إسماعيل هنية يلتقي رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني خلال زيارة يجريها للعاصمة الرباط (AA)
تابعنا

لبى وفد رفيع المستوى من فصائل المقاومة الفلسطينية، مرؤوساً برئيس المجلس السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنيّة، دعوة حزب العدالة والتنمية المغربي، بزيارة البلاد الأربعاء. ونقلت كاميرات وسائل الإعلام، المغربيَّة والدوليَّة، صوراً لرئيس الحكومة المغربي وأمين عام الحزب المذكور، سعد الدين العثماني، وهو يستقبل الوفد الفلسطيني بحرارة، متجاهلاً حتى الإجراءات الصحية الواقية من عدوى كورونا، مصافحاً ومناجياً ضيوفه من الوفد الفلسطيني.

بالمقابل تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع تنصيب نفتالي بينيت رئيساً للحكومة الإسرائيليَّة، الذي بعث من أجله العاهل المغربي، محمد السادس، برقية تهنئة بهذه المناسبة. الأمر الذي اعتبره البعض مفاجئاً؛ أن يقف المغرب مع القضيَّة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يطور علاقاته بدولة الاحتلال. فما الرسائل التي تبعثها الرباط عبر هذين الحدثين؟

هنيَّة في ضيافة الرباط والملك يهنِّئ بينيت

تأتي هذه الزيارة "برعاية جلالة الملك واحتضان الشعب المغربي"، هكذا وصف رئيس المجلس السياسي لحركة المقاومة الفلسطينيَّة "حماس"، إسماعيل هنيَّة، زيارته إلى الرباط، بدعوة من حزب العدالة والتنمية. مضيفاً: "لقد تلقينا قبل شهور دعوة لزيارة المغرب، ولعل من حسن الطالع أن تأتي الزيارة بعد الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني، في جولة من جولات الصراع مع الاحتلال البغيض".

وقال هنيَّة: إن المغرب "بعيد في الجغرافيا قريب في قلب الوطن الكبير"، و بلد يوجد "على تماس بالقدس والأقصى في التاريخ والحاضر والمستقبل". مؤكِّداً أن علاقة المغرب بفلسطين “ليست آنية مصلحية، إنما علاقة شرعية دينية إنسانية أخوية". ماجعله يعلن من باب الرباط عن النصر الأخير الذي حققته المقاومة خلال معركتها الأخيرة ضد جيش الاحتلال، وأتبع أنه: "أمامنا مهمات كبيرة جداً لمرحلة ما بعد النصر سنبحث فيها بعمق مع أشقائنا في المغرب".

بالمقابل، وفي كلمته بحفل الاستقبال، جدد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، تأكيده على أن "عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني ومن أجل حقوقه المشروعة". في إشارة إلى تطبيع المغرب علاقاته مع تل أبيب مقابل اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.

وذكَّر العثماني بموقف الملك الذي يضع القضية الفلسطينية “في مرتبة القضية الوطنية”، وقال “يدرك الإخوة في فلسطين مكانة الصحراء لدى المغرب، فهي قضية وحدة وطنية وسيادة”، مشيراً إلى أنها في مرتبة فلسطين ذاتها. على حد تعبير رئيس الحكومة المغربيَّة.

هذا وتأتي هذه الزيارة متزامنة وما أوردت وكالة الأنباء المغربية عن برقية التهنئة التي بعثها العاهل المغربي، محمد السادس، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت. حيث قال: إن المملكة "حريصة على مواصلة دورها الفاعل ومساعيها الخيرة الهادفة إلى خدمة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يضمن لكافة شعوب المنطقة العيش جنباً إلى جنب، في أمن واستقرار ووئام".

أي رسائل تبعثها الرباط؟

في الكثير من التعليقات التي استتبعت الحدثين، طبعتها نبرة استغراب مما فهم كمفارقة في الموقف الدبلوماسي المغربي إزاء القضية الفلسطينية. فيما قال محللون مغاربة إن الأمر هو رسالة من النظام السياسي المغربي للعالم. مفادها: "إنه ما زال متشبثاً بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية المغربية، التي تؤكد أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها بالنسبة للمغرب". حسب ما أوردت وكالة الأناضول على لسان خالد ياموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد بن عبد الله المغربية.

وأوضح ياموت: أن "مثل هذه الدعوات لا يمكن للأحزاب في المغرب توجيهها دون موافقة وتوجيه من السلطات". وأضاف أن "النظام السياسي المغربي يعي مقدار التحول الذي تعرفه القضية الفلسطينية، والذي أصبحت حركة حماس معه مكوناً رئيسياً وطرفاً مركزياً في القضية، وهو ما أوجب التعاطي مع الحركة". في إشارة إلى طي صفحة القطيعة بين السلطات المغربية وحركة المقاومة الإسلامية، التي نشبت بعد إعلان الرباط استئناف علاقاتها مع إسرائيل.

في السياق ذاته، اعتبر عبد الصمد بنعباد، صحفي وباحث مغربي في التواصل السياسي، أن الرسالة التي يود المغرب إرسالها هي إلى تل أبيب، والقول: بـ"أن تطبيع العلاقات معها حالة معزولة عن الاتفاق الإبراهيمي، وأنه ليس ملزماً بالتماهي مع المشروع الصهيوني بإلغاء الحق الفلسطيني، وأنه لن يكون على حساب القضية"، بالإضاف إلى أنه "ما أقبل على مسار التطبيع إلا مُكرها في سياق ملف الصحراء".

وأضاف بنعباد، أن الأمر يمكن أن يُفهم كذلك كـ"ردِّ عملي من السلطات على تطاول القائم بأعمال السفير الإسرائيلي بالرباط، ديفيد غوفرين، على رئيس الحكومة المغربية، قبل أيام، على خلفية تهنئة الأخير لهنية بالانتصار بمعركة سيف القدس".

من جانبه، قال إدريس الكنبوري، المحلل السياسي والأكاديمي المغربي، في تدوينة له في هذا الصدد، بأن "المغرب يحاول التوفيق بين "المصلحة" في علاقته مع إسرائيل، و"المبدأ" في موقفه من القضيَّة الفلسطينيَّة".

وعلى المستوى الداخلي، تأتي هذه الزيارة في مناخ من الامتعاض الشعبي حول استمرار التطبيع مع إسرائيل، كما المطالبات الشعبية الواسعة بطرد القائم بأعمال تل أبيب في الرباط، بلغت حدَّ رفض ساكنة العاصمة تأجير شققهم للدبلوماسي الإسرائيلي.

يضيف الكنبوري أنه من الوارد أن تكون هذه الزيارة "إيذاناً بوساطة مغربيَّة في الملف الفلسطيني"، كما أنها "أتت في ظرفيَّة يحتاجها المغرب سياسياً في الداخل ودبلوماسياً في الخارج".

TRT عربي