رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي لدى المغرب ديفيد جوفرين (AA)
تابعنا

في قصة مشابهة لسيناريو الفيلم الكوميدي المصري، السفارة في العمارة، رفض سكان مجمعات بالعاصمة المغربية الرباط، تأجير شققهم لرئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي لدى بلادهم، ديفيد جوفرين. فحسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية، أن "الشركة المكلفة بتأجير سكن لجوفرين، عثرت على الفضاء المناسب داخل مجمع سكني بمنطقة (طريق زعير) الراقية بالرباط".

"لكن المشكلة كانت في رفض أصحاب الشقق بشكل قاطع أن يؤجروا عقاراتهم للدبلوماسي الإسرائيلي فور معرفتهم بهويته"، يورد المصدر ذاته، معللاً بأن "أصحاب الشقق في إقامات طريق زعير فضلوا منذ البداية إبعاد أنفسهم عن الجدل والضغوط الأمنية على الجيران، إذا ما قبلوا بتأجيرها لديفيد جوفرين".

وعلى ما يبدو أنه ليست المرة الأولى التي يصطدم بها الدبلوماسي المذكور برفض المغاربة، بل ورغم قصر مقامه بالبلاد، دفعه أهلها قبل أسبوع إلى سحب تغريدة كان قد انتقد فيها رئيس الحكومة على تهنئته المقاومة الفلسطينية. كما رفع المغاربة شعارات لطرده وفسخ اتفاق التطبيع احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي الأخير. كيف يرى المغاربة تطبيع بلادهم بعد العدوان الأخير على فلسطين؟

هذا ليس من شأنك نحن أصحاب البلاد!

اعتبر عدد من متصفحي تويتر المغاربة تغريدة ممثل إسرائيل التي ينتقد فيها رئيس حكومتهم مشينة، بل وتعدياً على شؤون المغرب الداخلية وسيادته. مرغمين إياه بتعليقاتهم، وبالضجَّة التي أثيرت حولها، على سحبها.

في هذا الصدد، غرَّد المذيع التلفزيوني المغربي الشهير، رضوان الرمضاني، قائلًاً: أنا سأجيبك بدل عن العثماني: أنت فقط موظف لدى بلادك، وليس من شأنك ما يقوم به العثماني، فهو رئيس حكومة بلد له سيادته". وتابع في ذات التغريدة قائلًا: "هذا نقاش داخلي وخاص بنا نحن المغاربة، أما أنت فالزم حدودك!"

وفي رد فعل آخر، كتب عادل الصغير، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي، على صفحته قائلًا: "لم يمر وقت طويل على وصوله إلى المغرب، وها هو ممثل دولة الإرهاب والاحتلال الصهيوني يحشر أنفه في الشؤون الداخليَّة للمغرب". مضيفاً "ليس هناك ما يسبب الدمار والخراب للدول أكثر من أن ينبت داخلها الكيان الصهيوني المجرم". خاتماً منشوره بـ"آن أوان طرد نذير الشؤم هذا من بلادنا".

هذا وكان رئيس الحكومة المغربيَّة قد هنأ في رسالته المذكوة الشعب والمقاومة الفلسطينية عقب توقيع اتفاق الهدنة، والذي وصفه بـ"انتصار للشعب الفلسطيني ومقاومته الشامخة". وأكد موقف بلاده الثابت في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة.

هل غيَّر التطبيع موقف المغاربة من فلسطين؟

هذا ومنذ اندلاع الأحداث الأخيرة بالأراضي الفلسطينيَّة، عادت القضية الفلسطينيَّة إلى زخمها داخل الرأي العام المغربي، خالقة شقاقاً وسط وسائل التواصل الاجتماعي؛ بين من يتعاطف معها ويعتبرها قضيَّة وطنيَّة، ومن يرى أن للمغاربة أولويات داخلية أهم من التضامن مع فلسطين التي تبعد عنهم جغرافياً.

حسب أسامة ب. (24 سنة، صحافي مغربي) فـ"القضية الفلسطينية تعني لنا الكثير، فلقد اعتبرناها، وما زلنا نعتبرها، قضية وطنية شأنها شأن قضايانا الوطنيَّة الأخرى". أسامة الذي تحدث إلى TRT عربي، يضيف: "لا أعتقد أن الشعب المغربي بكل أطيافه مال نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، رغم وجود فئة قليلة ومعزوله جعلت من الهوية في صراعها مع الثقافات الأخرى مطيَّة للهرولة نحو التطبيع".

ما يقصده المتحدِّثُ بقوله هو شريحة من الرأي العام المغربي تعتبر أن الصراع دخيل على هويَّة المغرب الأمازيغيَّة حسب وصفهم. في هذا السياق، يضيف أسامة: "مع الاحتلال والاعتراف به أرادت هذه الفئة تنقية ما تعتبره هويَّة ثقافية مغربية من تصورات تعتبرها هي الأخرى عروبية ودينية دخيلة، لكنه للأسف هذا كلام باطل أريد به حق، فالقضية الفلسطينية قضيه إنسانيه قبل أن تكون أيديولوجية".

في توافق معه تأتي شهادتنا الثانية، رضا آ. (23 سنة، طالب جامعي)، الذي صرَّح لـ TRT عربي: "كلنا تألمنا للمشاهد التي ملأت قنوات الأخبار، كلنا تعاطفنا مع الضحايا سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين. لكن يجب أن يكون تعاطفنا إنسانياً، وأن لا تطغى علينا الأيديولوجيا فنهمل قضايا ذات أولوية بالنسبة لنا كمغاربة".

بالنسبة لرضا: "إسرائيل دولة ديموقراطية شئنا أم أبينا، ولها وزنها في الشرق الأوسط، وبلادنا رابحة من التطبيع". ويسترسل في كلامه قائلًا: "يجب أن لا ننسى أن هناك جالية يهودية مغربية في إسرائيل، إنسانياً لها الحق في صلة الرحم مع بلد أجدادها، وهي كذلك مكسب ثقافي للمغرب وحتى اقتصادي في ما يخص الاستثمار والسياحة والخدمات".

فيما بالنسبة لأسامة الذي يعارض التطبيع، يرى: أنه "من المعلوم أن الحكومات والمؤسسات تساوم والشعوب تقاوم، انطلاقاً من هذا فإن التطبيع مسألة حكوميه فقط، ولا دخل للشعب المغربي فيها، وإن كانت بعض الفئات المعزولة ترحب بها لكنها تبقى حالات شاذة والشاذ لا يقاس عليه". قبل أن يختم الصحافي المغربي حديثه بالقول: "الاحتلال الصهيوني والمطبعون معه وجهان لعملة واحدة، ومبررو التطبيع أكثر تصهيناً من الكيان في حد ذاته".

هذا وكانت الرباط قد استأنفت علاقاتها بتل أبيب نهاية السنة الماضية، وأصبحت بذلك رابع دولة عربية توافق على التطبيع مع إسرائل، في ما سمي وقتها بـ"الاتفاق الإبراهيمي".

TRT عربي