تابعنا
تتضاءل يوماً بعد يوم حظوظ الرئيس ترمب في عكس نتائج الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها منافسه الديمقراطي جو بايدن، فهل يعمل على إضافة إنجازات أخرى إلى رصيده قبل المغادرة يكون منها حل الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها من دول الحصار؟

حصلت جهود المصالحة والوساطة بين قطر وجيرانها الثلاثة على دعم إدارة أوباما في 2014، والتي كان فيها بايدن نائباً للرئيس. ولكن مع فوز ترمب وزيارته الأولى كرئيس إلى السعودية بدأت بوادر الأزمة الثانية في 2017، حيث زار ترمب الرياض في 20 مايو/أيار 2017 وتم اختراق وكالة الأنباء القطرية في 23 مايو/أيار 2017، وقد تعمقت الأزمة حيث بدا أن ترمب يقدم دعماً غير مشروط لكل من ولي العهد السعودي والإماراتي، وقد ذكرت العديد من المصادر، منها أمير الكويت الراحل ووزير الدفاع القطري خالد العطية، أن الأزمة وصلت حد إلى التدخل العسكري الذي كان الدور التركي الداعم لقطر ووجود القوات التركية في الدوحة، وفقاً لاتفاق سابق، أحد العوامل المساهمة في قطع الطريق أمام القيام به.

ومن المعروف أن الكويت بذلت جهداً كبيراً من خلال أميرها الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح لحل الأزمة الخليجية، ولكن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح منذ 2017 وطوال فترة إدارة ترامب، وهذا يدل على الحماية والزخم الذي كان يعطيه ترمب وصهره جاريد كوشنير للأطراف المحاصرة لقطر. 

ولهذا عادت إمكانية حل الأزمة الخليجية إلى الواجهة مع الإعلان الأولي عن فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية، مع إدراك مسبق من دول المنطقة لرغبة بايدن في تحقيق الاستقرار الإقليمي وتجنب سياسة ترامب. وفي هذا السياق فقد كشفت عدة مصادر عن اتصالات دبلوماسية تجريها الكويت من أجل لم الشمل الخليجي مرة أخرى، وإنهاء الأزمة التي استمرت 4 سنوات تخللها حصار ومشاحنات وتبادل اتهامات. وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن السعودية والإمارات ومصر والبحرين "تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر".

ومع هذه التوجهات نحو حل الأزمة فإنه من المحتمل أن ترمب لا يريد لخلفه أن يسجل عليه نقاطاً من خلال قيامه بحل أزمة حصار قطر في الأشهر الأولى من فترته ثم الخروج بمظهر المصلح، بحيث تبرز عملية إنهاء الأزمة الخليجية كأحد نجاحات السياسة الخارجية في عهد بايدن، في حين يظهر ترمب على أنه مشعل للحروب والأزمات، وليس هذا فحسب بل يعمل عكس ما تقتضيه المصلحة الأمريكية، حيث نصحه العديد من مستشاريه، بمن فيهم ريكس تلرسون وزير الخارجية السابق، بضرورة العمل على حل الأزمة، ولكنه لم يقم بخطوات عملية حينها. 

ولكن مع هبوب رياح بايدن قد يتشجع ترمب للقيام بشيء ما لحل الأزمة قبل مغادرته البيت الأبيض. وهنا فقد قال مستشار الأمن القومي روبرت أوبرايان إن إدارة الرئيس دونالد ترمب تعمل حالياً على رفع الحصار الخليجي على قطر، مضيفاً أن هناك "إمكانية" لحل الأزمة الخليجية. وقد جاءت تصريحاته واضحة بهذا الصدد عندما قال: "أود أن أرى ذلك الأمر يتم، لو انتهى الأمر مع مغادرتنا البيت الأبيض، خلال الأيام المتبقية لنا في الرئاسة، وأعتقد أن هناك إمكانية بالفعل لأن يحدث ذلك"، ومع ذلك لم يخف أوبرايان صعوبة الوصول إلى الحل.

هناك تحديات تتعرض لها دول الخليج تجعل من الضرورة العمل على إيجاد حل للأزمات الموجودة حيث يفرض تحدي وباء كورونا، على سبيل المثال، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل بشكل مشترك لمواجهة التحديات الاقتصادية والتحديات الدولية الأخرى. ولكن مع هذا يمكن القول إن الأهداف التي يسعى لها ترمب وهو على مشارف نهاية ولايته تعتبر مختلفة. هناك من يرى أنه ربما يريد أن يجعل المصالحة الخليجية مدخلاً لعمليات تطبيع جديدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويريد أن يسجل تاريخياً أنه رائد عملية التطبيع بأبرز مفاصلها. كما أن ترمب قد تكون له نية في العودة للمنافسة مرة أخرى في انتخابات 2024. 

بالنظر إلى مواقف أخرى محيطة بالرئيس ترمب فإنه كان متوقعاً أن يجد ترمب حلاً للأزمة الخليجية قبل دخول شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أي قبل دخول جو الانتخابات ولكن هذا لم ينجح. منها على سبيل المثال رغبة الولايات المتحدة في تسمية قطر كحليف رئيسي من خارج "الناتو"، وبالمقابل الحصول على مزايا من قبيل توسيع قاعدة العديد.

وعلى كل الأحوال مع تعدد الجهات المحاصرة لقطر فقد تكون هناك مواقف متباينة بين دول الحصار، حيث يتوقع أن تكون مصر والسعودية أقل تشدداً، وهو ربما ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي. في حين قد يكون الموقف الإماراتي أكثر تعنتاً في هذا الجانب، حيث هناك تصور لدى العديد من الخبراء بأن الإمارات هي من أثرت على السعودية للقيام بحصار قطر. كما أن المشاحنات التي حصلت بين قطر والإمارات كانت أكبر بكثير من المشاحنات بين قطر ودول الحصار الأخرى. 

تنبع العوامل المؤثرة على الموقف السعودي من إدراك ضرورة الحفاظ على العلاقة الأمريكية السعودية حتى في الأشهر المتبقية من عهد ترمب، وفي ظل رغبة ترمب في تطبيع السعودية مع إسرائيل، والرغبة المفترضة في حل الخلاف الخليجي، فقد يكون من الأسهل على السعودية المضي قدماً في حل الخلاف الخليجي بالنظر إلى الخوف من ردود الأفعال إزاء التطبيع السعودي مع إسرائيل. 

وهناك رأي آخر يرى أن السعودية قد تفضل أن تعطي ميزة حل الأزمة مع قطر إلى الإدارة القادمة لكسب ودها، وهو الأمر الذي تحتاجه نظراً لانتقاد بايدن المتكرر للمملكة على خلفية حربها في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات بحق الناشطين والمعارضين السياسيين. 

إذا اعتبرنا أن فوز بايدن هو العامل الوحيد الذي تغير خلال الفترة الماضية فإن هذا لا يعد عاملاً كافياً لنجاح ترمب في إنهاء الأزمة الآن، بل يرجح بقاءها للأيام الأولى من إدارة بايدن، وسيتعزز هذا إذا حاولت الدول المحاصرة لقطر أن تفرض شروطاً تتعلق بسيادة قطر، وهو الأمر الذي سينهي فرص النجاح على الرغم من كل المرونة الموجودة حالياً.  

TRT عربي