تركيا تصبح مركزاً عالمياً لنقل واستخراج الغاز بفضل مشاريعها الأخيرة (AA)
تابعنا

لا شكّ أنّ أي اكتشاف كبير لاحتياطيات الغاز الطبيعي في المياه العميقة داخل البحر الأسود سيكون له تأثيرٌ بعيد المدى على الاقتصاد التركي، الذي يعتمد على الواردات في تلبية كل احتياجات البلاد من الطاقة تقريباً.

وتأتي المنفعة الكبرى في غضون عامين، إذ ستصير أنقرة قادرةً على تقليص فاتورة واردات الطاقة، ووقف استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بها.

ففي العام الماضي أنفقت تركيا نحو 41 مليار دولار على واردات الطاقة. ولطالما مثّلت مدفوعاتها لشراء الغاز الطبيعي، من دول مثل روسيا وأذربيجان، نوعاً من العبء على عملتها لسنوات.

وقال مصطفى طوبوز، الشريك المؤسس في شركة MNCM Consulting بأنقرة، لـTRT: "سيحل ذلك الكثير من مشكلات أمن إمدادات الطاقة لدينا، إذ تُنتج تركيا الآن نحو 1% فقط من غازها الطبيعي محلياً، وتستورد البقية".

وفي خطابٍ مُتلفز، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ الاحتياطيات المُكتشفة في المنطقة المعروفة باسم تونا-1 تُقدّر بنحو 320 مليار متر مكعب.

وتستهلك تركيا نحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، بانخفاضٍ عن استهلاك 50-55 مليار متر مكعب قبل بضع سنوات، بفضل تحويل بعض محطات الطاقة إلى العمل بالطاقة المتجدّدة.

وقد يستغرق تطوير الآبار البحرية فترةً تتراوح بين خمس وست سنوات، لكن صُنّاع السياسة في تركيا ما زال بإمكانهم تحقيق مكاسب أكثر فورية من هذا الاكتشاف عن طريق استغلاله كأداة مساومة، وفقاً لما أفاد به مُحلّل النفط والطاقة المُقيم في باريس صحبت كربوز TRT.

إذ قال: "ستنتهي العقود التركية مع الموردين على كمية 38 مليار متر مكعب من الغاز (سنوياً) بحلول عام 2026، واكتشاف الغاز هذا يعني أنّ تركيا ليست في عجلةٍ من أمرها لتجديد تلك العقود، ممَّا يمنح تركيا أفضليةً كبيرة في إعادة التفاوض على الشروط والأسعار".

ثمار العمل

اعتمدت تركيا طيلة عقود على واردات الطاقة نظراً للقناعة العامة بين صناع السياسة والقطاع الخاص بأنّ جغرافية البلاد لا تحتوي على احتياطيات من الهيدروكربونات.

لكن الاكتشافات المتتالية من جانب دول إقليمية مثل إسرائيل، واستبعاد تركيا من مشهد الطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط، دفعت بأنقرة إلى تسريع جهودها الخاصة.

اقرأ أيضاً:

وبموجب السياسة الجديدة اشترت تركيا في عام 2017 سفناً لرصد الزلازل والحفر من أجل بدء التنقيب في مياهها الإقليمية.

ويقول كربوز إنّ إمكانات الطاقة في البحر الأسود وشرق المتوسط، حيث عثرت مصر على حقل ظهر الضخم للغاز عام 2015، ما تزال غير مستغلة إلى حدٍ كبير.

وأردف: "إنّها منطقةٌ ضخمة للغاية، ولم تشهد سوى حفر 40 أو 50 بئراً فقط حتى الآن".

وما يزال على تركيا التحالف مع شركةٍ متعددة الجنسيات من أجل تطوير حقلها، وهي العملية التي ستُكلّفها مليارات الدولارات.

في حين قال طوبوز: "بينما يُساعد هذا المشروع تركيا بوضوح على خفض عجز حسابها الجاري، لكن تكلفته المالية والالتزامات الأخرى المتعلّقة به ستكون بالدولار الأمريكي. وسيكون له تأثيرٌ إيجابي على المدى البعيد بالطبع، ولكنّني لا أتوقّع انخفاضاً كبيراً في فاتورة الغاز لدى المستهلكين النهائيين على المدى المتوسط أو القريب".

وجاءت أنباء الاكتشاف بالتزامن مع زيادة تركيا التدريجية لوارداتها من الغاز الطبيعي المسال من أجل الاستفادة في المقام الأول من انخفاض أسعار الغاز العالمية، رغم أنّ الغاز الذي يصل من أذربيجان وروسيا عبر الأنابيب ما يزال المصدر الرئيسي للإمدادات.

في حين قال جون باولوس، رئيس تحرير موقع Energy Reporters الفرنسي، لـTRT إنّ تركيا لن تكون قلقةً للغاية بشأن تطوير احتياطيات الغاز الخاصة بها حتى مع انخفاض الأسعار.

اقرأ أيضاً

وأردف: "بشكلٍ عام سيظل الغاز الطبيعي موجوداً لنحو 30 أو 40 عاماً. وفي حال أرادت دولةٌ مثل تركيا الاستثمار في اكتشافٍ جديد الآن، فسوف يُؤتي ذلك الاستثمار ثماره في المستقبل".

وقد أجبر تراجع أسعار النفط بعض الشركات على وقف العمل في مشاريع تزيد الإمدادات للسوق، ممَّا قد يُؤدّي إلى نقصٍ في الغاز مستقبلاً.

لكن وجود البنية التحتية لخطوط الأنابيب، مثل ترك ستريم في البحر الأسود، سيُسهّل على تركيا تصدير الغاز من حقولها بحسب باولوس.

والعثور على احتياطيات الغاز في البحر الأسود، وليس في منطقة شرق المتوسط المضطربة سياسياً، يُبشّر بالخير لتركيا.

ويقول باولوس: "إنّ بناء خط أنابيب لتصدير الغاز في منطقة شرق المتوسط سيُمثّل تحدياً كبيراً بالنظر إلى التوترات السياسية".

TRT عربي