تُعدّ تركيا من أبرز الداعين لإصلاح مجلس الأمن الدولي (AA)
تابعنا

في وقت تواصل فيه دول إقليمية بارزة في مقدّمتها تركيا، كفاحها لإصلاح مجلس الأمن الدولي، ما زالت الوعود الأمريكية حول تفعيل هذا الإصلاح تُراوح مكانها منذ سنوات دون تنفيذ.

يستعرض التقرير وجهات نظر الدول المنضوية داخل المنظمة الدولية حول عملية الإصلاح، ونقاط الخلاف بين الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بالتزامن مع الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

والثلاثاء، تُفتتح الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على وقع مناداة لا تتوقف من غالبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة (193 دولة)، وعلى رأسها تركيا وألمانيا والهند والبرازيل ومصر وجنوب إفريقيا، بضرورة إصلاح مجلس الأمن، باعتباره "حجر الزاوية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين".

5 قضايا أساسية

وحين تُنادي هذه الدول بدعوات الإصلاح، فإنها تقصد بذلك 5 قضايا أساسية هي، فئات العضوية بالمجلس (العضوية الدائمة وغير الدائمة)، واستحواذ الدول الخمس الكبرى الأعضاء بالمجلس (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) على حق النقض (الفيتو).

وكذلك، التمثيل الإقليمي العادل في عضوية المجلس، وعدد أعضاء المجلس الموسع وأساليب عمله، والعلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة.

وقبل انتهاء فترة ولايته، قال رئيس الدورة الـ76 للجمعية العامة الأممية، عبد الله شاهد، إن "العالم يحتاج بشدة الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن تكون منظومة الأمم المتحدة بكل مؤسساتها، بما فيها مجلس الأمن، مناسبة للغرض الذي أُنشئت من أجله".

وأكد خلال لقاء صحفي أن "حقائق القرن الحادي والعشرين الجيوسياسية يجب أن تنعكس على جميع هيئات المنظمة الدولية في نيويورك".

واعتبر شاهد أن "فعالية الأمم المتحدة وجميع هيئاتها مهمة ليس فقط للدول الأعضاء، ولكن لسمعة الأمم المتحدة ككل".

عائقان اثنان

والحقيقة أن الإصلاح بهذا المعنى قد يبدو بعيد المنال لسببين رئيسيين: الأول هو أن ميثاق الأمم المتحدة يفرض مسبقاً موافقة الدول الكبرى الخمس على أي عملية إصلاح بالمجلس، أي أن توافق هذه الدول على تقليص بعض نفوذها وسلطتها داخل المجلس، وهو أمر مستبعد بطبيعة الحال.

والسبب الثاني يتمثّل في تباين الرؤى بين الدول الأعضاء في الجمعية العامة حول عملية الإصلاح ذاتها، وحول الاقتراحات المختلفة بشأن كيفية المُضيّ قُدماً، وبأيّ قضية من القضايا الخمس نستهل بها الإصلاح.

تركيا واحدة من بين القوى الإقليمية البارزة على الساحة الدولية التي تطالب، منذ سنوات، بضرورة اعتماد منظور جديد لإعادة هيكلة مجلس الأمن بعد أن صار العالم "أكبر من خمسة" أي أكبر من الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس.

وفي 8 سبتمبر/أيلول الجاري، عقدت دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية، ندوة في العاصمة اليابانية طوكيو، بعنوان: "إصلاح مجلس الأمن الدولي: نهج جديد لإعادة بناء النظام الدولي".

وطالب رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون في الندوة، بضرورة "تغيير الهيكل الجائر وغير الشفاف لمجلس الأمن"، مؤكداً أن دعوة "العالم أكبر من خمسة" هي اعتراض قوي على الظلم والاستبداد والاضطهاد.

وبالتوازي مع ذلك، هناك أيضاً اليابان وألمانيا، وهما ثاني وثالث أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة، حيث يُطالب البلدان منذ عقود بمقعدين دائمين في المجلس.

كما تصرّ البرازيل (وهي خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة)، والهند (ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان)، على الحصول "فوراً" على مقعدين دائمين بالمجلس باعتبارهما أقوى بلدين ضمن مجموعاتهما الإقليمية.

في حين تنادي إفريقيا بأن تُمنح مقعدان دائمان، تشغلهما بالتناوب دولتان تختارهما المجموعة الإفريقية، وذلك تعويضاً عن المظالم التاريخية التي حلّت بالقارة السمراء، من المستعمرين الأوروبيين.

وتقترح دول مثل مصر والجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، أن يكون أحد المقعدين الدائمين من نصيبها.

في المقابل، تُعارض دول إقليمية أخرى مثل باكستان وإيطاليا والمكسيك، فكرة زيادة عدد الدول دائمة العضوية بالمجلس، وترى أنه من الأفضل توسعة عدد الدول غير الدائمة العضوية، ولكن على أساس إقليمي.

