تابعنا
أعلن اتحاد الشغل بتونس مشاركته في الحملة الانتخابية القادمة، الأمرُ الذي طرح العديد من الإشكاليات حول طبيعة هذه المشاركة ودوافعها. فهل تراجعت أكبر منظمة شغيلة بتونس عن دورها في حماية العاملين؟

تونس ـــ طرح إعلان اتحاد الشغل بتونس مشاركته في الحملة الانتخابية القادمة أكثر من سؤال بين الأوساط السياسية حول طبيعة هاته المشاركة ودوافعها، بالنظر إلى الحياد الذي ظلت عليه المنظمة الشغيلة، والدور التاريخي المنوط بعهدتها كصرح نقابي مدافع عن حقوق العاملين، بعيداً عن منطق التجاذبات السياسية.

وفيما رأى مراقبون أن قرار اتحاد الشغل خوض غمار الانتخابات سواء بدعم أطراف بعينها أو من خلال صياغة برنامج اقتصادي واجتماعي تتبناه الأحزاب هو تسييس للعمل النقابي، ذهب آخرون للقول إن المنظمة الشغيلة كانت لاعباً سياسياً بارزاً في دعم مسار الانتقال الديمقراطي بعد الثورة، وطرفاً فاعلاً في مسار الحوار الوطني الذي جنّب البلاد سيناريوهات الفوضى.

"معنيون بالانتخابات"

في هذا السياق، أكد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل بوعلي المباركي في حديث خصّ به TRT عربي، أنّ المنظمة الشغيلة معنية بشكل مباشر بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في إطار دورها الوطني ضماناً لنزاهة الانتخابات، ولمزيد حث الناخبين على المشاركة بكثافة".

وأشار المتحدّث ذاته إلى أنّ المنظمة الشغيلة وبالتنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تقوم حالياً بتدريب عدد من نقابييها بخطة ملاحظين ورؤساء مراكز اقتراع، للإشراف على سير عملية مراقبة الانتخابات القادمة.

المنظمة الشغيلة معنية بشكل مباشر بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في إطار دورها الوطني ضماناً لنزاهة الانتخابات ولمزيد حث الناخبين على المشاركة بكثافة.

بوعلي المباركي، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل

وقد انتهى اتحاد الشغل في تونس من وضع اللمسات الأخيرة لخطة إصلاح اقتصادي واجتماعي، سيقع عرضها قريباً على الأحزاب والشخصيات السياسية المعنية بالانتخابات، لمناقشتها وبحث إمكانيات تنفيذها.

وشدد بومباركي، على أنّ الاتحاد "لن يدعم بشكل مباشر أي مرشح سواء في الانتخابات التشريعية والرئاسية لكنه لن يمنع أيضاً منظوريه من الترشح لهذا الاستحقاق في قوائم مستقلة أو حزبية".

وتعهدت المنظمة في وقت سابق بوضع جميع مقرّاته المركزية والجهوية والمحلية على ذمة الهيئة العليا للانتخابات، وذلك خلال لقاء جمع أمينها العام نور الدين الطبوبي، برئيس هيئة الانتخابات نبيل بوفون.

ويرى كثيرون أن مشاركة اتحاد الشغل بكل ثقله النقابي والشعبي في مبادرة "الحوار الوطني" للخروج من الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد في أعقاب جريمة اغتيال القيادي اليساري محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013، والتي أطاحت بحكومة الترويكا، جنبت البلاد سيناريو الفراغ، بعد نجاح المنظمة في جمع الفرقاء على طاولة الحوار الوطني.

مخاوف من تسيس العمل النقابي

عبّر حزب النهضة عن رفضه اقتحامَ اتحاد الشغل للمجال السياسي، معتبراً أنّ ذلك قد يؤدي إلى تسييس العمل النقابي، كما سيؤدي إلى اصطفاف الاتحاد إلى جانب فصيل إيديولوجي على حساب آخر.

"في حال كانت مشاركة الاتحاد بهدف دعم فصيل إيديولوجي معروف بقربه من المنظمة الشغيلة على حساب خصم إيديولوجي آخر، فهذا نرفضه جملة وتفصيلاً، ونعتبره تسييساً للعمل النقابي وخروجاً عن حياد المنظمة الشغيلة"، يؤكد القيادي بحركة النهضة محمد بن سالم في حديثه لـTRT عربي.

