تابعنا
لم تسلم التجربة الديمقراطية الفتية في تونس من محاولات الاستهداف المستمرة من أطراف داخلية وخارجية، لم تدخر الجهد في محاولة إجهاضها. حتى فوجئ الجميع بإعلان تجميد أعمال البرلمان وحل الحكومة، في سابقة خطيرة.

يرى محللون أن عدة عوامل قد تظافرت ليبدو المشهد كما هو عليه اليوم في تونس، بين وضع اقتصادي واجتماعي متدهور، وتفشٍّ لوباء عالمي مستجد أجهز على المنظومة الصحية، وحالة عطالة سياسية استغرقت فيها الطبقة السياسية في التجاذبات والتصادمات الشخصية وأغفلت المصلحة العامة، ورئيس جمهورية لم يتردد في أي مناسبة من إثارة الفزع بخطاباته المتشنجة حسب مراقبين، ورفض التعامل مع مؤسسات الحكم بدعوى معاداة الأحزاب والدعوة إلى تغيير النظام السياسي، في وضع لن يزيده ذلك إلا مزيداً من التأزيم.

زاد من حدة التوتر والخلاف السياسي، إثارة ملف الفساد والتهم التي طالت شخصيات اعتبرها رئيس هيئة مكافحة الفساد شخصيات نافذة. وتعلل قيس سعيد حينها بتعطيل أداء اليمين الدستورية ورفع الحصانة اليوم عن نواب البرلمان، للاشتباه في قضايا فساد تطال عدداً كبيراً من المسؤولين ورجال الأعمال. لتبدو فكرة محاربة الفساد ومحاكمتهم مغازلة للجماهير المحتشدة في الشارع منذ فترة تحتج على أوضاع معيشية متدهورة

وعلاوة على الأطراف الداخلية، لعبت أطراف وجهات خارجية دوراً كبيراً في إضعاف التجربة وإرباك مسارها، فبعد أن استمرت كتلة الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي في إرباك المشهد السياسي وإثارة الفوضى تحت قبة البرلمان، وترذيل العملية السياسية، كشفت وسائل إعلام أجنبية وقادة سياسيون تورط دولة الإمارات في الإعداد لمخطط انقلابي في تونس.

مخطط انقلابي تقوده الإمارات

أثار خبر تجميد الرئيس التونسي لأعمال البرلمان وحل الحكومة جدلاً وطنياً ودولياً واسعاً، بين من اعتبره انقلاباً تام الأركان، وإعداماً للديمقراطية الناشية في تونس وبين من اعتبره تعديل مسار واستجابة لمطالب فئة من الشعب دفعت نحو اتخاذه.

وبين مندد ومستنكر ومهلل ومصفق للخبر، تواصل الانقسام والاختلاف وزادت حدة التوتر والمشاحنات في الشارع التونسي. وتكاد تجمع غالبية مكونات المشهد السياسي أن ما أقدم عليه قيس سعيد حنث وانقلاب وتأويل تعسفي لفصول الدستور بما يخدم مصالحه وتوجهاته، ولم يستبعد في ذلك وقوف أطراف أجنبية للاستثمار في الأزمة والتخطيط المسبق لانقلاب يجهز على المسار.

وفي هذا السياق تحدث رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لقناة TRTعربي، متهماً دولة الإمارات بالدفع نحو الانقلاب واستهداف مقرات حزب النهضة في كامل تراب الجمهورية، قائلاً بأن "وسائل إعلام إماراتية تقف وراء الدفع نحو الانقلاب واستهداف مقرات حركة النهضة". ذلك أن تونس كانت من بين الدول الوحيدة التي نجحت في إرساء دعائم نظام ديمقراطي بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.

بدوره ندد القيادي بحركة النهضة، نور الدين البحيري بأعمال الحرق والتخريب والاعتداءات التي طالت مقرات من حزب النهضة ويرى تورط جهات خارجية في تأليب الأوضاع قائلاً: "مشروع الفوضى والانقلاب المدعوم من الخارج ومن قنوات الحدث والعربية فشل وانتهى".

ويتهم سياسيون ومحللون، دولة الإمارات بالإطاحة بتجارب في بلدان عربية أخرى ودعم انقلابات عسكرية فيها، وتستمر على نفس المنوال في التدخل في السياسة الداخلية التونسية عبر تحريك بعض أذرعها لإفشال التجربة الديمقراطية التي أصبحت مثالاً مزعجاً لهم في المنطقة، وربما يعدون وجود دستور وديمقراطية وبرلمان منتخب وأحزاب سياسية، تهديداً لوجودهم ومخططاتهم.

عبير موسي أداة لتمهيد الانقلاب

منذ وصولها إلى المجلس، تعمدت عبير موسي تعطيل أعماله وافتعال الفوضى وإرباك سير الأعمال تحت قبة البرلمان. ونجحت في ترذيل المشهد السياسي واستدراج الفاعلين فيه نحو الصراع والتصادم، الذي أثار سخطاً شعبياً واسعاً وغضباً على كل النخبة السياسية المختزلة في مشاهد الشجارات المتكررة في البرلمان في أوضاع اقتصادية واجتماعية متفجرة.

واتهم القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري في وقت سابق عبير موسي بتمهيد الطريق لقوى خارجية مثل دولة الإمارات للانقلاب على الدولة التونسية المنتخبة وشدد البحيري قائلاً بأنهم متمسكون بتطبيق القانون والدستور، ورفض أي محاولة للانقلاب على الشرعية في تونس، وإدانة أي ولاء للأجنبي، ومتمسكون بالولاء لتونس وشعبها.

ورغم أن كل الكتل السياسية أدانت الفوضى التي أثارتها كتلة الدستوري الحر ورئيسته من اعتصامات مستمرة واقتحامات وتعطيل لعمل اللجان، واعتداء على موظفين ونواب بالمجلس، لم تتوانَ موسي عن محاولتها لإسقاط البرلمان ومحاربة خصمها الوحيد المتمثل في حركة النهضة.

فيما حذر النائب صافي سعيد في وقت سابق مما تقوم بيه عبير موسي وكتلتها التي تضم رموز النظام السابق لابن علي الذي أطاحت به ثورة يناير/كانون الثاني 2011 قائلاً: إني أكاد أسمع دبيب الفوضى والاقتتال الأهلي والمارشات العسكرية، للانقلاب على المسار الديمقراطي بطرق مخاتلة. لا أحد سيستفيد من تلك الأساليب المخاتلة والملتبسة والغامضة والخطيرة، وأولهم الرئيس قيس سعيد. أكاد أجزم أنه دخل في منطق ملتبس أصبح سجيناً بداخله، هو منطق النكران لنظام سياسي هو رئيسه ولنظام انتخابي جعل منه رئيساً كامل الأوصاف، ولكنه غير مكتمل المدارك لقواعد اللعبة الخطرة.

وبعد أن نجحت في شل عمل البرلمان، ولعبت على الثغرات للمراهنة على عجز الطبقة السياسية في إدارة البلاد، تختفي اليوم موسي ولم تدلِ حتى هذه اللحظات بأي تصريح، حول المشهد الذي كانت سبباً في تشكيله.

TRT عربي