تابعنا
بعد عدة مداهمات ألقت السلطات البرتغالية القبض مؤخراً على مجموعة من جنود حفظ السلام البرتغاليين التابعين للأمم المتحدة لاشتباه بتورطهم في تهريب الألماس والذهب والمخدرات من إفريقيا الوسطى إلى أوروبا في الطائرات العسكرية.

على الرغم من أنها الأغنى بين جميع القارات، فإن شعوبها هي الأكثر فقراً في العالم، بسبب نهب عديد من الدول الغربية ثرواتها التي تزخر بها، سواء بمساعدة الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية التي تحكمها، وبمساعدة المليشيات والفصائل الانفصالية والمسلحة التي تجتاحها.

ولا يزال عديد من التقارير يكشف باستمرار تورُّط عديد الأطراف في استنزاف ثروات وخيرات القارة السمراء، وسط تعتيم تامّ وغياب للمحاسبة الحقيقية التي توقف هذه السرقات المتواصلة منذ عقود.

ولعل أبرز دليل على ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى، التي على الرغم من أنها تُعَدّ أرض الألماس والذهب، فإنها اليوم مهددة بمجاعة كارثية وتُعتبر من أفقر دول العالم، بعد أن أصبحت ساحة للنزاع المسلح، وأرض نفوذ لعديد من القوى الدولية.

وقد انتهزت عدة جهات فرصة حالة الفوضى التي تجوب البلاد، للتمكن من سرقة ألماس وذهب إفريقيا الوسطى، وكان آخرها الكشف عن تورُّط جنود تابعين للأمم المتحدة في ذلك.

من حفظ السلام إلى نهب الثروات

بعد إصدار نحو 100 مذكرة تفتيش، وتنفيذ عشرات المداهمات لمنشآت ومنازل في جميع أنحاء البرتغال، وتكثيف التفتيش على الرحلات الجوية العسكرية القادمة من جمهورية إفريقيا الوسطى، بمساعدة نحو 320 ضابطاً من الشرطة القضائية البرتغالية، أعلن رئيس أركان الجيش البرتغالي يوم الاثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عن وقف 10 أشخاص إثر المداهمات، فيما يتواصل البحث والتحري حول اشتباه تورط جنود حفظ السلام البرتغاليين التابعين للأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى، في تهريب الألماس والذهب والمخدرات إلى أوروبا عن طريق طائرات الشحن العسكرية.

ووفق ما جاء في البيان الرسمي للقوات البرتغالية فإنه "يجرى التحقيق مع شبكة إجرامية لها صلات دولية مكرَّسة لتحقيق أرباح غير مشروعة، من خلال تهريب الألماس والذهب وتهريب المخدرات، إضافة إلى التزوير وتمرير العملات المزورة".

وأضاف البيان: "القوات المسلحة تنكر تماماً هذه التصرفات التي تتعارض مع قيم المؤسسة العسكرية، وسيحاسَب المتورطون في ذلك إذا ثبتت إدانتهم".

وقد بدأ التحقيق فعلياً في هذه الشكوك والمزاعم منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، حين أُبلغَت السلطات البرتغالية باحتمال تورُّط جنود برتغاليين في تهريب الألماس والذهب من إفريقيا الوسطى، وتعاونهم في ذلك مع شبكات إجرامية لإيصالها إلى أوروبا.

من جانبه اعتبر وزير الدفاع البرتغالي جواو جوميز كرافينيو، الوضع بأنه "مؤسف للغاية"، وشدد على أن "التحقيق في القضية يجب أن لا يضرّ بالمكانة الدولية للجيش البرتغالي".

وبينما شجب وزير الخارجية البرتغالي أوغستو سانتوس سيلفا، الجرائم المزعومة للجنود البرتغاليين، أشار في سياق متصل إلى "مساهمة البرتغال الهامَّة في حفظ الأمن الدولي".

وتعقيباً على تطورات البحث والتحقيق في القضية، قال المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في تصريح إعلامي بنيويورك يوم الاثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن "الأمم المتحدة تتابع الأمر من كثب بعد الاطّلاع على التقارير الإعلامية".

وقد أثارت القضية جدلاً كبيراً منذ الكشف عنها إعلامياً، وانتقد ناشطون ومحللون الدور المزدوج الذي يلعبه الجنود الأمميون في إفريقيا الوسطى. فبينما كان منوطاً بهم حفظ السلام على هذه الأراضي ووقف الصراع الطائفي المسلح، أصبحوا يمثلون عصابات سرقة ونهب لثروات هذا البلد لتعمق أزمته.

هل وقفت القوات الأممية النزيف الإفريقي؟

منذ إطاحة تحالف سيليكا، بالرئيس السابق فرانسوا بوزيز عام 2013، تعيش جمهورية إفريقيا الوسطى على وقع صراعات وحرب طائفية مسلحة شديدة، تداخل فيها عديد من القوى الأقليمية والدولية وارتكبت عديداً من المجازر والفظائع الإنسانية، وأودت بحياة كثيرين، وأدّت إلى نزوح آلاف السكان إلى الدول والمناطق المجاورة، وخلّفت وراءها حجماً كبيراً من الدمار والخراب.

وعلى الرغم من أنها تُعَدّ دولة غنية بالموارد، وتملك كميات هائلة من الذهب والألماس واليورانيوم والنفط، فإنها اليوم تكابد الفقر، ويواجه أغلب سكانها تهديداً بمجاعة كارثية.

تقرير أممي يتهم المدربين الروس في إفريقيا الوسطى بارتكاب جرائم قتل ونهب ضد المدنيين (AFP)

وفي إطار تمركز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، التي تشارك فيها عدة دول وقوى إقليمية تحت عنوان "مينوسكا"، ساهمت البرتغال في بعثة الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى منذ عام 2014.

وينتشر على تلك الأراضي نحو 180 جندياً برتغالياً منهم مظليون وعناصر من القوات الخاصة، من إجمالي 15 ألف جندي تابع لقوات "مينوسكا" الأممية لحفظ السلام.

وبينما يتطلع الجميع إلى الدور الأممي الذي يمكن أن تضطلع به هذه القوات لوقف النزيف الإفريقي، يُصدَم الرأي العامّ الدولي بانتهاز بعض الأطراف الفرصة لتكوين ثروة على أنقاض الحرب هناك.

TRT عربي