في حال كانت مشاركة الاتحاد بهدف دعم فصيل إيديولوجي معروف بقربه من المنظمة الشغيلة على حساب خصم إيديولوجي آخر فهذا نرفضه جملة وتفصيلاً ونعتبره تسييساً للعمل النقابي.

محمد بن سالم، قيادي بحركة النهضة

يكمن سببُ رفض اقتحام اتحاد الشغل للعمل النقابي بالنسبة لحزب النهضة، في كون أغلب القيادات المتحكمة في زمام المنظمة النقابية هي قياداتٌ ذات إيديولوجيا يسارية، وبالتالي تكنّ العداء للحركة.

ويطرحُ دخول اتحاد الشغل غمار العمل السياسي إشكالياتٍ عميقة مرتبطة بتحوّل النضال النقابي إلى عملٍ سياسي. ما سيستدعي، على حدّ رأي قيادات النهضة، دخول مجال السياسة من خلال الأحزاب، وليس عبر المنظمات الوطنية.

ولفت القيادي بالنهضة إلى أن التصدع الذي حصل في ائتلاف "الجبهة الشعبية" باعتبارها أكبر ائتلاف يساري في البرلمان وخارجه، "قد يكون دفع ببعض قيادات اتحاد الشغل لتعويض هذا الغياب على الساحة السياسية قبل أشهر من موعد الانتخابات.

وبخصوص قرار اتحاد الشغل توزيع مراقبين بكامل مراكز الاقتراع، شدد بن سالم على أن هذا الأمر محمود، شرط ألا يتجاوز الدور الرقابي لمنظوري المنظمة الشغيلة إلى التأثير على إرادة الناخبين خلال عملية الاقتراع.

وكانت هيئة الانتخابات في تونس قد حددت موعد السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2019، كموعد للانتخابات التشريعية، و17 نوفمبر/تشرين الثاني للانتخابات الرئاسية، فيما تجاوز عدد المسجلين الجدد للانتخابات مليوناً وأربعمئة ناخب، ليضافوا إلى قائمة تقدّر بنحو 5 ملايين ناخب في سجل الناخبين.

دور وطني ولكن...

وإذا كان حزب النهضة يرى في دخول اتحاد الشغل المجال السياسي تهديداً للنضال النقابي، فإنّ المحلّلين السياسيين يصفون قرار اتحاد الشغل إدارة العملية الانتخابية بالأمر الطبيعي الذي جاء في سياق الأدوار التي لعبتها المنظمة الشغيلة خلال محطات متفرقة من تاريخ تونس.

بإمكان الاتحاد أن يلعب دوره كقوة اقتراح وضغط من أجل إقرار مزيد من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وضمان سيادة الدولة التونسية.

زياد الهاني، محلل سياسي تونسي

في هذا السياق، يرى زياد الهاني، الإعلامي والمحلل السياسي، في حديثه لـTRT عربي أنه "لطالما كان للاتحاد دور تاريخي في معركة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وحتى بعد الثورة لعبت المنظمة دوراً سياسياً بإسهامها في احتواء الحركات الاحتجاجية ضد الحكومة، والمشاركة في الحوار الوطني".

هذا الطرح يستبعد فرضية دخول قيادات من اتحاد الشغل على خط المنافسة الانتخابية تحت لواء المنظمة، مبرراً ذلك بمقتضيات العملية الانتخابية التي تستوجب الخبرة والمؤهلات السياسية لقيادة الدولة والتي تفتقدها قيادات الاتحاد.

"بإمكان الاتحاد أن يلعب دوره كقوة اقتراح وضغط من أجل إقرار مزيد من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وضمان سيادة الدولة التونسية"، يختم الهاني.

ويرجح كثيرون أن تحمل ثاني انتخابات ديمقراطية تعيشها البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بن علي، مفاجآت غير متوقعة قد تعصف بشعبية الأحزاب الكبرى، في ظل استطلاعات للرأي تصدرها مرشحون مستقلون.

TRT عربي