الرئيس الإيراني حسن روحاني (AFP)
تابعنا

يصنف خبراء ومحللون حال الاقتصاد الإيراني منذ مطلع العام الجاري 2020 على أنه أسوأ مرحلة تمرّ بها إيران في العقد الأخير، وبلغ عجز موازنة الجمهورية الإسلامية 33 ملیاراً و333 ملیون دولار، في بلد يعاني التهرب الضريبي وعدم ضبط النفقات والفساد الإداري الذي تتقاذفُ تهمه التيارات السياسية، حتى أنه وصل إلى القضاء والبنك المركزي.

بين مشهدين

تحاول إيران أن تظهر بصورة متعافية في المشهدين الداخلي والخارجي، فعلى صعيد الداخل قدمت إحصائيات ومعدّلات مطمئنة حول النمو الاقتصادي أجراها مركز الإحصاء التابع للبرلمان، إلّا أنَّ البنك المركزي الإيراني قدمَ إحصائيات ومعدّلات مختلفة أثارت لغطاً في الشارع. كذلك نقلت الحكومة على لسان المساعد الأول للرئيس روحاني، إسحاق جهانغيري، كلاماً عن مشاعر الحكومة تجاه غلاء الأسعار والأزمة الاقتصادية، جاء فيه أنَّ الحكومة تعلمُ بأحوال الناس وتتعاطف معهم.

أما المشهد الخارجي فقد سعت إيران إلى تقديم صورة متعافية لاقتصادها في الساحة الدولية، جاء ذلك بعد إعلان تنفيذ قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على نظام الأسد ومعاونيه، إذ صرح مسؤولون إيرانيون بضروة مواصلة دعم إيران لنظام الأسد ورفع مستوى التعاون والاتفاقيات بين الطرفين عشية نفاذ القانون، بعد جلسة سرية في مجلس النواب الإيراني وفي اتصال هاتفي بين جهانغيري ورئيس الوزراء السوري حسين عرنوس.

الاقتصاد لا يسمح بأي مغامرة

توقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني، بنسبة 6.0 في المئة مقارنة بالسنة الماضية حيث كانت نسبة النمو 7.4 في المئة، بينما في العام 2018 بنسبة 5.4 في المئة، ليشهد الإقتصاد الإيراني مرحلة حرجة للعام الثالث على التوالي.

ومن المتوقع، وفق تقرير صندوق النقد،أن تصل نسبة الانكماش إلى 3.1 في المئة في السنة القادمة. وفي ظل هذا التراجع تواجه إيران العقوبات المشدّدة التي تفرضها الولايات المتحدة، وتلوح بعقوبات جديدة ضمن سجال الطرفين حول الملف النووي الإيراني.

للمزيد حول الموضوع، يمكنك قراءة:

كيف تعزز إيران من سيطرتها الاقتصادية على العراق

ورداً على تقرير صندوق النقد الدولي، اعتبر محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي تقرير الصندوق مضللاً وغير حقيقي، وأنَّ الأرقام الواردة جاءت على اعتبار الحجر الصحي سيستمر طويلأ، كذلك أكد أن الاقتصاد الإيراني لا يقوم فقط على النفط الذي يشهد انخفاضاً كبيراً في الأسعار، تزامناً مع فاتورة كورونا الباهظة التي تتكبدها إيران ضمن أكثر الدول التي ينتشر فيها فيروس كوفيد 19 المستجد.

وتشهد العملة الإيرانية مأزقاً كبيراً في أسعار الصرف، إذ بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أكثر من 20 ألف تومان في سوق الصرافة، في حين تقول الأرقام الرسمية إن سعر الصرف لم يتجاوز 18ألفاً و950 توماناً، يقع هذا ضمن انهيار سعر صرف التومان منذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران عام 2018، إذ وصل سعر الصرف حينها إلى 18 ألف تومان للدولار الواحد واستمر تراجع الصرف حتى اليوم تزامناً مع انخفاض مبيعات النفط الإيرانية من 2.5 مليون برميل في اليوم إلى 100 ألف برميل، لتشهد العملة تراجعاً كبيراً أمام العملات الأجنبية، حيث بلغ سعر صرف اليورو 22 ألف تومان لليورو الواحد.

