تابعنا
”لا لترمب“ في مواجهة ”نعم لترمب“. هذان هما البرنامجان الانتخابيان المعتمدان في المعركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. معركة حول ”الشخص“ نفسه جعل ترمب العصفور الوحيد الذي يجب التصويب عليه الآن ليسقط.

"Nope" وهي كلمة عند الأمريكيين تعني "لا" حاسمة ونهائية ولا رجعة عنها، الحروف الأربعة تحتل معظم مساحة اللافتات التي زرعت في الباحات الأمامية للبيوت المؤيدة لجو بايدن. لن تعني هذه الكلمة شيئاً إلا حين يضاف فوقها التسريحة الشقراء الشهيرة للرئيس الأميركي.

لافتة تختصر الحرب الدائرة الآن في الولايات المتحدة الأمريكية حول واحد من أكثر الرؤساء إثارة للجدل في تاريخ هذا النادي الذي افتتح قبل 231 سنة.

"لا لترمب" في مواجهة "نعم لترمب". هذان هما البرنامجان الانتخابيان المعتمدان في المعركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. معركة حول "الشخص" نفسه جعل ترمب العصفور الوحيد الذي يجب التصويب عليه الآن ليسقط. وإذا ما سقط معه مجلس الشيوخ وتحققت الغالبية فيه للديمقراطيين، وأضيف إلى مجلس النواب الذي يخضع لهم، يكونون قد حققوا الموجة الزرقاء-الحلم.

ولأن دونالد ترمب هو الرئيس، فهو حكماً في موقع أضعف، مضطر لأن يبدأ معركته الانتخابية مدافعاً عن نفسه، وعما فعل ليس طوال فترته الرئاسية الأولى فحسب، بل خلال الأشهر العشرة من هذا العام الفريد من نوعه. لو أن هذه الانتخابات كانت ستقع بتاريخ الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 لكان ترمب اليوم في حال أفضل بمراحل، لكنها وقعت في واحد من أسوأ أعوام القرن على البشرية، وعلى الولايات المتحدة بالتحديد.

الفخر "بأعظم بلد في العالم" كما يرى الأمريكيون ولاياتهم المتحدة، ليس تفصيلاً عابراً. الأمريكي العادي يثق بأنه الأقوى عسكرياً واقتصادياً وصحياً وتكنولوجياً. شبكة أمان التي يركن إليها سرعان ما فُضحت هشاشتها، ومدينة عريقة بحجم نيويورك لا تعود قادرة على تأمين مدافن لائقة لضحايا كورونا وأسرّة وأجهزة تنفس للمصابين به.

وبينما يفلت الفيروس من عقاله وتسقط فيه الولايات واحدة بعد أخرى، ويجعل أمريكا في الطليعة بعدد المصابين والموتى، يعجز الأمريكيون عن تأمين الكمامات، وتنفد رفوف المتاجر من ورق التواليت وتتبخر ملايين الوظائف، وتغلق مئات آلاف المصالح الصغيرة التي يفخرون بأنها عماد حياتهم وحلمهم الأمريكي. ومع أن أمريكا في الواقع ليست بيتاً من ورق، إلا أنها بدت كذلك. وبعد أشهر على الوباء تبدو عاجزة عن مواجهة آثاره كما يفترض بها، وكل ما تستطيعه هو الاحتماء ما أمكن منه والتقليل ما أمكن من أضراره وآثاره الاقتصادية والاجتماعية.

في أشهر، انقلب البلد رأساً على عقب، والرئيس ترمب يصر في المقابل، أن كل شيء على ما يرام، وأن الفيروس ”الصيني“ سيختفي قريباً، وأن الاقتصاد في أفضل حالاته، وأنه لولاه لكان عدد الضحايا بالملايين.

وفي قلب هذه الحالة المزرية، جاءت قضية مقتل جورج فلويد لتنفخ الرماد عن جمر المسألة العنصرية الأشد حساسية في ثقافة البلد وتاريخه وحاضره ومستقبله. مثل هذه الأحداث التي تدفع الشرخ الأمريكي ليطفو على السطح، لا يمكن لأي رئيس أمريكي إلا أن يواجهها بخطاب مترفع عن الانقسام الحزبي، وعن التهجم على شخصه، ليحاول لمّ شمل الأمة.

لكن ترمب، على عادته، تبنى خطاب المواطن الأمريكي المحافظ الخائف ضمناً من الآخر، والذي لا يرى من التظاهرات إلا أعمال الشغب. ومع أن الخطاب العابر للانتماءات كان سيصب في مصلحته سياسياً، إلا أنه فضل ألا يخيب ظن جمهوره الوفي. بدلاً من أن يحاول رأب الصدع، زاد في تعميق الهوّة.

