تابعنا
تنبئ المرحلة التي بلغتها علاقة الجيش والحراك الشعبي بأن الطرفين يتجهان نحو التصعيد في ظلّ التضييق الأمني على المسيرات وتهديد قائد الجيش باتخاذ إجراءات قانونية ضدّ بعض المحتجين.

الجزائر ـــ عادت لغة التهديد إلى خطاب الجيش في لهجة تصعيدية ضدّ معارضيه من المحتجين مقابل تَحدٍّ واضح من المحتجين الذين صاروا ينتقدون الجيش وقائده بعدما وجّهوا سهام انتقادهم إلى رئيس الأركان قايد صالح متهمين إياه بالتنكُّر الحراك الشعبي، مما يُوحي بأن العلاقة بين الطرفين قد تدخل مسارات جديدة مجهولة العواقب.

تنبئ المرحلة التي بلغتها علاقة الجيش والحراك الشعبي بأن الطرفين يتجهان نحو التصعيد في ظلّ التضييق الأمني على المسيرات وتهديد قائد الجيش باتخاذ إجراءات قانونية ضدّ بعض المحتجين وإصرار المتظاهرين على تنفيذ مطالبهم.

بعد حالة من الانسجام والمرافقة شهدت العلاقة بين الحراك والجيش بعضاً من التوتر، لكن طغى عليها حوار الطرشان بسبب اختلاف رؤية الطرفين للخروج من الانسداد السياسي، لكنها في الجمعات الأخيرة دخلت مرحلة من التصعيد غلب عليها طابع التهديد من قائد الجيش، والتحدي من طرف المحتجين.

بعد حالة من الانسجام والمرافقة شهدت العلاقة بين الحراك والجيش بعضاً من التوتر لكن طغى عليها حوار الطرشان بسبب اختلاف رؤية الطرفين للخروج من الانسداد السياسي.

واتهم الفريق أطرافاً داخلية -لم يسمِّها- بالتآمر مع جهات "تحمل حقداً دفيناً للجزائر وشعبها" أزعجها الانسجام بين الجيش والشعب، وقال إن تلك الأطراف الداخلية "باعت ضميرها ورهنت مصير أبناء وطنها من أجل غايات ومصالح شخصية ضيقة".

وأكد أن الجيش يواصل التصدي "للمخططات الرامية إلى زرع الفتنة والتفرقة بين الجزائريين وجيشهم".

وإذ لم يُسَمِّ قايد صالح الجهات التي يقصدها، فإن الأصابع تتوجه إلى معارضي العسكر في الحراك الشعبي.

وقال في هذا الشأن "لقد آن أوان النظر الصارم المعتمد على حماية المصلحة العليا للجزائر، بشأن اتخاذ الإجراءات القانونية كافةً حيال كل ما يقوم به هؤلاء العملاء في حقّ مستقبل الشعب ومصير الوطن".

كما جدّد قايد صالح انتقاده لمن يرفعون رايات غير الراية الوطنية في المسيرات، قائلاً إنهم «تجرّؤوا على الراية الوطنية وأساؤوا احترام العلم الوطني".

وفي هذا الصدد يرى الكاتب والإعلامي عادل صياد، في تصريح لـTRT عربي، أنه في الوقت الذي كان قائد الجيش كان ينتظر فيه أن يخرج الملايين رافعين صوره وهاتفين باسمه بعد الزجّ برموز الفساد في النظام السابق في السجن، وجد أن الحراك ثابت في مطلبه بتغيير منظومة الحكم برمتها".

جدّد قايد صالح انتقاده لمن يرفعون رايات غير الراية الوطنية في المسيرات، قائلاً إنهم تجرّؤوا على الراية الوطنية وأساؤوا احترام العلم الوطني.

ولفت إلى أنه "للمفارقة كلما ازدادت التهديدات والتخوين ارتفع منسوب إصرار الجزائريين على حلمهم بمشروع دولة مدنية".

فبعد تخوين رافعي الرايات الأمازيغية امتدّ التضييق إلى رافعي الشعارات المناوئة لفلول نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يضيف عادل صياد.

تضييق أمني

وضيقت قوات الأمن على مزيد من مساحات الاحتجاج بالعاصمة، وذلك بوضع مئات العربات والشاحنات على أرصفة الشوارع، بهدف ثني المتظاهرين عن السير بها.

لكن هذا التصرف أثار حفيظة المتظاهرين، فصبُّوا غضبهم على السلطات الأمنية، وطالبوا قائد الجيش الجنرال أحمد قايد صالح بالوفاء بتعهُّداته بخصوص مرافقة الحراك وتلبية مطالبه، واعتبروه المسؤول عن هذا التضييق.