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الإيراني مرتضى افقه، في حوار مع وكالة الأنباء الإيرانية "إيلنا"، أنّ ما تشهده العملة الإيرانية اليوم ينبئ بتضخم اقتصادي خطير ستعيشه إيران في الأيام القادمة، وسيؤدي إلى إفقار الطبقات الفقيرة أكثر.

ويؤكد افقه أن طبقة العمال وصغار الكسبة هم أول من سيدفع فاتورة التضخم الذي زادت نسبته في الشهر الجاري عن 40%، إذ ستخلو موائدهم من الطعام الذي اعتادوا أكله، على حد قوله.

وتترواح نسبة الفقر في إيران من 30 إلى 40 في المئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وفي تصريح لمحافظ طهران أنوشيروان محسني بندبي، قال إنَّ خط الفقر في طهران 4.5 ملايين تومان في حين أنه في سائر المدن الإيرانية مليونين و100 ألف تومان.

وحول أزمة السكن وارتفاع أسعار المساكن، قال مساعد وزير الطرق وبناء المدن محمود محمود زادة إنَّ سعر متر البناء في طهران يشهد ارتفاعاً غير مسبوق في الشهور الأخيرة بنسبة 23%، وقد وصل ثمن المتر الواحد إلى 19 مليون تومان.

إصرار إيراني وبحث عن بدائل

بعد نفاذ قانون قيصر الذي تفرضه الولايات المتحدة على نظام الأسد في سوريا وداعميه، أعلنت طهران عن مواصلة دعم الأسد ولم يلبث مسؤولوها أن أظهروا تحدي دولتهم لأمريكا رغم الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمرّ بها إيران وتعثر مباحثات الملف النووي الذي زاد من العقوبات عليها، إذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات جديدة تستهدف 8 شركات إيرانية تعمل في قطاع المعادن، وهي شركات تمثل العمود الفقري لإنتاج المعادن والصلب في إيران.

للمزيد حول الموضوع، يمكنك قراءة:

إيران تواجه أمريكا باستنزاف محفوف بالمخاطر

وقال روحاني إنَّ العقوبات الواقعة على إيران ستخلق لها فضاءات جديدة للعمل والإنتاج، مشيراً إلى رغبة إيران في عدم الاعتماد الكلي على مضيق هرمز في تصدير النفط، كان هذا خلال افتتاح مشروع خط أنابيب ينقل النفط من منطقة "غورة" في بوشهر (جنوب) إلى منطقة "جاسك" (جنوب شرق) المطلة على بحر عمان، في خطوة إيرانية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط في ظل مرحلة العقوبات الجديدة، وليكون بحر عُمان بديلاً عن مضيق هرمز باعتباره بؤرة ساخنة للخلافات وتعطيل تصدير النفط الإيراني الذي تراجع تصديره بصورة ملفتة في الآونة الأخيرة.

وفي سياق الردود الإيرانية على العقوبات الأمريكية، قال القائد العام للجيش الإيراني اللواء سيد عبد الرحيم موسوي إن الجيش يشهد تطوراً كبيراً في المجالات البرية والجوية والبحرية، خلال إعلانه عن تسليم القوة الجوية للجيش ثلاث طائرات مقاتلة من طراز كوثر محلية الصنع، وأكد أن العقوبات والحظر الأمريكي المفروض عادَا على الجيش بنتائج إيجابية تجعل إيران أقوى ممّا كانت عليه قبل الحظر.

وتسعى إيران إلى إيجاد داعمين لها من دول الإقليم، ومن هذا لقاء روحاني بسفير باكستان الجديد في إيران، وتأكيده حرص طهران على الوصول إلى تعاون أكبر مع إسلام آباد في مختلف جوانب التعاون.

كذلك التقى روحاني بسفير المجر في إيران وحثه على تشجيع الشركات التجارية والاقتصادية في كلا البلدين لتنمية العلاقات الاقتصادية.وأعلنت الخارجية الإيرانية على لسان وزيرها جواد ظريف، عن مباحثات تجري بين إيران والصين لمناقشة التطورات التي تعيشها إيران على الساحة الدولية، وعن تعاون ثنائي بين البلدين، وكان جواد ظريف قد قام بجولات دولية تهدف إلى توطيد العلاقات مع حلفاء إيران في روسيا، والسعي نحو تعاون تركي لإيجاد داعمين جدد أمام ما تواجهه إيران من حظر وضغوط.

المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تبلغ مجلس الأمن الدولي أن قانون "قيصر" دخل حيز التنفيذ (Reuters)
TRT عربي