من قتل المدون العسكري الروسي فلادلين تتارسكي؟ / صورة: Reuters (Maxim Shemetov/Reuters)
تابعنا

منذ اندلاع الاقتتال في أوكرانيا، أصبح المدون العسكري الروسي فلادلين تتارسكي، وهو اسمه الحركي، وجهاً مشهوراً من مناصري الحرب الموالين للقيادة في موسكو. ذلك بعد أن كان مقاتلاً سابقاً في صفوف القوات الانفصالية في شرق أوكرانيا، ليترك السلاح عام 2019 ويكرس وقته لأخبار الحرب.

عشية الأحد، وبينما كان يدير لقاء حول التدوين العسكري حدث انفجار أودى بحياته، وأثبتت التحريات أن مصدره كان تمثالاً مفخخاً سلمته له شابة شقراء، دقائق قبل مغادرتها مكان ووقوع الواقعة.

جرى إلقاء القبض على الشابة التي نفذت عملية اغتيار تتارسكي من قبل الشرطة الروسية، بينما بقيت دوافع تنفيذ العملية حتى اليوم غامضة، ومجال تضارب في الروايات، بين الرواية الرسمية التي اتهمت استخبارات كييف ومناصري المعارض ألكسي نافالني، والنفي الأوكراني الذي ألقى بالصحافة العالمية لتتبع خيوط أخرى ممكنة لفك أصل الحكاية.

الرواية الروسية للحادثة

لم يتأخر طويلاً إلقاء القبض على قاتل فلادلين تتارسكي، وما هي إلا ساعات قليلة حتى أعلنت السلطات الروسية وضع يدها على داريا تريبوفا، "الحسناء" التي سلمت المدون العسكري الطرد المفخخ الذي أودى بحياته.

هذا وأعلنت لجنة التحقيق الروسية، يوم الاثنين، عبر تطبيق "تليغرام" أنّ محققيها "اعتقلوا داريا تريبوفا، المشتبه في مشاركتها بالانفجار في مقهى في سان بطرسبرغ". بعد أن قادهم تتبع خيط الطرد الملغوم عبر كاميرات المراقبة إلى هوية حاملته، كما وثقت تلك الكاميرات تسليمها إياه إلى الضحية.

وعقب ذاك، وجهت اللجنة اتهاماً مباشراً لكييف بالضلوع في التفجير، ونقلت قناة "روسيا اليوم" عن اللجنة قولها إنه "ثبت أن الإرهابيين الذين نسقوا ونفذوا العملية الإرهابية أمس وسط مدينة بطرسبورغ قاموا بتنفيذ مخططات الأجهزة الأمنية الأوكرانية الخاصة".

كما وجهت أصابع الاتهام كذلك إلى أنصار المعارض الروسي المعتقل ألكسي نافالني، إذ أشارت لجنة التحقيق إلى أن الاستخبارات الأوكرانية استخدمت في عمليتها موظفين في صندوق مكافحة الفساد المحظور في روسيا والذي كان يديره نافالني، وأن داريا تريبوفا كانت من بين موظفي هذا الصندوق.

وفي أعقاب هذا، خرج الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، يوم الاثنين، ليؤكد الرواية الرسمية الروسية للحادث. قائلاً: "هناك أدلة، وفقاً لبيان اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب، على أن الأجهزة الأمنية الأوكرانية الخاصة، قد تكون متورطة في التخطيط لهذا العمل الإرهابي. بطبيعة الحال، هذا هجوم إرهابي".

وأضاف بيسكوف: "روسيا واجهت نظام كييف. إنه نظام يدعم الإرهاب، ويقف وراء اغتيال داريا دوغينا، إنه نظام ربما يكون وراء اغتيال فومين (تتارسكي)، ووراء هجوم سان بطرسبورغ الإرهابي، إنه نظام يقف وراء عمليات القتل لسنوات، منذ عام 2014، ولهذا تجري العملية العسكرية الخاصة".

بعدها بثلاث أيام، وسّعت تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين دائرة المتهمين في مقتل تتارسكي، ذلك خلال ترؤّسه اجتماعاً لمجلس الأمن القومي نُقلت وقائعه عبر التلفزيون، إذ قال: إن "هناك كلّ الأسباب للاعتقاد أنّ دولاً ثالثة وأجهزة استخبارات غربية متورّطة في التحضير لأعمال تخريبية وإرهابية" في روسيا.