كما رفع المتظاهرون شعار "دولة مدنية لا عسكرية"، وهو شعار أثار حفيظة قائد الجيش، الذي انتقد المتظاهرين الذين يردّدونه بشدة، وقال عنهم إنهم يرفعون "شعارات كاذبة" و"أفكاراً مسمومة أملتها عليهم دوائر معادية للجزائر".

في حقيقة الأمر لا يهدّد قايد صالح من يطالب بدولة مدنية، فقط هو منزعج من الذين يرفعون الشعارات التي تقول "دولة مدنية لا عسكرية"، لأنه يعتقد أن أطرافاً تتهمه بأنه يريد إقامة حكم عسكري، حسب رأي نوري إدريس أستاذ علم الاجتماع السياسي، في تصريح لـTRT عربي.

ولفت إلى أن المؤسسة العسكرية تخشى أن اتهامها بالتراجع عن مكتسبات دستورية "قد تكون له تداعيات على الجيش، وقد يفتح الباب أمام مساومات داخلية وخارجية".

وأضاف أن الجزائر "ليست ديكتاتورية عسكرية لأن الجيش لا يمارس السلطة بشكل مباشر بشرعية القوة والسلاح، بل يكتفي باختيار أو المشاركة في اختيار مسؤولين مدنيين، ومراقبة السلطة المدنية، ويضع لها حدوداً يمنع تجاوزها".

ودعت المسيرات الشعبية في الأسابيع الأخيرة بشكل صريح إلى "تنحية الجنرال قايد صالح والمقربين منه من قيادة الجيش، وإحالته إلى السجن، كغيره من المسؤولين الموجودين حاليّاً في زنزاناته". وشددت على وحدة الشعب والجيش وعلى الدولة المدنية ورفض النظام العسكري.

ويبدو أن المؤسسة العسكرية تتّجه نحو اتخاذ تدابير جديدة ضدّ عدد من معارضيها من الحراك الشعبي، الأمر الذي يرشّح الوضع لمزيد من الاحتقان، بخاصة أن الانتقادات تصاعدت بشكل لافت ضدّ ما بات يوصف بالممارسات القمعية ضد النشطاء والمعارضين"، إذ سجن العشرات منهم.

دعت المسيرات الشعبية في الأسابيع الأخيرة بشكل صريح إلى تنحية الجنرال قايد صالح والمقربين منه من قيادة الجيش وإحالته إلى السجن كغيره من المسؤولين الموجودين حاليّاً في زنزاناته.

وفي هذا الصدد يعتقد نوري إدريس أن السلطة تقاوم وتسعى لتجديد نفسها، أو على الأقل تضمن مكاناً في النظام القادم، وأن هدف متابعة بعض الناشطين قضائيّاً هو إضعاف الحراك ومحاصرة مطالبه.

مآلات الحراك

بدل الانفراج تَعمَّقَت الأزمة السياسية في البلاد، بعد فشل المعارضة السياسية في وضع خارطة طريق للخروج من الانسداد السياسي، إذ فشلت مبادرة "قوى التغيير" التي انعقدت في 6 يوليو/تموز بسبب خلافات داخلية، وهو ما ينبئ بعودة القبضة إلى الاشتداد بين الجيش والشارع.

ولا يمكن لنجاح مظاهرات الجمعة الحادية والعشرين أن يحجب مخاوف فعلية من دعوات جديدة إلى تطوير الحراك الشعبي إلى إضراب عامّ أو عصيان مدنيّ، إذ شاركت في مظاهرات اليوم الجمعة مجموعات من المتظاهرين تدعو إلى حالة عصيان مدني.

وكان بعض الشخصيات السياسية، بينها مؤسس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، قد دعوا إلى التفكير في العصيان المدني كآلية جديدة للضغط على السلطة، بعد استهلاك الحراك للمظاهرات والمسيرات كأدوات ضغط.

ويُخشى من أن يضعف هذا الانقسام الحراك ويتيح للجيش التمدُّد في المشهد السياسي وإحكام مزيد من قبضته، وفرض تصوُّراته للحلّ السياسي.

كثيرون ينتابهم شعور بأن فشل الحراك في تحقيق مطالبه أو تلاعب السلطة به، قد يخلق جدّيّاً حالة توتُّر، ويولّد أشكالاً من العنف والعصيان المدني" في تقدير الكاتب والمحلل السياسي عثمان لحياني في تصريح لـTRT عربي.

واعتبر أن "هذه المخاوف لها ما يبررها في الميدان، في ظل تَقلُّص مساحات الأمل التي ولّدها الحراك الشعبي بسبب تَشدُّد السلطة وعودتها إلى بعض السلوكات البوليسية".

TRT عربي