تابعنا
مع تزايد النزاعات المسلحة في البلدان الإفريقية، سجّلت المنظمات الدولية خلال العقود الأخيرة، ارتفاعاً مُفزعاً لظاهرة تجنيد الأطفال، الذين يُستغلون بشكل غير قانوني وغير إنساني في مختلف الصراعات الدائرة هناك، لتحتل بذلك إفريقيا المرتبة الأولى بالعالم.

رغم إدانة المجتمع الدولي لظاهرة تجنيد الأطفال المنتشرة بشكل مخيف في بلدان القارة الإفريقية، إلا أنّ ذلك لم يتمكن مِن الحدّ في تفشيها. خاصة في ظلّ استمرار اشتعال العديد من الحروب والنزاعات المسلحة، خلال السنوات الأخيرة، في مختلف بلدان وسط إفريقيا وغربها.

وباعتبارها الفئة الاجتماعية الأضعف التي تضررت بشكل كبير من الحروب والمعارك، استخدمت مختلف الجماعات المسلحة في إفريقيا الأطفال كوقود للحرب، في تحدٍّ صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تشدد على حماية حقوق الإنسان والطفل.

فعلاوة على تدهور الأوضاع المعيشية وانعدام الأمن والغذاء، زُجّ أطفال إفريقيا أيضاً في مهمات عسكرية ولوجستية، خلال المعارك، وذلك وسط فشل أممي لإنفاذ القانون على أرض الواقع وإيقاف هذا الانتهاك الخطير.

الأولى عالمياً في تجنيد الأطفال

كشف تقرير صادم نشرته مؤخراً منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف"، أنّ عدد الأطفال الذين جُنّدوا في صراعات غرب إفريقيا ووسطها، تُعتبر الأعلى عالمياً. حيث جُنّد ما لا يقل عن 21 ألف طفل من الجماعات المسلحة غير الحكومية في منطقة بوركينا فاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك طيلة السنوات الخمس الماضية.

وقد شهدت معدلات التجنيد في صفوف الأطفال ارتفاعاً ملحوظاً منذ انتشار جائحة كورونا، لتبلغ عام 2020 نحو 4500 طفل استُخدموا في مختلف المهمّات العسكرية واللوجستية خلال المعارك، كالقتال والتجسس لصالح الجيوش والميليشيات، والتنظيف والطهي، وحتى كعبيد جنسيين.

وفي سياق متصل، أظهرت العديد من التقارير الأممية عام 2016 بشكل مُفزع، أنّ منطقة بوركينا فاسو والكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، قد سجلت أغلبها أكبر عدد من الأطفال ضحايا العنف الجنسي والاختطاف. وبذلك يُحاصَر أطفال إفريقيا خلف خطوط الصراع، وفي مواجهة للعنف وانعدام الأمن.

ووفقاً لما جاء في تقرير اليونيسيف، فإن أكثر من 57 مليون طفل إفريقي يحتاج اليوم إلى المساعدة والحماية القانونية، بسبب تصاعد النزاع المسلح وتمدده.

وفي إطار رصد نِسب تجنيد الأطفال، كشف تقرير سابق للأمين العام للأمم المتحدة حول تجنيد الأطفال في إفريقيا عام 2015، أنه يوجد على سبيل المثال، نحو 17 ألف طفل ضمن تشكيلة القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة والمعارضة في السودان، ومنهم أطفال اختُطفوا للمشاركة رغماً عنهم في المعارك.

كما سجّل التقرير، أنّ نحو 200 ألف طفل صومالي قد حملوا السلاح وشاركوا بدورهم في النزاحات المسلحة، حتى تكاد تكون ظاهرة تجنيد الأطفال ثقافة متأصّلة في الصومال، وفق ما جاء في التقرير.

لمَ يُجنّد الأطفال؟

بعد أن حددت وثيقة صادرة عن اليونيسيف عام 2007 مفهوم الطفل المُجنَّد، باعتباره كل طفل يرتبط بقوة أو بجماعة عسكرية دون سنّ الثامنة عشرة ويُستخدمون كمحاربين أو طهاة أو حمّالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية. تساءل الكثيرون عن الأسباب الحقيقية وراء تعمّد الميليشيات المسلحة في إفريقيا تجنيد الأطفال.

وفي هذا السياق أكد خبراء ومحللون، أنّ الأطفال يُعتبرون من أضعف فئات المجتمع، التي تتسم بالقصور وعدم القدرة على اتخاذ القرار والدفاع عن النفس، وهو ما يخلق الرغبة لدى الجماعات المسلّحة في ضمّ هذه الفئة سهلة المنال والسيطرة عليها والتحكّم فيها، لتنفيذ الأوامر دون تردد أو نقاش.

وربما يختار بعض الأطفال حمل السلاح طوعاً في هذه المعارك، سواء لتحصيل لقمة العيش أو للثأر لمقتل أحد أفراد العائلة أو لغيرها من الأسباب، ولكن ذلك لا ينفي أنّ جميع الأسباب لا تُبرر استخدام طفل قاصر في جبهات الحروب.

TRT عربي