كما أعلنت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم الأربعاء، أنّ اغتيال المدون العسكر يالروسي سيكون "أحد مواضيع النقاش" في مجلس الأمن الدولي الذي تولّت روسيا رئاسته الدورية السبت، نقلاً عما نشرته "فرانس بريس".

نكتة القنبلة

تجد الرواية الروسية عن ارتباط منفذة عملية الاغتيال بالمعارضة ونظام كييف، ترجيحاً لها في ماضي داريا تريبوفا القريب والمتوسط. وحسب ما أوردت قناة "بي بي سي" البريطانية، فقد سبق للمتهمة أن شاركت في مظاهرات مناهضة للحرب، وعلى إثرها جرى اعتقالها لعشرة أيام.

هذا بالإضافة إلى أن زوجها، ريلوف، ينتمي إلى مجموعة معارضة هامشية تدعى الحزب التحرري، والتي شاركت في الاحتجاجات ضد الحرب على أوكرانيا، وفق المصدر ذاته.

فيما نقلت صحيفة "موسكو تايمز"، على لسان الصحفي مارات أرنيس الذي كان شاهد عيان على التفجير، بأن تريبوفا وهي تسلم تتارسكي الطرد قالت: "رجال الأمن منعوني من الدخول، ظنوا أنني أحمل لك قنبلة!". ويضيف أرنيس أن الكل، بمن فيهم تتارسكي، ظنوا الأمر نكتة "وهمّوا بالضحك".

لكن كل هذه المعطيات ليست أدلة إثبات ضد تريبوفا، إذ بمقابل ذلك ينفي زوجها، في مقابلة مع موقع "إس في تي في نيوز" الروسي، أن تكون زوجته قد قامت بقتل تتارسكي طواعية.

وقال زوج تريبوفا: "صحيح أن أياً منا لا يؤيد الحرب في أوكرانيا، لكننا نعتقد أن مثل هذه الأعمال غير مسموح بها. أنا متأكد بنسبة 100% أنها ما كانت لتوافق أبداً على أي شيء كهذا لو كانت تعلم به (...) أعتقد أن زوجتي تعرضت للخداع".

وهو ما أشارت إليه أيضاً رئيسة مؤسسة "آر بوليتيك" المتخصصة في الشؤون السياسية الروسية، تاتيانا ستانوفايا، بالقول إنه "لا يمكن استبعاد أنها (تريبوفا) لم تكن على علم بالقنبلة"، ذلك إذ "تشير تصرفاتها لاحقاً إلى أن أحداً لم يجهزها للهروب السريع بعد الانفجار، مما يعني أنه ربما جرى استخدامها عن غير قصد".

الرواية المغايرة

هذا ونفت أوكرانيا ضلوعها في التفجيرات التي أودت بحياة فلادلين تتارسكي. واعتبر مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، في تغريدة، أن ما حدث كان "إرهاباً محلياً أصبح أداة لتصفية حسابات سياسية داخلية"، واصفاً الأمر بأن "العناكب في قعر الوعاء أصبحت تأكل بعضها".

وهو ما رجحه أيضاً صوت من عقر موسكو ومقرب من الكرملين، رئيس مجموعة "فاغنر" يغفيني بريغوجين، الذي قال: "لن ألقي باللائمة على النظام في كييف عن هذه الأعمال.. أعتقد أن مجموعة متطرفة هي المتورطة، ومن غير المرجح وجود أي علاقة لها بحكومة (كييف)".

هذا وقالت صحيفة "الغارديان" بأن جهات كثيرة داخل روسيا لها مصلحة في اغتيال تتارسكي. مشيرة إلى أن المدون العسكري "دعا مراراً لمحاكمة الجنرالات، بسبب الانسحابات الكبيرة من مدن بما في ذلك خيرسون العام الماضي، أو الجهود غير الفعالة لتدريب الجنود وتجهيزهم".

وأضافت الصحيفة البريطانية، بأن تتارسكي كان دائماً ما يتعرض للسخرية بسبب المبالغة في خدمته العسكرية. كما كان قد دخل في عداوة مع إيغور جيركين، المدون والقائد العسكري الروسي السابق، والذي كان ينتقد الجهد العسكري.

فيما أشار تقرير للمؤسسة الفكرية "دراسات الحرب" الأمريكية، بأن مقتل المدون الروسي في مقهى كان في ملكية طباخ الكرملين يغفيني بريغوجين، هو بمثابة رسالة تهديد لزعيم فاغنر نفسه، بخصوص انتقاداته الأخيرة للمؤسسة العسكرية الروسية وقادة الجيش.

TRT عربي