والسؤال الآن، ما موقف الدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس من كل هذه الاقتراحات؟.

الولايات المتحدة أعلنت مراراً دعمها منح العضوية الدائمة إلى اليابان والهند، مع إمكانية إضافة عدد قليل من الدول إلى فئة الأعضاء غير الدائمين.

أما بريطانيا وفرنسا فهما يدعمان بشكل أساسي مقترح زيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين شريطة حصول ألمانيا والبرازيل والهند واليابان على العضوية الدائمة.

وبالنسبة للصين فموقفها التقليدي هو مع ضمّ المزيد من الدول الإفريقية والبلدان النامية إلى عضوية المجلس، في حين تؤيد روسيا بقوة ترشّح الهند لتشغل مقعداً دائماً في عضوية مجلس الأمن.

ومع بدء مراسم افتتاح الدورة الـ77 للجمعية العامة، تعود مسألة إصلاح المجلس لتُطلّ برأسها من جديد، وسط أزمات دولية كبرى يشهدها العالم حالياً.

ومن أبرز هذه الأزمات، الحرب الروسية-الأوكرانية، وملف إيران وكوريا الشمالية النوويين، والقضية الفلسطينية العالقة "بلا حل" منذ عام 1948، والانقلابات العسكرية المتكررة في عدد من الدول النامية، وصولاً إلى أزمات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في الأسواق العالمية.

ولعلّ الجديد هذه السنة، مع افتتاح دورة الجمعية العامة، الثلاثاء، هو ما تعهدت به مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قبل 3 أيام فقط خلال مؤتمر صحفي في سان فرانسيسكو، حول "أولويات الإدارة الأمريكية في الدورة الـ77 للجمعية العامة".

السفيرة الأمريكية تعهّدت بأن تمضي واشنطن على طريق إصلاح مجلس الأمن وتوسيع العضوية به "بما يعكس بشكل أفضل الحقائق العالمية الحالية، وأن يضمّ المجلس وجهات نظر أكثر تنوعاً جغرافياً".

ولفتت إلى أن "الولايات المتحدة وضعت 6 مبادئ واضحة للسلوك المسؤول داخل مجلس الأمن بحيث يتعيّن على جميع أعضاء المجلس التزامها، وخاصة الأعضاء الدائمين".

ومن بين هذه المبادئ "دفع الجهود المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن (..) يعكس بشكل أفضل الحقائق العالمية الحالية وأن يضمّ وجهات نظر أكثر تنوعاً جغرافياً".

لمحة تاريخية عن محاولات الإصلاح

تأسس مجلس الأمن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ومنذ ذلك الحين تغيّرت الكثير من الحقائق الجيوسياسية جذرياً، لكن المجلس لم يتغيّر إلا قليلاً.

وصاغ المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لمصالحهم "الضيقة"، إذ خصصوا لأنفسهم المقاعد الدائمة وما يرتبط بها من حق النقض (الفيتو).

واحتاج الأمر 20 سنة، حتى ظهرت أول وآخر عملية إصلاح ملحوظ بمجلس الأمن عام 1965، عندما زاد أعضاء الدول غير الدائمة بالمجلس من ستة دول إلى عشرة دول أعضاء.

وبعد 27 سنة أخرى، في عام 1992، أي بعد شهور قليلة من سقوط الاتحاد السوفيتي (في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991) من الخريطة السياسية، عادت مناقشات إصلاح مجلس الأمن مرة أخرى إلى السطح، حيث عُقدت أول قمة تاريخية للدول الأعضاء في المجلس وكان من بين أهدافها "إعادة هيكلة منظومة الأمم المتحدة والاعتراف بحقائق العالم المتغير".

وفي منتصف سبتمبر 2008، بدأت الدول الأعضاء في الجمعية العامة ما سمته "المفاوضات الحكومية الدولية بشأن إصلاح مجلس الأمن"، و هي عبارة عن مفاوضات غير رسمية تُجرى بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بهدف تقريب وجهات النظر بشأن سبل المُضيّ قدماً في عملية الإصلاح.

وتُجدد هذه المفاوضات سنوياً، من خلال قرار تُصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية كل دورة جديدة.

مجلس الأمن حالياً

ويتألف مجلس الأمن حالياً من 15 دولة، منها 5 دائمة العضوية هي الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، و10 أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي.

ويجب أن تحصل الدولة المنتخبة على أصوات ثلثي الدول الحاضرة لجلسة الجمعية العامة من أجل الحصول على العضوية المؤقتة.

وتُجدد نصف مقاعد الأعضاء المنتخبين غير الدائمين كل عام.

TRT عربي - وكالات