلامة بن نايف كان بروس ريدل وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. حيث صرّح وقال إن: "البيت الأبيض في عهد ترمب لم يفعل شيئًا -لا شيء على الإطلاق- لمساعدة بن نايف"، وأردف: "ما حدث له كان مروعاً، هذا الرجل أنقذ حياة العشرات من الأمريكيين".

كيف بدأ الصراع؟

كان محمد بن نايف أقرب المرشحين لتولي العرش بعد الملك سلمان بن عبد العزيز، فالرجل الذي يعد من جيل العائلة المالكة الثالث (أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود) لديه خبرة طويلة في التعاون مع الغرب بالإضافة إلى انخراطه في العمل السياسي رفيع المستوى داخلياً وخارجياً، والذي وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز جعل بن سلمان يخشى نفوذه ويسعى إلى تطويقه وعزله عن السلطة.

بدأ الصراع مبكراً باستحداث منصب "ولي ولي العهد" الذي كان أول صفة رسمية لمحمد بن سلمان، فمع وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في 23 يناير/كانون الثاني 2015 تولى الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود حكم البلاد ليصبح الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ويصبح الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد. وفي اليوم نفسه عين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الأمير محمد بن نايف آل سعود ولياً لولي العهد. لاحقاً، في التاسع والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 2015 أمر الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بإعفاء صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود من منصبه بناء على طلبه وتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد وتعيين الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولياً لولي العهد.

لم يلبس محمد بن سلمان طويلاً حتى نكّل بكل من طالهم من خصومه السياسيين من خلال اتهامهم بمحاولة الانقلاب على الحكم، فمع وصول ترمب إلى الحكم كان الأمير السعودي الشاب قد عزز من قوته وعزل في العام نفسه بن نايف عن منصبه ووضعه رهن الإقامة الجبرية. وفي مارس/آذار اختفى بن نايف صاحب الـ61 عاماً عن الأنظار ليبقى معتقلاً في مكان غير معلوم، إلى أن انتشرت أخبار مؤخراً عن احتجازه بمجمع حكومي قرب قصر اليمامة بالعاصمة الرياض.

كانت ذريعة بن سلمان المعلنة للقبض على بن نايف تندرج في إطار اتهامه بالفساد المالي زعماً أنه اختلس 15 مليار دولار من أموال الدولة، وكذلك تدشين حملة إعلامية تستقصد تشويه سمعة الرجل بترديد أكاذيب حول تعاطيه للمخدرات. غير أن مصادر أمريكية عديدة أفادت بأن تلك الأموال قد صرفت بالتعاون مع واشنطن وبمعرفة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز بهدف مكافحة الإرهاب، وهي بالأصل إحدى أبرز المهام المسندة إلى بن نايف.

TRT عربي