إيران والسعودية تواصلان عقد جولات جديدة من المحادثات (AA)
تابعنا

في ظل انشغال حكومة مصطفى الكاظمي في العراق بالانتخابات التشريعية ونتائجها، واصلت إيران والسعودية عقد جولات جديدة من المحادثات، بعد 4 جولات رعتها الحكومة العراقية في أوقات سابقة.

وكان آخر تلك الجولات نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حسبما نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر عراقية، وعقدت في مطار بغداد الدولي بين وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، بحضور الكاظمي ومسؤولين كبار من البلدين.

ولم تؤكّد السعودية أو تنفِ عقد هذا اللقاء الذي كشفت عنه صحيفة طهران تايمز.

وكان الكاظمي شكّل لجنة مصغرة من وزارة الخارجية والأمن الوطني والاستخبارات ترتبط بمكتبه لمتابعة الحوار بين طهران والرياض، وفق مسؤول حكومي عراقي، فيما كشف النائب عن التيار الصدري بدر الزيادي، استمرار الوساطة العراقية إثر الانتخابات، بعد أن "بلغ الحوار الإيراني السعودي مراحل متقدمة".

الملف اليمني

وتشير تقارير إعلامية وفقاً لمسؤولين عراقيين، إلى أن الملف اليمني على قائمة أولويات الحوار الثنائي، إضافة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل الأول من يناير/كانون الثاني 2016 عندما قطعت السعودية علاقاتها مع إيران، إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، احتجاجاً على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.

وكانت بغداد استضافت أولى جولات الحوار أوائل أبريل/نيسان الماضي بجلسات "سرية" بين مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين سعوديين وإيرانيين.

وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن جولة جديدة هي الرابعة من المباحثات مع مسؤولين إيرانيين جرت فعلا في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، بلا ذكر لأي تفاصيل عن مستوى التمثيل أو مكان عقد الاجتماع أو طبيعة المباحثات التي وصفها بأنها "محادثات استكشافية يمكن أن تضع "أساساً لمعالجة المواضيع العالقة بين الطرفين".

تفاؤل إيراني

لكن إيران بدت أكثر تفاؤلاً في الحديث عن إيجابيات مثل هذا الحوار الدبلوماسي والنتائج المتوقعة، لـ"بدء علاقة ثنائية ضمن إطار مفيد للجانبين"، وأن الحوار في "أفضل حالاته"، وفقاً لتصريحات سعيد خطيب زاده المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية في 4 أكتوبر/تشرين الأول.

لكن خطيب زاده رفض في تصريحاته تلك تأكيد أو نفي التقارير التي تحدثت عن زيارة وفد أمني سعودي لطهران، لترتيب إعادة فتح سفارة بلادهم في طهران، وزيارة وفد أمني إيراني للرياض لذات الغرض.

ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون إيران والعراق، ترحيب الولايات المتحدة بالحوار المباشر بين إيران والسعودية، على أمل تخفيف حدة التوترات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.

متغيرات سياسية

ويرى متابعون أن قبول السعودية بالوساطة العراقية والجلوس مع الإيرانيين لأول مرة منذ 5 سنوات، يأتي في سياق أوسع من المتغيرات التي طرأت على السياسة السعودية منذ انتهاء رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب مطلع العام، ومجيء إدارة جديدة وجهت انتقادات عدة إلى السعودية في ملفات حقوق الإنسان والحرب في اليمن، وما يتعلق بتخفيض مستوى التعاون العسكري الذي تَمثَّل في إلغاء بعض صفقات التسليح وسحب منظومات الدفاع الجوي الأمريكية وغير ذلك.

وتقدمت السعودية بخطوات تجاه المصالحة مع دولة قطر بعد قطيعة سنوات، والانفتاح أكثر على التعاون مع روسيا والصين، في ظلّ تحسن واضح في العلاقات مع أنقرة، وموقف أقلّ تشدداً من النظام السوري، وإقامة علاقات تعاون مع دول حليفة لإيران مثل العراق، بالإضافة إلى فتح قنوات التواصل والحوار مع إيران.