كورونا إذن، ثم جورج فلويد. أما ورطة دونالد ترمب الثالثة فكانت جو بايدن. مراراً وتكراراً قال ترمب إنه كان يفضل ”المجنون“ بيرني ساندرز، الديموقراطي الاشتراكي أو ”بوكاهنتس“ إليزابيث وارن على بايدن. هما خصمان سهلان في نظره. سيتهمها بأنهما شيوعيان آتيان ليقضيا على الدين والرأسمالية والحرية وإلى آخره.

هذه اتهامات لا ثقل لها البتة مع بايدن. نائب الرئيس السابق هو الابن المخلص للنظام وثقافته السياسية. الموجود منذ 47 عاماً في أروقة الكونغرس والمكتب البيضاوي. مشرّع متزن وفخور بقدرته على التنقل بين جهتي الممر الفاصل بين الحزبين للوصول إلى نقاط التقاء. جو العادي الذي لا يتمتع بالكاريزما المطلوبة، لكنه على الأقل مُجرّب من الأمريكيين، ومعروف باعتداله. هو ببساطة ما يسوّق له حليفه وصديقه الرئيس السابق باراك أوباما: الرجل الذي يمكن للأمريكيين أن ينصرفوا إلى أعمالهم مطمئنين إلى أنه يبذل أقصى جهده في خدمتهم، ولا يمضي نهاره في مكتبه البيضاوي مغرداً على تويتر.

جو الذي يُركن عليه لإعادة أمريكا إلى رشدها واستقرارها في مقابل ترمب الذي يتعامل مع الرئاسة بصفتها تلفزيون واقع، كما يكرر أوباما في التجمعات شبه اليومية مؤخراً.

"جو النعسان"، "المختبئ في القبو"، "صاحب القناع هائل الحجم"،نعوت يطلقها ترمب مراراً وتكرراراً على خصمه،لن تنفع بدورها خاصة إذا أتت من رئيس لم يستطع حماية نفسه من الكوفيد، وعبر عن سعادته الشديدة بترف أن يكون لديه كل هذا العدد من الأطباء، بينما عدد قتلى الفيروس يكاد يلامس الـ300 ألف من غير المحظوظين بطواقم طبية كتلك التي للرئيس.

انقلب الحظ على ترمب في عام الانتخابات، والأرقام كلها لا تبشره بالخير. لا يوجد استطلاع رأي واحد على الصعيد الوطني يضعه في المقدمة. كل استطلاعات الرأي، بما فيها تلك التي تجريها فوكس نيوز، تظهر تقدم بايدن بمعدل عشر نقاط مئوية عنه. موقع fivethirtyeight يطرح 40 ألف سيناريو للانتخابات، يجددها يومياً بناء على استطلاعات الرأي، ويتوقع الفوز لبايدن بنسبة 89٪.

زخم المعركة الانتخابية الآن يجري في ولايات الحزب الجمهوري وبين جمهوره المفترض. الترجيحات تشير إلى أن فوز بايدن بولاية بنسلفانيا مثلاً سيمنحه ورقة العبور إلى البيت الأبيض. ولاية كبرى تعتبر عريناً جمهورياً مثل تكساس تبدو مهددة بالانزياح باتجاه الحزب الديمقراطي. ومع أن استطلاعات الرأي أخطأت بشدة في العام 2016 ومن الممكن أن تخطئ هذه المرة أيضاً، لكن ليس بالهامش المريع نفسه الذي فاجأ ترمب وهيلاري كلينتون والعالم قبل أربع سنوات. الجهات المستطلعة في المرة الفائتة تعلمت من أخطائها. نساء الضواحي والمسنون والبيض من غير حاملي الشهادات الجامعية، فئات مؤثرة تبدو أنها تميل لبايدن. الأقليات، الديموقراطية عادة، أكثر حماسة للتصويت. الاقتراع المبكر يتوقع أن يصل إلى مئة مليون قبل الثلاثاء المقبل مما يشير إلى نسبة مشاركة كبيرة في الانتخابات غالباً ما كانت تصب تاريخياً في مصلحة المرشح الديموقراطي.

كل المؤشرات تصب في غير مصلحة ترمب، لكن لا أحد سيجرؤ على التنبؤ بالمستقبل القريب أو الأبعد قليلاً في البلاد التي تتحول في مثل هذه الأيام إلى حلبة مصارعة حرة تمتد من المحيط إلى المحيط، وقد أنهكها الفيروس الجديد والانقسام العتيق عتق تأسيسها بين وجهتي نظر متضادتين تماماً ونادراً جداً ما التقتا.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

أحد المارة يتوقف لالتقاط صورة ذاتية مع صور منحوتة من الرغوة للرئيس دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن (AP)
TRT عربي