دورية تابعة لحرس الحدود الموريتاني (Thomas Samson/AFP)
تابعنا

تعيش العلاقات الموريتانية المالية على صفيح ساخن منذ ما يقارب الشهر، وذلك بعد قتل واختطاف مواطنين موريتانيين داخل أراضي مالي. حيث انتفضت نواكشوط محتجَّة على الواقع، ونصب البلدان لجنة تحقيق لم تخلُص لأيّ نتيجة. فيما نسبت تقارير دولية تلك الجريمة لمرتزقة فاغنر الروسية.

ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ التوترات بين البلدين، منتهية بقرار باماكو إغلاق حدودها الغربية مع الدولة العربية. في المقابل يرى مراقبون في هذه الأوضاع تأسيساً جديداً لعلاقات مالي وموريتانيا، يقوم على العداء والتوتر، ما يؤثر سلباً على المدنيين المقيمين بين الحدود.

منزلق التوترات

في 7 مارس/آذار الجاري، تحدثت تقارير موريتانية عن فقدان نحو ثلاثين مواطناً موريتانياً بعد عبورهم الحدود المالية. وقالت مصادر من أهالي المنطقة إن المفقودين قد قُتلوا على يد الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية.

فيما لم تكن تلك المرة الأولى التي يُعتدى فيها على مدنيين موريتانيين داخل أراضي باماكو. بل قبلها، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، تعرّضت مجموعة من 6 مدنيين موريتانيين وقعوا في مواجهة دورية من الجيش المالي وفاغنر الروسية، بمنطقة "الشيخ أحمد" المالية، حيث أصيب اثنان منهم بجروح بالغة. وأكدت أن مسلّحي فاغنر بادروا بإطلاق النار على الموريتانيين، قبل أن يتوقفوا عن ذلك إثر تبيُّن هويتهم.

واستدعت نواكشوط السفير المالي لديها للتعبير عن احتجاجها عمّا وقع، وقالت الخارجية الموريتانية في بيان لها، إنها أبلغت سفير مالي "احتجاجاً شديد اللهجة على ما تكرر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية تقوم بها قوات نظامية مالية، على أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العُزّل". وأشارت الوزارة إلى أنه، ورغم التطمينات التي صدرت عن السلطات المالية، فإن مستوى التجاوب لدى المسؤولين الماليين مع نظرائهم الموريتانيين ظلّ دون المستوى.

في ذات السياق، زار وفد حكومي مالي يرأسه وزير الخارجية عبد الله جوب موريتانيا في 11 و12 من ذات الشهر. وقال بيان أُصدر في ختام الزيارة إنه تَقرر تشكيل "لجنة مشتركة مؤقتة لكشف الحقائق، تُكلّف بتسليط الضوء على الأحداث الأخيرة (اختفاء موريتانيين بمالي)، وتمارس مهمتها في أقرب الآجال".

ولم تصدر لجنة التحقيق المشتركة تلك إلى الآن نتائج ما خلُصت إليه حول الجريمة. فيما أورد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن شخصاً، كان محتجَزاً في مخيم ديابالي بداية مارس/آذار الجاري، قال إنه "رأى جنوداً يُخرِجون نحو ثلاثين رجلاً من زنزانتهم في الليل، كُسرت أذرعهم وأرجلهم، قبل وضعهم في الشاحنات". بعدها اكتُشف ما لا يقلّ عن 35 جثة قرب قرية دانغويري ووتورو، رجّح أن من بينها المواطنين الموريتانيين.

هذا وأعلنت الداخليَّة المالية أنها قررت إغلاق الحدود الغربية مع موريتانيا, وقالت في بيان: "إنه من أجل المحافظة على العلاقات المتميزة وحسن الجوار بين موريتانيا ومالي، ولحماية المواطنين الموريتانيين والماليين، قررت السلطات المالية منع حركة المدنيين بشكل تام في غابتَي واغادو وغرينغالي، حيث تجري عملية (ماليكو) العسكرية".

ماذا يحصل في العلاقات الموريتانية-المالية؟

تشهد المنطقة الحدودية الغربية لمالي، وبالضبط على مستوى غابة واغادو التي تمتد إلى الأراضي الموريتانية، والتي تشهد عملية عسكرية مشتركة بين الجيش المالي ومجموعة فاغنر لملاحقة الجماعة المسلحة. وفي ظلّ هذا الوضع، يخلُص الصحفي الموريتاني أحمد جدو، إلى أن "تحليل المشهد الموريتاني المالي يصعب في ظلّ غياب معطيات دقيقة لما يحدث على الميدان".

ويضيف جدو في حديثه لـTRT عربي أن "تعامل موريتانيا مع الملف المالي كان لا بد أن يكون حذراً جداً، خاصة أن مالي دولة هشّة وفاشلة باختصار، وكلّ ما يحدث فيها يؤثر داخل موريتانيا"، ومردّ ذلك لما يرتبط به البلدان من "صلات شعبية وجغرافية متينة، حيث يتلاحم السكان وتتشابك علاقتهم مثل تشابك الجغرافيا، فسكان الشرق الموريتاني يرتبطون بعلاقات متنوعة بالماليين، أهمّها الجانب الاقتصادي".

غير أن التطورات الأخيرة في مالي، والحصار الاقتصادي والعزلة الديبلوماسية التي أطبقت على المجلس العسكري الحاكم هناك، جعلت من موريتانيا المنفذ الوحيد لهم. وهذا "ما وضع موريتانيا في حرج"، يقول الصحفي الموريتاني، "من جهة ما تمثله لها مالي كعمق استراتيجي واجتماعي، ومن جهة علاقاتها بمجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية وكذلك فرنسا".

وبخصوص أحداث الاختطاف وقتل مواطنين موريتانيين بمالي، أضاف المتحدث: أنه "فيما يبدو موريتانيا لم تجد أن بإمكانها حصار مالي، غير أن تلك الأحداث أزعجت الشعب الموريتاني وفرضت على الحكومة الموريتانية إبداء انزعاجها، وهو ما أربك العلاقات بين الدولتين الجارتين".

ويختم جدو حديثه بالقول إن "هذه الحوادث مرجّح وقوعها مجدداً حسب البعض لأن وجود الموريتانيين في مالي لا يمكن وقفه وفيه ما هو ضروري"، في المقابل "الجيش المالي غير متمرس وبه بعض العناصر التي تمارس العنف بشكل غير مبرر وهو ما يعرّض حياة من يوجد في مالي للخطر"، هذا بالإضافة إلى "وجود حركات متطرّفة في دولة مالي تسيطر على الأرض هي وحركات أخرى من السكان، حيث لا تسيطر الحكومة المركزية في الدولة إلا على القليل منها".

TRT عربي