وتركز السعودية على جذب جماعة الحوثي إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب في اليمن، بمساعدة إيران التي تُعَدّ الداعم الأول للجماعة، وفق آلية يتفق عليها البلدان، إضافة إلى جماعة الحوثي.

وكثيراً ما وجهت السعودية الاتهامات إلى إيران بدعم تلك الجماعة وجماعات عراقية شنّت عدة هجمات على منشآت السعودية النفطية انطلاقاً من الأراضي العراقية، أكدتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسعودية أيضاً.

وتدخلت السعودية لقيادة تحالف دعت إليه حكومة اليمن برئاسة عبد ربه منصور هادي منذ عام 2015، بعد 6 أشهر من استيلاء جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.

كانت تقديرات السعودية أن الحرب يمكن حسمها لصالح حكومة الشرعية خلال أسابيع قليلة إلى أشهر، لكن هذا لم يحدث لأسباب قد يكون من أهمّها الدعم الإيراني لجماعة الحوثي.

اليمن.. عبء عسكري

مع انسداد الأفق لأي تسوية سياسية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، وفشل محاولات مبعوث الأمم المتحدة للتوسط بين طرفي الحرب، واستمرار عجز الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف عن حسم الحرب عسكرياً، ومواصلة الحوثيين استهداف العمق السعودي بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وأسباب أخرى، اضطُرّت السعودية التي تتحمل العبء العسكري والمالي الأكبر في الحرب، إلى قبول إعادة علاقاتها مع إيران الداعمة لجماعة الحوثي، والتي يمكن لها أن تمارس ما يلزم من الضغوط لقبول الجماعة بالجلوس إلى طاولة التفاوض للتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن.

كما تحاول السعودية إنهاء حرب اليمن للتفرغ لمشاريع تنموية تكفل الانتقال من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على الإيرادات النفطية، إلى اقتصاد متنوع ينسجم مع رؤية 2030، ويعتمد تنمية مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك مشروع "نيوم" الاقتصادي الذي تبلغ كلفته التقديرية أكثر من 500 مليار دولار.

وخفّت حدة الحملات الإعلامية بين البلدين في الأسابيع الأخيرة، في دلالة واضحة على "جدية" محادثاتهما، ورغبتهما في التوصل إلى حلول "توافقية" للقضايا العالقة ومعالجة الملفات الخلافية في ما يتعلق باليمن وسوريا ولبنان.

في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، واعتراض بعض ممثلي الكتل السياسية الشيعية على نتائج الانتخابات، يرى متابعون أن حكومة الكاظمي التي شكلت لجنة مصغرة لتنسيق لقاءات البلدين، قد تنشغل بالأوضاع الداخلية والأجواء غير الاعتيادية المتوقعة، بما يستدعي التفكير في احتمالات عقد لقاءات إيرانية-سعودية في بلد ثالث غير العراق، أو الانتظار لمتابعة التطورات في العراق.

وبعد أكثر من 7 سنوات على الحرب، تحاول السعودية إيجاد مخرج منها عبر تسوية سياسية تستند إلى المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي ومخرجات الحوار الوطني الذي وقعت عليه الأطراف اليمنية.

ولا يُنتظر أن تؤدي جولات الحوار بين السعودية وإيران إلى تفاهمات سريعة نظراً إلى طبيعة الملفات المُختلَف فيها والتباين في رؤية كل منهما لمصالحه في اليمن.

لكن المحادثات سيكون من شأنها على الأقل تخفيف الحملات الإعلامية المتبادلة، ومستوى العنف مرحلياً، واحتمالات تقديم تنازلات متبادلة، إيرانية في الملف اليمني، وسعودية في الملف السوري بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام الحليف الآخر لطهران.

TRT عربي - وكالات