تابعنا
على مدار أكثر من أربعة أشهر تراوحت العلاقة بين الجيش والحراك الشعبي في الجزائر بين التهديد والوعيد تارة والغزل والإشادة تارة أخرى والتحذير والتخوين والتشكيك في بعض الأحايين.

الجزائر ـــ تباين موقف الجيش والحراك الشعبي حول طريقة الخروج من المأزق السياسي بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

و تدرّج موقف المؤسسة العسكرية بقيادة رئيس أركان الجيش قايد صالح من متعاطف مع بوتفليقة إلى محايد ثم لاحقاً إلى مُطالب برحيله الفوري نزولاً على رغبة الشعب.

موقف الجيش الجزائري من الأحداث "إيجابي ومشرف ما دام لم يقمع المظاهرات" بحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي نوري دريس في تصريح لـTRT عربي.

ويعتقد أن ذلك يعود إلى تجربة الجيش بأحداث التسعينيات التي تعلّم منها ألا يتدخل في السياسة بشكل فاضح ومباشر، "على عكس ما قام به الجيش في مصر وسوريا، ولا توجد أوجه شبه بينهم".

قطاع واسع داخل المؤسسة العسكرية كان مستاءً من الطريقة التي كانت تدار به الدولة الجزائرية وكان الحراك فرصة بالنسبة لهم للثورة على النظام القائم في تقدير أستاذ العلوم السياسية فريد بن يحي.

مواقف متباينة

اتسم موقف الجيش من الحراك بالارتباك في البداية، عندما تحدّث القايد صالح عن أيادٍ أجنبية وعن "المغرر بهم"، قبل أن يتم سحب ذاك الخطاب بسرعة من المواقع الرسمية، ليشهد خطاب الجيش قفزة نوعية، بتبنّيه الصريح لمطالب الشعب وشرعيتها، إلى أن أعلن قايد صالح قائد الأركان يوم 26 مارس/آذار الماضي، اقتراحه تطبيق المادة 102 من الدستور، التي أفضت إلى رحيل بوتفليقة مضيفاً إليها المادتين 7 و8 اللتين تنصان على أن الشعب مصدر السيادة ومصدر السلطة التأسيسية.

الطابع غير المسبوق للحراك الشعبي والذي يبدو أنه فاجأ المؤسسة العسكرية، جعل قيادتها في وضع دفاعي منذ اندلاع الاحتجاجات بحسب المحلل السياسي أرزقي فراد في تصريح لـTRT عربي، مشيراً إلى أن "المؤسسة العسكرية اضطرت إلى ركوب الموجة وعدلت موقفها وأعلنت مرافقتها للهبة الشعبية".

"العلاقة بين مؤسسة الجيش والحراك كانت أكثر اعتدالاً واتزاناً بدليل التوجه القائم على المرافقة والدعم والحماية كما تبين ذلك من خلال خطابات قائد الجيش" يقول أستاذ العلوم السياسية سليمان أعراج في تصريح لـTRT عربي.

إلا أنه بعد استقالة بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش معاً، كانت الجماهير تنتظر من قيادة الجيش، أن تعيد السلطة إلى الشعب مباشرة من خلال المواد 7 و8 لكن الجيش مضى في تطبيق المادة 102، وإعلان الرابع من يوليو/تموز المقبل تاريخاً لإجراء الانتخابات الرئاسية، وسلم رئاسة الدولة المؤقتة لرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح أحد رموز النظام السابق، كما أبقى على حكومة نور الدين بدوي التي عينها بوتفليقة قبل ذهابه بأيام قليلة.

من هنا بدأت العلاقة بين الطرفين تتأزم بسبب تمسك المؤسسة العسكرية بالمخارج الدستورية لمأزق سياسي، اعتبره الحراك محاولة للالتفاف على مطالبه مثلما بيّنه أرزقي فراد معتبراً أن ما يجري هو محاولة لتجديد النظام السياسي إذ يختزل قائد الجيش المطالب الشعبية في انتخاب رئيس للبلاد في وقت يريد الشعب القطيعة وجمهورية جديدة وبالتالي اعتبر فراد أن نقطة الصدام بين الطرفين بدأت من هنا.

مكافحة الفساد

بعد استقالة الرئيس بوتفليقة وإبعاد رموز عديدة من نظامه، دخلت قيادة الجيش في عملية تفكيك لشبكات نفوذ مالي وسياسي وأمني كانت تشكل مقومات أساسية لنظام بوتفليقة في محاولة بدت وأنها لاسترضاء الشارع المنتفض واستعادة الثقة معه.

ويعتبر بن يحيى أن محاسبة الفاسدين كان خطوة لا بد منها وضرورية في مسار التغيير.

وتحت وطأة ضغط الشارع، أقيل أو سجن عشرات المسؤولين الحكوميين والحزبيين ورجال الأعمال والقيادات الأمنية والاستخباراتية.

وفي هذا الصدد لفت أرزقي فراد إلى أن قائد الجيش يحاول "مقايضة مكافحة الفساد مقابل الإبقاء على النظام الذي أنتج هذا الفساد".

ويرى محللون أن تقديم رجالات النظام كبش فداء وإطلاق إشارات الغزل التي يقوم بها قائد الجيش تجاه الحراك، تهدف إلى تهدئة غضب الشارع واحتواء احتجاجاته المتواصلة.

تشكيك وتخوين

منذ بدء المسيرات الشعبية رفع المحتجون شعارات مؤيدة للجيش وصدحت حناجرهم "الجيش والشعب خاوة خاوة" لكن هذه الهتافات اختفت شيئاً فشيئاً واستبدلت بشعارات منتقدة للقايد صالح بسبب تماطل الجيش في إزاحة بقايا رموز النظام السابق.

وأرخى تعدد ألوان الطيف السياسي للحراك وتنوع قناعاته الأيديولوجية بظلاله على العلاقة مع المؤسسة العسكرية التي ذهبت إلى حد اتهام أطراف في الحراك بخدمة أجندات خارجية وتسعى لإطالة أمد الأزمة.

وبدا ذلك جلياً في إحدى خطابات القايد صالح الأسبوعية عندما أشار إلى أن المسيرات الشعبية أصبحت "مطية سهلة يركبها هؤلاء أشخاص للترويج إلى أفكار لا تخدم الجزائر ولا تتماشى إطلاقاً مع المطالب الشعبية المرفوعة".

بعض الشعارات التي تحاول استهداف قيادة الجيش رُفعت من طرف مجموعات موجهة "تخدم أجندات وأيديولوجية لا تخدم المصلحة العامة التي ثار من أجلها الشعب الجزائري، يقول سليمان أعراج.

في المقابل يرى أرزقي فراد أن هذه الاتهامات "أسطوانة مشروخة هدفها تكسير الحراك وانتهاج سياسة فرق تسد".

تحاول المؤسسة العسكرية الحفاظ على مكانتها ومكتسباتها بالمراهنة على عامل الوقت لإضعاف الحراك الشعبي المتطلع بدوره إلى تغيير شامل وإقامة جمهورية جديدة وبين الغايتين تستمر علاقة الشد والجذب وتستمر معها حالة الانسداد السياسي إلى أجل مسمى.

يعتبر الحراك الشعبي أن محاسبة الفاسدين كان خطوة لا بد منها وضرورية في مسار التغيير (TRT Arabi)
بعد استقالة بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش معاً، كانت الجماهير تنتظر من قيادة الجيش، أن تعيد السلطة إلى الشعب مباشرة (AFP)
موقف الجيش الجزائري من الأحداث إيجابي ومشرف ما دام الجيش لم يقمع المظاهرات (Reuters)
TRT عربي